• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. عبد الرحمن يوسف

حراك سلمي جزائري، برغم كل تحذيرات معسكر الثورة المضادة العابر للأديان والأيديولوجيات، وبرغم كل إرهاب الإعلام الذي يتوعد الشعوب بمصير "سوريا والعراق ومصر"!

حين يتحدث أحد منا (نحن المصريين المحسوبين على ثورة يناير) نرى البعض يتهكم، ويقول: بأي حق تتحدثون؟ وبأي حق تنصحون الجزائر؟ كان أولى بكم أن تنصحوا أنفسكم!

ولأن الأمر لا يخلو من وجاهة... فإنني لا أوجه في هذه المقالة نصيحة لأحد، بل هي هدية صغيرة للشعب الجزائري الحبيب، لا آمرهم فيها ولا أنهاهم، بل أحكي لهم من وجهة نظري كشاهد ومشارك في الأحداث ما هي أهم الأخطاء التي وقعنا فيها، والتي أدت إلى الحالة الاستبدادية المستعصية التي وصلنا إليها!

هذه أخطاؤنا الأساسية الكبرى... فمن أراد أن يعتبر فليعتبر... ودعاؤنا آناء الليل وأطراف النهار لكل عربي ينتفض سلميا من أجل حريته واستقلال بلاده.

* * *

الخطأ الأول: تحويل معركة الحرية إلى معركة هوية

لقد قامت الثورة المصرية بمطالب شعبية واضحة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية)، ولم تقم من أجل حكم علماني أو أسلامي.
قامت من أجل دولة مدنية تساوي بين المواطنين، وتخضع جميع المؤسسات للقانون، ولم تقم من أجل أن تلبس أمي أو أمك الحجاب، أو البيكيني... لا فرق!

حين تحولت معركة الحرية إلى معركة هوية... انتهت الحكاية!

* * *

الخطأ الثاني: القبول بمرحلة انتقالية طبقا لرؤية المخلوع

من الذي حدّد المسار الذي سارت فيه الثورة المصرية بعد خلع مبارك؟

إنه مبارك نفسه!

من الذي عيّن اللجنة التي أجرت التعديلات الدستورية، والتي على أساسها أجري الاستفتاء المشؤوم في التاسع عشر من آذار/ مارس 2011؟

إنه مبارك نفسه!

ما مشكلة هذه اللجنة؟

مشكلتها الأولى أنها لجنة تعبر عن مصر التي انتهت (أو كان ينبغي لها أن تنتهي) بقيام ثورة يناير، لا مصر التي ولدت (أو التي كان ينبغي لها أن تولد) باندلاعها.

هذه اللجنة مثلا؛ لم يكن فيها شخص واحد يمثل الملايين التي نزلت للميدان.. كان الجميع حاضرا فيها، الدولة، والعسكر، والقضاء، والإخوان... الخ، إلا من قاموا بالثورة، لم يكونوا حاضرين، ولم يستمع لهم أحد، فلا يوجد عضو واحد من أعضاء هذه اللجنة قد نزل إلى الميادين وفهم طبيعة الحراك الذي أدى لهذه الثورة العظيمة.

مبارك هو من قرر أن يكون المجلس العسكري (وحده لا شريك له) مشرفا على المرحلة الانتقالية كلها، من أولها لآخرها، وهذا في حد ذاته خطأ لا مثيل له. وفكرة المجلس الرئاسي (التي سخرنا منها كثيرا بفعل فاعل) كانت أنسب الأفكار لإدارة مرحلة انتقالية تضمن وجود الجيش (بحكم أنه الحاكم بموازين الأمر الواقع)، وتضمن أن لا ينفرد بإدارة الفترة الانتقالية.

أستاذنا الكبير المستشار طارق البشري وضع (بمباركة اللجنة) شروطا غير منطقية للترشح للرئاسة، أقصت ملايين المصريين الذين اضطرتهم ظروفهم لترك مصر في عهود اضطهاد سابقة؛ وحصلوا على جنسيات أخرى بالإضافة للجنسية المصرية، ووضع كثيرا من الأفخاخ التي استخدمها المجلس العسكري للانقضاض على المسار الديمقراطي نفسه.

* * *

الخطأ الثالث: التنافس بدلا من الاصطفاف

الديمقراطية أساسها التنافس... هذا صحيح... وما زال كثير من أصحاب النوايا الطيبة (أو السيئة) يرددون هذا الكلام، ولكن في غير موضعه...!

إسقاط الأنظمة المستبدة تليه مرحلة "تحول ديمقراطي"، ومراحل التحول الديمقراطي أساسها التوافق، والاصطفاف، وفي هذه المراحل تُقدَّمُ المصالح الوطنية العليا على المكاسب الحزبية الصغيرة، وعلى الطموحات السياسية الزائلة.

للأسف الشديد لم تكن النخب على مستوى الحدث أبدا، وبدأت معارك تنافسية حامية، أساسها الاستقطاب الأيديولوجي القائم على الهوية، وديست المصالح الوطنية تحت أقدام التنافس السياسي.

إسقاط الأنظمة المستبدة تليه مرحلة "تحول ديمقراطي"، ومراحل التحول الديمقراطي أساسها التوافق، والاصطفاف، وفي هذه المراحل تُقدَّمُ المصالح الوطنية العليا على المكاسب الحزبية الصغيرة
* * *

الخطأ الرابع: الاحتفال المبكر

كان خلع مبارك من اللحظات التي لا تنسى في تاريخ هذه المنطقة، فنظامه كان راسخا، متمددا، داخليا، وإقليميا، ودوليا!

لذلك كان من المنطقي، ومن الطبيعي أن نحتفل، ولكن ما حدث أننا احتفلنا احتفال من كسب الحرب، لا احتفال من ربح جولة، وبالتالي أهدرنا وقتا كبيرا كان ينبغي أن نقضيه في التجهيز لجولات ما بعد مبارك.

لم تكن غالبية من شاركوا في الثورة على علم بالخطوة التالية، وأحسنا الظن في مؤسسات الدولة الفاسدة، وأسكرتنا نشوة الانتصار.

* * *

الخطأ الخامس: معاداة جميع مؤسسات الدولة، أو التحالف معها على انفراد

إن التحول الديمقراطي في أي أمة لا يمكن أن يتجاهل مؤسسات الدولة نفسها، فالهدف الحقيقي للتحول هو أن تخضع تلك المؤسسات (خصوصا مؤسسات القوة) للمدنيين المنتخبين الذين يمثلون الأمة، لذلك لا بد أن يكون الجيش جزء من المرحلة الانتقالية.
 

إن معاداة أجهزة الدولة كلها، والتعامل معها بثورية ساذجة على أساس أنها جميعا لا بد أن تزال من الوجود خطأ كبير، وقد وقع فيه البعض!

كان من المستحيل في الحالة المصرية بعد ستة عقود من حكم العسكر أن نخرج المؤسسة العسكرية من الحكم فورا، ولكن في الوقت نفسه كان من المستحيل أن ينجح التحول الديمقراطي بعد أن أشرف المجلس العسكري منفردا على المرحلة، تساعده في ذلك نخبة تحمل همّ الهوية أكثر من هموم الناس، وتعمل في جو استقطاب كامل أكثر مما تعمل في جو توافق واصطفاف.

إن معاداة أجهزة الدولة كلها، والتعامل معها بثورية ساذجة على أساس أنها جميعا لا بد أن تزال من الوجود خطأ كبير، وقد وقع فيه البعض!

والتعامل مع أجهزة الدولة على أساس أنها تأمر فتطاع خطأ كبير أيضا، وقع فيه الغالبية.

ما الحل إذن؟

الحل في التحالف مع الراغبين في تأييد التحول الديمقراطي من قيادات هذه المؤسسات، على أن يكون التحالف بالطريقة الصحيحة.

لقد تحالف التيار المدني مع العسكر، وتحالف الإسلاميون مع العسكر، وكلاهما قد أخطأ لأنه تحالف معه منفردا، لمصلحته هو فقط، وبإقصاء الطرف الآخر، وكلاهما في الحقيقة يتحالف ضد الديمقراطية نفسها (لا فرق في ذلك بين منتخب وغير منتخب).

كان من المفترض أن يصطف جميع أنصار الديمقراطية صفا واحدا، ومن منطلق هذه القوة التي يمنحها هذا التحالف يتم التعامل مع مؤسسات القوة في الدولة.

المفترض أن يصطف جميع أنصار الديمقراطية صفا واحدا، ومن منطلق هذه القوة التي يمنحها هذا التحالف يتم التعامل مع مؤسسات القوة في الدولة

هنا... يصبح للتحالف مع هؤلاء فوائد تعود على الوطن، وفي هذه الحالة لا يمكن للعسكر أن يأكلوا الطرف الآخر، كما حدث في مسار الثورة المصرية.

لقد أخطأنا لأننا تفرقنا، ثم أخطأنا حين عجزنا عن إيجاد قيادات تؤيد الديمقراطية في مؤسسات القوة، وأخطأنا حين تحالف كل فصيل أيديولوجي مع العسكر منفردا، فكانت النتيجة أننا قد أكلنا جميعا... واحدا بعد الآخر!

هذه (في رأي كاتب السطور) أخطاؤنا الكبرى... فليستفد منها من يشاء!

أضف تعليقك