• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: د. عزام التميمي

بعد مرور ثمانية أعوام على انطلاق ثورة 25 يناير في مصر، يبدو المشهد غاية في البؤس. مصر الدولة في انحطاط وانحسار وتفتت، ومصر المجتمع في شقاء متجدد، ومصر المهجر في حيرة وتخبط. 

 لم يعد بإمكان أحد اليوم أن يكرر كذبة من أكاذيب الثلاثين من يونيو 2013، أو ما سبقها أو ما تلاها من افتراء وتزوير وتضليل، فقد ثبت أن المخلص الذي فوضه المغفلون والفاجرون وأصحاب الضغائن من كل لون إنما هو الدجال، وأن الإخوان الذين خُوف الناس منهم وحُذروا، وباتوا اليوم وراء القضبان أو تحت الثرى، هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وفي مقدمتهم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي فك الله أسره وأسر إخوانه. 
 
ها هو الدجال الذي وعد بإنقاذ مصر يغرقها يومياً في مستنقع من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وها هو الآن يسعى لتغيير الدستور بما يضمن له البقاء في الحكم إلى عام 2034، كما سمعنا. وما كان بإمكانه أن يتمادى بعد جرمه الأول، ثم جرمه الثاني، فالثالث، وعدد ولا حرج، لولا اجتماع خصوم الأمة ضمن حدودها التاريخية وخارجها على إحباط مشروع النهضة والتحرر.
 
نعم، ثورات العرب التي انطلقت من تونس في أواخر 2010 ثم ما لبثت أن انتقلت سريعاً مطلع 2011 إلى مصر ثم إلى ليبيا وسوريا واليمن والعراق، كانت بالفعل حراكاً تاريخياً في سبيل النهضة والتحرر، وكان يمكن أن تتسع دائرتها لتشمل بلاد العرب من المحيط إلى الخليج لولا أن تصدى لها خصوم الأمة بكل ما أوتوا من قوة.
 
من هم خصوم الأمة؟
 
إنهم صهاينة متعددو الألوان والأعراق، لا يجمعهم شيء بقدر ما يجمعهم العداء للأمة، صهاينة بلسان عبري، وصهاينة بألسنة شتى، وصهاينة بلسان عربي، ممن دفعوا ويدفعون المليارات عاماً بعد عام لسد الطريق على الشعوب التواقة نحو الحرية والكرامة. إن من أعتى خصوم الأمة وأشدهم عليها أولئك الذين يحكمون شعوب العرب اليوم رغماً عنهم، وهؤلاء يشتركون فيما بينهم بحبهم للفساد وتأليه الذات، والتلذذ بقهر العباد. 
 
ما يفعله الخصوم الطغاة مفهوم، فهم يخوضون حرباً للدفاع عما استأثروا به من سلطات وما نهبوه من ثروات. وما يفعله الخصوم المساندون لهم في مشارق الأرض ومغاربها مفهوم، فهم يدافعون عما يعتبرونه مصالح دولهم ومستقبل شعوبهم. 
 
كلا الفريقين يشعر اليوم بنشوة الانتصار في معركة كانت حاسمة، لو خسروها لرأينا اليوم في العالم العربي نواة منظومة ديمقراطية، يحكم فيها منتخبون من قبل الشعب بنص دستور يتوافق عليه الشعب وبنظم من تشريعات يسنها ممثلو الشعب بعد أن اختارهم الناس بإرادة حرة.
 
ما من شك في أن خسارة الشعوب كانت فادحة، وكان وقع الكارثة على من تصدروا للحراك الشعبي مدمراً، وأكثر من تضرر من بين هؤلاء هم جماعة الإخوان المسلمين، التي تُشن عليها اليوم الحرب في مشارق الأرض ومغاربها، من قبل كل صهاينة الأرض، لأنها في نظرهم كانت رائدة التغيير الذي أوشك أن يتم، والحراك الذي كان سيعم. 
 
أسعد الناس بخسارة الشعوب كان قادة الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين، لمعرفتهم يقيناً بأن اليوم الذي تستعيد فيه الشعوب العربية حريتها وتملك إرادتها سيكون اليوم الذي يدق فيه أول مسمار في نعش مشروعهم الاستعماري العنصري الإحلالي.
 
ولذلك جيش الصهاينة وأعوانهم قوى العالم شرقاً وغرباً ضد مشروع التغيير، وبالذات ضد الإخوان المسلمين.
 
ثم ما لبثت دائرة الحرب أن اتسعت لتشمل كل من يعتبره خصوم الأمة امتداداً فكرياً أو سلوكياً للإخوان، حتى لو لم يكن يوماً منهم، وحتى لو كان يوماً منافساً أو خصماً لهم. 
 
لا يخفى على أحد أن الإخوان اليوم ليسوا في أفضل أحوالهم، وخاصة في مصر، حيث كانت الضربات هي الأقسى، ومحاولات الاجتثاث هي الأشمل.  
 
 
في الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة المصرية يحتاج الإخوان أكثر من غيرهم، وخاصة من كانوا منهم في الخارج، لأن يعالجوا ما ألم بهم. يحتاج الإخوان إلى أن يعودوا إلى ما تعلموه في أسرهم وكتائبهم، بل ودرّسوه لغيرهم، من أن تغيير ما في النفس هو الأول والأولى، وذلك أن تغيير الأحوال الخارجية لا يتحقق ما لم تتهيأ له النفوس، تخلصاً من أدران القلوب، وترفعاً عن الصغير والكبير من المثالب والعيوب. 
 
لم يكن ميزان القوة في المنطقة ولا في العالم لصالح التغيير لا عام 2011 ولا اليوم، ولكن هذا الميزان يمكن أن يتغير بإرادة الله متى ما شاء الله. ولعلنا إذا أصلحنا ما في نفوسنا وأصلحنا ذات بيننا نحظى بلطف الله وعطفه، وإيذانه بتغيير ميزان القوة لصالحنا. 
 
لربما كان أفضل إخوان مصر حالاً اليوم هم من في السجون، فالسجون كما تعلمنا مما سمعناه من تجارب من قضى فيها شطراً من عمره، تزيد المرءثباتاً ويقيناً، وتعمق لديه الفهم وتحفظ الدين، وتقرب الناس بعضهم إلى بعض، وتزيل كثيراً مما يعلق بالقلوب من أدران وبالنفوس من أمراض.
 
رغم ما يتعرضون له من تعذيب نفسي وبدني، إلا أننا نحسب المعتقلين السياسيين في سجون طواغيت العرب في حالة من السمو الروحي والاستعلاء الإيماني لو شعر بشيء منه فاقدوه لغبطوهم عليه. 
 
واليوم، لم تعد المعتقلات حكراً على الإخوان، فحتى من فرح يوماً بما جرى للإخوان على يد العسكر، زج به هؤلاء في السجون لما رأوا لديه أمارات التمرد على الفرعون. ولعل هؤلاء القادمين الجدد إلى السجون يدركونداخلها أن خصمهم لم يكن يوماً الإخوان وإنما من بطش بهم بعد أن بطشبالإخوان. 
 
ولعل تلك هي الرسالة التي يحتاج كل رافض للانقلاب اليوم أن يعيها، سواء وجد داخل مصر أو خارجها. فالإخوان – رغم ما آلت إليه أوضاعهم – هم  جزء من الشعب، بل هم بعض من خيرة أبناء الأمة، رجال ونساء جمعتهم فكرة، والفكرة تلزمهم بأن يعملوا، وبرنامج عملهم يبدأ بإصلاح النفس ثم إصلاح المحيط بهدف إنقاذ الأمة من التخلف والتبعية والاستبداد.
 
سيظل الإخوان هم رواد حركة التغيير طالما ظل قادتهم صامدين وراء القضبان. وثبات هؤلاء وصمودهم يصلح أن يكون شعاراً تجتمع عليه حركة المعارضة لتلم شعثها وتعزز وحدتها. 
 
ولذلك أستغرب ممن يطالب بأن يكون أساس اجتماع المعارضة في الخارج صرف النظر عن بطولات الأحرار رغم الأصفاد والقيود، وأستغرب أكثر عندما يتعمد البعض تجاهل عمالقة مثل الدكتور مرسي وإخوانه ظناً منه بأنه بذلك يقف على أرضية تشمل حتى خصوم الإخوان. هل كنتم تتصورون نجاحاً لحركة مقاومة الأبارتيد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا لو أن نيلسون مانديلا ورفاقه في النضال همشوا أو تم تجاهلهم أملاً في كسب أمثال بوتوليزي ومن كانوا على استعداد يوماً للتعايش مع الطغاة؟
 
تحتاج المعارضة المصرية اليوم زعيماً تلتف حوله، وتحتاج إلى قضية تجعل منها ميداناً لنضالها وجهادها. أما الزعيم فهو الرئيس المنتخب بلا منازع، الدكتور محمد مرسي. وأما القضية فهي الحرية والديمقراطية. ولا أرى حكمة لدى من يسعى لكسب فلان أو علان ممن كانوا يوماً في صف الانقلابيين فيضحي بمرسي، ولا أرى حكمة لدى من يسعى لاسترضاء من فوضوا الفرعون يوم الثلاثين من يونيو من خلال هجر الإخوان. 
 
جميل أن يعود الناس إلى رشدهم وأن يستعيدوا وعيهم، ولكن ألا ينبغي أن يطلب ممن أراد اليوم أن يكون جزءا من جبهة معارضة عريضة أن يعتذر إلى الشعب بعد أن حرض يوماً ضده؟ ويعتذر لمرسي بعد أن طعنه يوماً في الظهر؟ ويعتذر للإخوان بعد أن افترى يوماً عليهم؟

أضف تعليقك