نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالاً للباحث في مجلس العلاقات الأمريكية والمعلق ستيفن كوك، تحت عنوان "السيسي ليس مبارك بل هو أسوأ بكثير".
ويقول كوك: إن "عبد الفتاح السيسي حقق في الأسابيع الماضية أمرا مثيرا للإعجاب: وهو تعليقاته التي استطاعت بجنونها التفوق على الرئيس دونالد ترامب وتصريحاته في حملاته الانتخابية، فقال في خطاب متلفز: (الوضع كان كدة واحنا كدة، ورغم إنه كدة احنا مشينا كدة ودي المعجزة)، وبعد أيام وأثناء دعوته للمصريين لتخفيف أوزانهم والإقبال على التمارين، قال: (حتى في الإعلام علينا اختيار الضيوف الذين يعتنون بأجسادهم)".
ويعلق الباحث قائلا: "قد يتساءل الشخص عما إذا كان السيسي ينهار تحت ضغط حكم بلد من الصعب حكمه، ورغم أنه وبلا شك حقق نوعا من السيطرة السياسية منذ وصوله إلى السلطة، لكن من الصعب الحديث عن رئيس مصري اسمه السيسي يحكم في الحقيقة".
ويشير كوك إلى أن "المصريين عانوا في الستة أشهر الماضية من نقص البطاطس وشح المياه، وبدلا من معالجة هذه القضايا التي تحدثت عنها منسقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها، فإن الحكومة هاجمتها ومن قابلتهم أثناء إعدادها التقرير".
ويرى الكاتب أن "السيسي يواجه في الحس الأساسي أزمة في السلطة، وهو غير قادر على استخدام السلطة، ويحل أنصاره المشكلة من خلال منحه سلطة أوسع، ويريدون تعديل دستور عام 2014 لتمديد فترة الرئاسة، أو إلغاء القيود على فترة حكم الرئيس، وكان المسئولون المصريون وأنصار السيسي قد تعهدوا في السابق بعدم السماح بحدوث هذا الأمر، وزعموا أن مصر قد تغيرت، ولم يصدقهم أحد، والشك فيهم كان مبررا".
ويعلق كوك: "في عالم انصار السيسي فإن كل شيء في الحملة الانتخابية لعام 2014 (مصر الجديدة)، التي وعدت بـ(السلام والازدهار والنمو) قد أنجز أو في طريقه للإنجاز طالما ظل السيسي في الحكم، ويوافق معارضو السيسي في الداخل والخارج على فكرة أن البلد تغير، لكنهم يرون أن التغير كان إلى الجانب المظلم، فالاستقرار الحاصل قام على القمع والخوف، فيما أدى قطع الدعم إلى زيادة كلفة الحياة اليومية، بالإضافة إلى أن المؤشرات عن الاقتصاد الكلي، التي تحاول الحكومة الترويج لها، تخفي وراءها الديون غير المستدامة التي اقترضتها الحكومة لتقدم أرقاما جميلة عن النمو".
ويجد الكاتب أن "نقاد السيسي محقون بالطبع، فمصر قمعية، والكلام الجميل من أنصاره يزيد من سذاجة الكلام، ومع هذا، فإن كلا الفريقين على خطأ في موقفهما؛ لأن مصر لم تتغير كما يعتقد الكثيرون، ويمكن للشخص القول إن في مصر السيسي أصبح الجيش مستقلا أكثر، وتمدد بعمق في الحياة السياسية والاقتصادية للبلد، وهذا الكلام صحيح لو كان أساس المقارنة مع رئاستي كل من أنور السادات وحسني مبارك، لكن هناك سوابق لدور الجيش السياسي والاقتصادي، وذلك في الفترة ما بين 1954- 1967".
ويبين كوك أن "الفرق التحليلي بين حكم السيسي والفترات التي سبقته هو مستوى القمع الذي استخدمته الدولة ضد الشعب، ولم يحصل السيسي على ولاء المصريين؛ نظرا لعدم تقديمه رؤية إيجابية، وعدم الوفاء بما وعد، ولهذا السبب أجبر الرئيس ومن معه للاعتماد على الاعتقالات والعنف، وحتى القتل، لتركيع المصريين أمام إرادتهم".
وينوه الباحث إلى أن "جمال عبد الناصر كانت لديه رؤية، وحاز على إعجاب واسع، بل إنه كان محبوبا، أما السادات فقد كافح لإقناع المصريين برؤيته لمؤسسات الدولة، والسبب أنه لم يكن يؤمن بها، والتحول إلى الانفتاح أو الاقتصاد الاستهلاكي، لكنه كان (بطل العبور) لقناة السويس عام 1973، وحصل على الشرعية على الأقل لفترة قليلة، فيما لم تكن لدى مبارك رؤية، إلا أنه مع مرور الوقت تعلم كيف يدير مصر".
ويؤكد كوك بأنه "كان هناك قمع رهيب في ظل ناصر والسادات ومبارك، لكنه لم يكن مثل القمع المستدام الذي يميز فترة السيسي، ويدافع أنصاره عنه، بالزعم من أنه يقوم بحماية البلاد من الإخوان المسلمين والمتطرفين، إلا أن الرئيس وقواته الأمنية استهدفوا غيرهم، ولهذا فمصر السيسي في قمعها للطلاب والصحفيين والناشطين والأجانب، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين، لا تختلف عن مصر في العهود السابقة، والفرق هو في المستوى، وكما لاحظ أحد المعارضين ساخرا، فإن (السيسي هو مبارك لكنه يأخذ المنشطات)".
ويبين الباحث أن "ما حدث هو أن ملامح مصر أدت إلى تأكيد مجموعة من المؤسسات السياسية التي تعكس النظام الاجتماعي، صحيح أن القادة قد تغيروا، وتقلب مستوى القمع من فترة إلى أخرى، إلا أن الأشكال السياسية المصرية ظلت كما هي خلال الـ 65 عاما الماضية، وهذا لا يعني أن السيسي ليس عرضة للخطر، فالاستطلاعات الأخيرة التي أجراها جيمس زغبي، تكشف عن أن المصريين ليسوا سعداء بوضعهم وبدرجة كبيرة، وحتى الجيش، الذي يعد (قدس الأقداس)، فلم يعد محل الثقة كما كان في الماضي".
أضف تعليقك