بقلم عامر شماخ
رغم الفشل الواضح لحملة حفتر فيما يُعرف بـ«تحرير طرابلس»؛ فإن الأمور- في اعتقادي- لن تنتهى عند هذا الحد بعودة قواته المدحورة والتسليم بالهزيمة أمام ثوار طرابلس وما حولها. إذ الرجل لا يعدو أن يكون أداة فى يد «كبار!» يخططون له عن بُعد، ويمدونه بالمال والعتاد، وما جرى حلقة في سلسلة قد تطول فيما يمكن أن نسميه «سيناريوهات حفتر» التي لم تكن الحملة الأخيرة أولها.
معلوم أن الجنرال المتقاعد «76عامًا» الأسير السابق، قد قدم إلى ليبيا بأوامر أمريكية لتنفيذ أجندة الغرب ووكلائهم العرب فى القطر الشقيق بعد ثورة السابع من عشر من فبراير التى أطاحت بالقذافى الذى حكم بلده بالحديد والنار لما يزيد على أربعين عامًا، وقد تولى الإسلاميون الحكم بعد الثورة، وهذا ما لا يصح فى رأى الغرب؛ فجاءوا بـ«حفتر» لإفساد البلد ونشر الفوضى فى ربوعه، فتصدى له الثوار الذين لم يكونوا قد ألقوا سلاحهم ، حتى كاد أن يقتل فى إحدى المواجهات.. لكنه مع الأيام سيطر بقوات من المرتزقة على الشرق الليبى، بوابة بلده إلى مصر، وما كان له أن ينجح فى ذلك لولا الدعم الهائل من جارته الكبرى، ومن دول الخليج، خصوصًا الإمارات التى يتصدى مسئولوها لأى مد إسلامى، وقد رأينا فيما مضى أنه كلما قارب على فقد السيطرة على هذا الجزء الشرقى أتاه المدد أضعافًا، وقد وصل هذا المدد إلِى حد دك الطيران المصرى لأحياء مدنية مقاومة بدعوى الحرب على الإرهاب!
أما الحملة الحالية المفاجئة، فلا تفسير لها سوى أنها رد فعل على ما يجرى فى الجزائر من تطورات؛ إذ هذا خطر -فى نظر أمريكا وعسكر مصر ويهود الإمارات -على الشمال الإفريقى كله. فنجاح الجزائريين فى ثورتهم سوف يشجع المصريين على إسقاط نظامهم الانقلابى الفاشى، وسوف يدفع المغاربة إلى الخروج على ملكهم وحكومتهم، وسوف يحسّن الأوضاع فى تونس، وسوف يحسم الأمور فى ليبيا نفسها لصالح الحكومة الوطنية. ولم يغب عن هؤلاء كابوس 2011 وما تلاه؛ إذ لا يزالون يحاربونه، فماذا لو تكرر هذا السيناريو فشمل المغرب والجزائر وليبيا ومصر، فضلًا عن السودان الذى اقتربت ثورته من النجاح؟
من أجل ذلك جمع حفتر قواته من المرتزقة (لاحظوا أشكال وهيئات من وقعوا فى الأسر وقد تفاوتت أعمارهم، وارتدوا خليطًا من الملابس العسكرية والمدنية الرثة، ومنهم عاجزون صحيًّا) وتوجه غربًا لمسافة تصل إلى 1000 كيلو متر للوصول إلى الحدود الجزائرية، فى مغامرة غير محسوبة؛ فالأرض ليست أرضه، وأهلها يعادونه أشد العداوة، ومن يقطع هذه المسافة يصعب عليه أمر الإمداد والتموين، خصوصًا فى الحرب البرية. لذا فقد اصطحب معه مطابخه وطعام جنده (تم الاستيلاء على كميات كبيرة منها فى الزاوية بعد أسر ما يزيد على مائة عنصر من عناصره) وهو كتابع يتم توجيه الأوامر إليه فلا يمتنع، لكنه لم يتوقع ما جرى له ولمرتزقته، من قتل وأسر ومطاردة.
كان الهدف -كما ذكرت- أن يصل المرتزقة إلى حدود ليبيا الغربية ومناوشة ثوار الجزائر، وإجهاض انتفاضتهم، والتسلل لإحداث فوضى، والترقب لما تسفر عنه من نتائج؛ فإن كانت الجولة للجيش الجزائرى –كما حدث فى المحروسة- فلا ضير، وإن كانت للثوار– وغالبًا يأتون بحكومات إسلامية- فساعتها يبدأ (سيناريو حفتر) للتخريب، ومد يد المساعدة للمجرمين عن قُرب، وليكون الجنرال المهزوم حلقة الوصل بين المخربين من جهة وأصحاب رأس المال فى الخليج والمسجلين خطر فى القاهرة من جهة أخرى، فلا تقوم للجزائر قائمة، ويأمنون بذلك من شر موجات الربيع العربى المقبلة.
لكن من الواضح أن الله خيب سعيهم؛ بفضله أولًا ثم بفضل وعى شعوبنا الذى بدأ فى النمو السريع عقب ثورات الربيع العربى وما تلاها من ثورات مضادة فى أقطار عدة، والفضل كذلك يرجع للثوار الليبيين الذين هبوا لملاقاة المرتزق وجنوده، الذى خان عهوده مع حكومتهم، وسلم نفسه لوكلاء الصهاينة القابعين فى الإمارات، ولو لم يفعلوا لجرى عليهم ما جرى على إخوانهم فى شرق البلاد من الذبح والتمثيل بالجثث وإخراجها من قبورها على يد هذا العميل وأعوانه، ولتسببوا فى وقوع الثورة الجزائرية بين شقى رحى؛ الجيش الجزائرى فى الغرب، ومرتزقة الإمارات فى الشرق.
ومما يؤيد أن الثورة الجزائرية هى المستهدفة بالأساس؛ سعى قوات حفتر للاستيلاء على مطار العاصمة كأول عمل عسكرى له بعد دخوله طرابلس، والإلحاح فى ذلك؛ إذ كلما حرره الثوار عاد إليه مرة أخرى، عكس ما كان يتوقع لو أنه أراد (تحرير طرابلس) كما ادعى؛ فالطبيعى أن يقضى على ارتكازات المقاومة وجماعات الجهاد المنتشرة فى المنطقة، لكنه أراد أن يخلق وضعًا دوليًّا جديدًا، ويقطع الصلة بين الجزائر وشرقها الإفريقى، ويمنع تسلل الثورة إلى ليبيا ثم إلى المحروسة التى يتحرق أهلها شوقًا للتخلص من نظامها الفاشى.
إذًا فشل حفتر وآمروه وممدوه بالمال والسلاح. لكن، فى اعتقادى، أنهم سيعاودون الكرّة، وسيأتون بـ(سيناريوهات) أخرى، وسيكون هذا الـ(حفتر) وأمثاله عقبة فى طريق الثوار لتحقيق أمانيهم فى أوطان حرة شريفة. قد يطول أمد هذا الصراع، لكنه فى النهاية سيحسم –بكل تأكيد- لأهل الشرف والمروءة ممن يدافعون عن أوطانهم لئلا يغنمها الجبناء من لا دين لهم ولا ضمير.
أضف تعليقك