بقلم: عز الدين الكومي
ما أشبه الليلة بالبارحة، عندما صدر وعد بلفور المشؤوم، وهو ما يعرف بوعد بلفور أو تصريح بلفور (Balfour Declaration)، وهو عبارة عن رسالة أرسلها "آرثر جيمس بلفور" بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 إلى اللورد "ليونيل والتر دى روتشيلد"، يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وجاءت رسالة بلفور على النحو التالي:
عزيزي اللورد روتشيلد:
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر جيمس بلفور
* * *
وكما هو معلوم، فإن بريطانيا لم تصدر وعدها المشؤوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ تعاطفا مع اليهود أو الصهاينة، كما أراد بلفور أن يفهمنا، أو إيمانا بقضيتهم، وإنما تحقيقا لمصالح بريطانيا وأهدافها، سواء بزرع هذا الجسد السرطاني لتقسيم العرب وكخنجر مسموم في خاصرة دولة الخلافة، والتخلص من اليهود في بريطانيا.
ترامب عندما نجح في تمرير قراره بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الكيان الصهيوني، وقام بنقل السفارة الأمريكية إليها في كانون الأول/ ديسمبر 2017، شجعه ذلك على خطوة الاعتراف بالسيادة الصهيونية على الجولان
ولا يمكن إغفال حقيقة هامة، وهي أن ترامب عندما نجح في تمرير قراره بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الكيان الصهيوني، وقام بنقل السفارة الأمريكية إليها في كانون الأول/ ديسمبر 2017، شجعه ذلك على خطوة الاعتراف بالسيادة الصهيونية على الجولان، وقبلها بأيام صدر التقرير الأمريكي السنوي لحقوق الإنسان، والذي أسقط صفة الاحتلال عن مرتفعات الجولان وغزة والضفة الغربية، خلافا لما ينص عليه القانون الدولي. وللأسف، اقتصرت المواقف العربية والدولية الرافضة لقرار القدس على بيانات الشجب والاستنكار، ثم خفتت الأصوات خضوعاً لسياسة الأمر الواقع، التي تجيد أمريكا اللعب بها.
وبعيدا عن أن "حافظ الأسد" باع الجولان مرتين مرة عندما تم تنصيبه رئيسا لسوريا، في مقابل الجولان وضرب الإسلام والقضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان، والمرة الثانية بتحويل سوريا إلى جمهورية ملكية وتولية ولي عهده "بشار الأسد"، الذي قتل وهجر الشعب السوري، ودمر بنيته التحتية، وجاء بالروس والإيرانيين وحزب الله لحمايته وحراسته، فقد شهد الرئيس الراحل "أنور السادات" بأن "حافظ الأسد" تقاضى مبلغ 50 مليون دولار مقابل انسحاب الجيش السوري من الجولان وتسليمه إلى الكيان الصهيوني، كما جاء على لسان الدكتور "محمود جامع" الذي قال بالنص: "في صباح أحد الأيام اصطحبني السادات معه على انفراد ودون حراسة، حيث كانت مخصصة لنا سيارة، وتوجهنا إلى هضبة الجولان بناء على رغبة السادات، وأقسم بالله العظيم أنه وضع يده على كتفي ونحن واقفين على هضبة الجولان، وقال لي بالحرف الواحد: انظر يا محمود هذه هي الجولان، هل يمكن لأية قوة أن تستولي عليها بهذه السهولة حتى لو كانت إسرائيل؟.. قال لي سأخصك بسرّ خطير، وهو أنّ هذه الهضبة دفعت فيها إسرائيل مبلغ 100 مليون دولار آنذاك بشيك تسلمه كل من حافظ ورفعت الأسد، وأودع في حساباتهما في أحد بنوك سويسرا، وأنّ رقم الشيك موجود لدى عبد الناصر في خزانته".
وقبل ذلك، كشف الرائد "خليل مصطفى"، الذي اعتقله حافظ الأسد لنشره فضائح الأسد في كتاب "سقوط الجولان" (ص 99) أنّه "لم تكن هناك نيّة لدى النظام السوري لخوض أية معارك في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكلّ ما تمّ كان عبارة عن مسرحية ذات سيناريو ضعيف مكشوف، والدليل أنّه فعلا لم تجر أية مواجهات حقيقية بين الجيشين، والتي سماها بـ"خطة الهجوم الكاذبة"، إلى حدّ أن أوامره المرتبكة من الهجوم إلى الدفاع إلى الانسحاب جعلت كافة المواقع والوحدات السورية هدفا للطيران الإسرائيلي، فأخذ يتسلى بضرب هذه القوات بالرشاشات والقنابل وصواريخ النابالم، وكانت كارثة حطمت الهجوم، وأفرغت المواقع الدفاعية من حماتها، وتركت الأرض عراءً أمام العدو، تغطيها الجثث وهياكل الآليات وحطام الأسلحة، بدلا من أن تغطيها النيران لتدفع عنها شرّه، وترده خائبا يجرّ الخزي والانكسار".
ولعل سائلا يسأل: لماذا أقدم ترامب على هذه الخطوة؟ نعود لوعد بلفور بأن بريطانيا كانت تهدف من وراء هذا الوعد لمصالحها، وليس مصلحة اليهود.
وكذلك ترامب عندما أقدم على منح الجولان هدية لنتنياهو، كان يهدف من وراء ذلك إلى المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى. فترامب يطمح في ولاية ثانية، ويعول على اللوبي الصهيوني في الحصول على هذه الولاية.
أما من يعتبرون تصرف ترامب مخالفة للقانون الدولي، وأنه يقوض أي جهد للوصول إلى السلام العادل، حسب نظرية الأعراب (الأرض مقابل السلام)، فلا أرض ولا سلام؛ لأن أمريكا منذ عقود لا تعترف بالقوانين الدولية، ولا القيم ولا المبادئ، ولكنها تعرف المصالح فقط.
وقد استفاد "ترامب" من أنظمة تقوم بدور كلاب الحراسة نيابة عن أمريكا والغرب، في مقابل الحفاظ على العروش والكراسي.
أضف تعليقك