بقلم: مصطفى عبد السلام
قبل أيام، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية تصريحات خطيرة لمحافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، يجب التوقف عندها كثيرا، ذلك لأنها تتعلق بواحد من أبرز القطاعات الاقتصادية حساسية في مصر، وهو القطاع المصرفي، كما تتعلق بملف مهم أثار جدلا وعلامات استفهام كثيرة في السنوات الأخيرة من حكم مبارك وهو ملف الخصخصة وبيع الكيانات التابعة للدولة سواء شركات أو بنوك.
كما تكشف التصريحات عن أن السرية قد تكون عنوان المرحلة، وأن الكلام عن الشفافية والإفصاح، خاصة إذا ما تعلق الأمر ببيع مؤسسة مالية حساسة، ربما يكون من الماضي.
كشف طارق عامر عبر تصريحات الوكالة الرسمية، عن البدء في إجراءات بيع المصرف المتحد إلى صندوق استثمار أميركي عملاق كما يصفه، بل وتوقع الانتهاء من إتمام صفقة البيع خلال 3 أشهر بعد انتهاء المؤسسة الأميركية من عمليات الفحص النافي للجهالة للبنك المصري.
قصة المصرف المتحد
وقال عامر إن الصندوق الأميركي يعد واحدا من كبار صناديق الاستثمار في العالم ويصل رأسماله إلى نحو 104 مليارات دولار، وإن لديه نشاطاً كبيراً في الأعمال المصرفية، خاصة ما يتعلق بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ولمن لا يعرف المصرف المتحد الذي تم الإعلان عن بيعه من قبل طارق عامر، فهو بنك مملوك بالكامل للبنك المركزي المصري، أي تابع للدولة شأنه في ذلك شأن البنوك الكبرى مثل الأهلي المصري ومصر والقاهرة وإن اختلف اسم المالك.
والمصرف المتحد كيان ناتج عن اندماج 3 بنوك في عام 2006 هي: المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، وبنك النيل الذي كان مملوكا لعائلة عيسى العيوطي، والبنك المصري المتحد الذي كان مملوكا لمجموعة رجال أعمال وكان يحمل في السابق اسم بنك الدقهلية.
والبنوك الثلاثة المندمجة كانت مهددة بالإفلاس بسبب تعثرها المالي وتعثر عدد من عملائها من كبار رجال الأعمال وفي المقدمة نواب القروض أمثال محمود عزام وخالد محمود وغيرهما في سداد المديونيات المستحقة عليهم لأسباب عدة منها صعوبة تسييل الأصول والأراضي التي كانت بحوزتهم.
وبسبب ضخامة الديون المتعثرة في البنوك الثلاثة وتهديدها المباشر للقطاع المصرفي، تدخل البنك المركزي آنذاك لإنقاذ أموال المودعين، وقام بدمج البنوك الثلاثة في كيان واحد وإسناد إدارته للمصرفي المخضرم محمد عشماوي.
ويعتبر المصرف المتحد من البنوك متوسطة الحجم، إذ يبلغ رأسماله نحو 3.5 مليارات جنيه، ويمتلك نحو 54 فرعا منتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية وتتنوع أنشطته، وإن كانت تميل للصيرفة الإسلامية.
قواعد البيع
وبغض النظر عن أن محافظ البنك المركزي طارق عامر لم يكشف عن اسم الصندوق الأميركي الذي تقدم لشراء المصرف المتحد، إلا أن تصريحاته يجب التوقف عندها، فهي تعني مباشرة أنه سيتم بيع بنك مصري بالأمر المباشر ولصندوق استثمار أجنبي، وهو ما يخالف القواعد والأعراف التي تم التعارف عليها، سواء في صفقات بيع البنوك ومنها بنك الإسكندرية الذي كان مملوكا للدولة وتم بيعه لمجموعة انتيسا سان باولو الإيطالية.
كما يخالف الشروط الواجب توافرها في أصحاب رؤوس أموال البنوك المصرية والمساهمين الرئيسيين الذين يمتلكون أكثر من 10% من أسهم أي بنك.
وحسب هذه القواعد التي كان يتم تطبيقها عند طرح أي بنك للبيع، فإن مالك البنك المطروح سواء كان وزارة المالية أو البنك المركزي كان يطرح البنك في مزاد علني ويطبق الإجراءات الآتية:
1- الإعلان عن بيع البنك في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، مع دعوة المستثمرين المهتمين بالصفقة للتقدم بعروض مالية وفنية تحوي السعر أو قيمة الصفقة وخطة تطوير البنك فنيا وماليا.
2- يواكب هذه الخطوة أو يسبقها تشكيل لجنة للإشراف على صفقة البيع وتلقي العروض المقدمة، على أن تضم اللجنة ممثلين عن الأجهزة الرقابية، وأبرزها البنك المركزي المصري والجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ومجلس الدولة وهيئة الرقابة المالية (سوق المال سابقا) وأجهزة سيادية أخرى.
3- كما يواكب الخطوة أو يسبقها تحديد الشروط الواجب توافرها في المشترين، والتي من أبرزها أن يكون المشتري بنكاً، أي مؤسسة مصرفية، وليس مؤسسة مالية أو شركة أو أشخاص، وهذا عرف مطبق منذ حظر البنك المركزي على الأشخاص والشركات تأسيس بنوك بعد تجربة آل العيوطي في بنك النيل وآل ساويرس في بنك مصر اكستريور ونواب القروض وغيرها من التجارب، مثل بنك الأهرام، وأن يكون البنك الذي يعرض الشراء حسن السمعة ولديه سابقة أعمال في الأنشطة المصرفية كما يتمتع برأس مال قوي.
4- السماح للراغبين في الشراء بإجراء الفحص النافي للجهالة، وهي الخطوة التي يحدد المشتري على أساسها قيمة الصفقة بعد دراسته المركز المالي للبنك المطروح للبيع، وفحص محفظته الائتمانية، والتعرف على حجم الديون المتعثرة مقارنة برأس المال وإمكانية استرداد الديون المشكوك في تحصيلها من عدمها.
5- تلقي اللجنة المشرفة على الصفقة العروض المالية والفنية في مظاريف مغلقة، وتحديد جلسة لفتح المظاريف في مزاد علني.
6- إعداد قائمة مختصرة من المشترين تضم أفضل أصحاب أعلى العروض المالية والأفضل من الناحية الفنية.
7- اختيار الفائز بالصفقة من بين القائمة المختصرة، على أن يتم اختيار أعلى سعر.
أين الشفافية؟
كل هذه الإجراءات كانت تتم في شفافية وفي وجود وسائل إعلام محلية وعالمية، ويصاحبها عقد مؤتمر صحافي يتم فيه إعلان اسم الفائز والعرض المالي الذي قدمه، والمؤتمر كان يشارك فيه رئيس الوزراء أو وزير الاستثمار أو وزير المالية ومسؤول بارز في البنك المركزي وأعضاء اللجنة المشرفة على البيع.
هل هذه الخطوات تمت في صفقة المصرف المتحد؟ لا أعرف، لقد فوجئنا مباشرة بالإعلان عن أن صندوق استثمار أميركي عرض شراء المصرف المتحد، وأنه يجري عملية فحص نافي للجهالة، كما فوجئنا بأنه صندوق استثمار وليس بنكا كما جرت العادة.
أين المتنافسين؟
أين إذن المتنافسين على صفقة شراء المصرف المتحد، أين دعوة الشراء، وقائمة المهتمين بالشراء، أين القائمة المختصرة، أين اللجنة المشرفة على الصفقة؟ أم أننا أمام عملية شراء بالأمر المباشر لا تصلح مطلقا في حالات بيع الشركات التابعة للدولة، فماذا يكون الموقف إذا كنا نتحدث عن بنك يتعامل مع ملايين العملاء من مودعين ومقترضين ورجال أعمال؟
على البنك المركزي المصري الكشف عن تفاصيل الصفقة المتعلقة بالمصرف المتحد، وأن يجيب عن السؤال المهم الذي يردده غيري من الغيورين على المال العام والمؤمنين بضرورة توافر الشفافية المطلقة في مثل هذه الصفقات: لماذا اختيار هذا الصندوق الاستثماري الأميركي تحديداً، وهل هذا هو الوحيد الذي عرض شراء المصرف، أم أن هناك مشترين آخرين سواء حاليين أو محتملين، وهل أدخل البنك المركزي تعديلا عل الشروط الواجب توافرها في حائزي أسهم البنوك خاصة الذين يمتلكون أكثر من 10% من رأس المال؟
والأهم من هذه الأسئلة: هل سيتم بيع بنك القاهرة بأسلوب البيع المباشر وليس عبر المزادات كما كان يتم قبل ثورة 25 يناير 2011؟
أخيرا: لماذا يتم بيع المصرف المتحد رغم تحقيقه أرباحا تجاوزت 1.4 مليار جنيه خلال العام الماضي 2018 وبنسبة نمو 31% مقارنة بعام 2017، مع التذكير بأن هذه الأموال تمثل رافدا مهما للموازنة العامة للدولة في ظل عجز ضخم تعاني منه بسبب السياسات الحكومية غير الرشيدة في السنوات الماضية؟
أضف تعليقك