وائل قنديل
يجلس أحمد أبو الغيط، أمين عام ما تسمى جامعة الدول العربية، فوق منصة وثيرة ليلقي كلمة الافتتاح لما تسمى قمة عربية.
لن تظهر في الخلفية صورته الشهيرة، وهو يقوم بدور العكاز لوزيرة الخارجية الصهيونية، تسيبي ليفني، وهي تعلن، من القاهرة، قرار بدء الحرب على غزة ديسمبر/ كانون أول 2008. لكن هذه الصورة الفاضحة ستقفز على سطح ذاكرة كل من يتابع المشهد.
اختار العرب أن يعقدوا قمتهم، صباح اليوم التالي للذكرى الثالثة والأربعين ليوم الأرض الفلسطيني، الذي اشتعلت أحداثه مع إقدام سلطات الاحتلال على قضم مساحاتٍ جديدة من الأراضي الفلسطينية، فخرجت تظاهرات عارمة في كل فلسطين، واجهها الاحتلال بالرصاص فكان شهداء ومصابون بالمئات، وبقي هذا اليوم خالدًا في الذاكرة.
"هنا/ على صدوركم باقون كالجدار/ وفي حلوقكم، كقطعة الزجاج، كالصَبّار/ وفي عيونكم، زوبعةً من نار". هكذا ردد الفلسطينيون، خلف شاعرهم توفيق زياد، ولا يزالون، بينما المجتمعون في ما تسمى قمة العرب في تونس يتنافسون في خدمة أطماع المحتل بالأرض.
يجتمعون، وكثيرون منهم أسقطوا مفهوم قدسية الأرض وقيمة التراب الوطني، ليس في خريطة فلسطين فقط، وإنما في خرائط دول عربية أخرى، لتصبح سيناء، مثلًا، موضوعةً على مائدة الترتيبات الإقليمية الخاصة بالشرق الأوسط الجديد، كما صاغته الرؤية الصهيونية.
في البدء، كانت صفقة جزيرتي تيران وصنافير، البائع مصري والمشتري سعودي، والمستفيد إسرائيل، إذ كانت الصفقة التطبيق العملي الأولى لعقيدةٍ جديدةٍ تقول إنه لا قداسة للخرائط. وكما قلت، في وقتها، إذ يفقد التراب قدسيته، وتساق الجغرافيا، خادمةً مقهورة، في بلاط الحكام الجدد، ويكون التطبيق الأول لمبدأ أن لا قداسة للأرض والحدود بالتخلي عن تيران وصنافير للسعودية، بعلم إسرائيل ورغبتها، ثم يأتي مشروع "نيوم" ترجمة حرفية لأحلام شيمون بيريز في التطبيع من خلال السياحة، وذلك باقتطاع مساحاتٍ من سيناء والأراضي الأردنية لإقامة المشروع السعودي الكبير الذي ينقل الصهاينة إلى عمق العواصم العربية.
ثم نصل إلى المرحلة التي يصبح فيها دونالد ترامب واثقًا من أن أحدًا من الحكام العرب لن تكون لديه اعتراضات جوهرية على قراراتٍ بمنح القدس، ثم الجولان، للصهاينة، يوقعها وكأنه يتناول قطعة هامبرغر ماشيًا.
يقولون إن على جدول أعمال القمة في تونس مشاريع قرارات داعمة للقضية الفلسطينية، ومؤكدة لعروبة القدس والجولان. حسنًا، هل يمكن أن تسمح عاصمة عربية واحدة بتظاهرة أو وقفة جماهيرية إحياء ليوم الأرض؟ هل يستطيع المواطن المصري، مثلًا، أن يهتف من أجل القدس في رحاب الجامع الأزهر، أو في ساحات الحرم الجامعي، من دون أن يجد نفسه في الزنزانة، بعد تكسير عظامه بهراوات الأمن؟.
هل يمكن أن يتخذ المجتمعون في القمة قرارًا بوقف موجة الهرولة الجديدة نحو التطبيع، ردًا على تهويد القدس وأسرلة الجولان؟ هل يمكن أن يصدر قرارٌ ينص على مشروعية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، ويلزم رئيس سلطة رام الله بالكفّ عن التحريض ضد المقاومة، ويدعو الشعوب العربية إلى الانتفاض دفاعًا عن القدس وفلسطين والجولان؟.
كيف ذلك، وهي قمة عرب ترامب؟
أضف تعليقك