بقلم: علي أنوزلا
- كاتب صحفي مغربي
ما شهده العالم العربي من تطوراتٍ متسارعةٍ، عشية نهاية السنة الماضية، يدل على أن بداية سقوط الثورات المضادّة التي جاءت للقضاء على "الربيع العربي" قد أزفت. والمعروف أن محور ما سميت الثورات المضادّة تشكل من ثلاث عواصم عربية كبرى، أبو ظبي والرياض والقاهرة، فعند اندلاع ثورات الشعوب العربية عام 2011، عملت الإمارات العربية والسعودية على وقف زحف الغضب الشعبي، حتى لا تنتقل شرارته إلى شبه الجزيرة العربية. وتدخل ما سمي "درع الجزيرة" عسكريا لسحق الثوار في دوار اللؤلؤة في المنامة عاصمة البحرين، وفرضوا حصارا عسكريا يمنع التظاهر. وفي اليمن، تدخلت الدولتان عبر مجلس التعاون الخليجي لاحتواء مطالب الثوار اليمنيين في ميدان السبعين في صنعاء، وتم إيجاد مخرج مشرف لعلي عبدالله صالح أبعده عن السلطة، من دون أن يسلمها للثوار، وبقية قصة الثورة اليمنية المغدورة معروفة، وما زالت تداعياتها تتفاعل في فصول درامية مؤلمة. وكان أكبر نجاح حققه محور الثورة المضادة هو الانقلاب العسكري في مصر، والذي مكن أبو ظبي والرياض من تنصيب كفيل لهما على رأس أكبر دولة وقوة عسكرية عربية. وفي سورية، وخوفاً من أن يتكرّر سينايو الثورة المصرية، ويأتي ربيع دمشق بإخوان مسلمين إلى الحكم، سارع محور الثورة المضادة إلى تسليح الثوار السلميين في درعا، وتجنيد الشباب العربي المؤدلج عبر العالم، لإشعال حرب إيديولوجية إقليمية، أتت على الأخضر واليابس في المنطقة، من دون أن تنجح في تحقيق هدف محور "الثورة المضادة"، وهو إسقاط نظام بشار الأسد، وتنصيب "حكومة شرعية" على شكل حكومة عبد ربه منصور هادي في اليمن، تتلقى تعليماتها من أبو ظبي والرياض. مع نهاية عام 2018، يبدو أن جميع مشاريع محور الثورات المضادة بدأت تسقط، والبداية من الرياض حيث أدّت جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، بالطريقة البربرية والبشعة التي هزّت العالم، إلى القضاء على أحلام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي خطط ليحكم بلاده، ومن خلالها العالم العربي، خمسين سنة، فالرجل الذي تلطخت يداه بدم صحافي بريء مهما فعل لتجميل صورته لن تمحو عنه كل أموال السعودية وثرواتها ذنب الجريمة التي ستظل تلاحقه حتى قبره، ذلك أنه فقد أهم شرعية قد تجعل منه حاكما لبلاده، وممثلا لها، وهي الشرعية الأخلاقية التي أسقطتها عنه فضيحة الجريمة البشعة التي ما زالت تداعياتها تلاحقه. والشرعية الوحيدة التي تجعل اليوم محمد بن سلمان يستمر في موقعه وجود حليف قوي يدعمه، ليس حبا فيه هو نفسه، وإنما طمعا في ثروات بلاده، وهذا الحليف هو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يجد هو نفسه صعوبةً كبيرة في الاستمرار في منصبه في البيت الأبيض حتى نهاية ولايته التي بدأت سنتها الثالثة على وقع فضائح مثيرة، قد تهز عرشه في كل لحظة.
أما في أبو ظبي، والتي تعتبر عقل الثورات المضادّة، فجاء الإعلان عن فشل تدبيرها من خلال إعلانها المفاجئ التطبيع مع نظام بشار الأسد الذي حاربته بالمال والعتاد والرجال لإطاحته، فقد حمل هذا الإعلان في طياته استسلاما لعاصمة "الثورات المضادّة"، وكان طبيعيا أن نشهد سباق العواصم والأنظمة التي تدور في فلك محور "الثورات المضادّة"، نحو التطبيع مع دمشق الأسد. وعكس ما يحاول بعضهم ترجمة موسم التطبيع العربي مع دمشق بأنه انتصار للأسد ونظامه، فإن ما حصل هو العكس، أي فشل "الثورات العربية" التي ساهمت في استمرار الأسد طوال السنوات السبع الماضية. أما الأسد حاكما فقد سقط أخلاقيا، لأن الرئيس الذي قتل ربع مليون نسمة من شعبه، وهجّر نصفه، ودمر بلاده، وفتحها لجميع قوى الأرض لتجرب فيها وفي شعبها كل أنواع الأسلحة، لا يملك أية شرعية، لا أخلاقية ولا سياسية ولا دينية، للاستمرار في الحكم. وغدا عندما تهدأ أصوات المدافع، وتتوقف براميل البارود وقصف الطائرات الروسية، سيجد الدكتاتور نفسه عاريا مرة أخرى أمام إرادة الشعب التي لا يمكن أن تصادرها أسلحة العالم التي قد تنجح في قمعها وإخراسها بعض الوقت، وليس كل الوقت. اقرأوا تجارب الشعوب الأخرى وتاريخ ثوراتها.
أما في مصر فقد أبان النظام الانقلابي عن محدودية خداعه شعبه، فها هو ينهي عامه الخامس على وقع الفشل المتكرّر في كل المجالات، فشل أمني وفشل اقتصادي وفشل سياسي. الأمر الوحيد الذي نجح فيه نظام عبدالفتاح السيسي هو سرقة الثورة، وإخراس أصوات معارضيه، لكن إرادة الشعب ما زالت تنتظر الشرارة التي ستطلقها من عقالها.
ما شهدته السنة المنتهية من تحولاتٍ وأحداثٍ كبرى، على مستوى المنطقة العربية، سيجعلنا نتوقع تداعياتها خلال هذا العام الجديد الذي سيكون بلا منازع عام نهاية الثورات المضادّة، وبداية عهد جديد، يصعب التنبؤ بمكنونه، لكنه حتما سيكون مختلفا عن تلك الثورات المضادّة التي أورثت المنطقة سبع سنوات عجاف، ولعل وعسى أن يكون ما هو آتٍ سنبلات خضراء وأعواما تُغاث فيها الشعوب.
أضف تعليقك