بقلم: عامر شماخ
من جديد؛ يتم الهجوم على مجموعة مسالمة من الأقباط، بينهم أطفال ونساء، فيقعون بين قتيل ومصاب، وتنشر صورهم المؤلمة فينقبض لها قلب كل إنسان. بالأمس كانوا فى دار عبادتهم؛ فى القديسين والبطرسية، واليوم فى طريقهم لزيارة أحد الأديرة بالمنيا.. وفى كل مرة يخرج النظام ببيان كاذب يتهم فيه (الإرهابيين!!) بارتكاب هذا العمل الجبان، ويقوم -من فوره- بقتل مجموعة من هؤلاء (الإرهابيين) تعادل ضعف من سقط من الأقباط، فإذا كان حادث المنيا الأخير قد سقط فيه 7 أقباط، فقد قتلوا فى اليوم التالى 19 شابًا مسلمًا زعموا (احتمال!!) أن يكونوا قد ارتكبوا حادث الدير.. وهلم جرًا.
اللافت هذه المرة غياب الاهتمام الرسمى والإعلامى بالحادثة، بخلاف الحوادث السابقة، اللهم إلا قتل الشباب المسلم، أما غياب الاهتمام فتلك سياسة العسكر الراسخة مع حلفائهم، وهو ما حذرنا منه الأقباط أكثر من مرة، ولم يتعظوا، كما لم يتعظ قادتهم مما حدث لهم على يد الهالك عبد الناصر فى عقدى الخمسمينيات والستينيات.. وقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، وقائد الانقلاب قالها صريحة: «ليس لأحد فواتير علينا»؛ فإذا كان بابا الأقباط قد شارك فى الانقلاب وباركه، وادعى أن «نعم تزيد النعم»، وحشد شعبه وأبناءه لحرب الديمقراطية، وطاف أساقفته ودهاقنته العالم كى يسوّقوا للانقلابيين -فلن يمنع ذلك من غدر العسكر بهم...
العسكر حريصون على أن تبقى الكتلة الصلبة للأقباط فى صفهم، موالية لهم، مرجحة لبقائهم، داعمة للحرب على الإصلاح، والمقابل تافه: التصريح ببناء مئات الكنائس والأديرة، وإعطاؤهم الحرية فى ممارسة دعوتهم وأنشطتهم الحركية- بخلاف المسلمين، وأقول إن المقابل تافه؛ إذا قيس بتحرر وطن، وإنقاذ شعب، وإذا ضمن للأقباط أنفسهم أمانًا فى جوار إخوتهم المسلمين. غير أن كل هذا لم يحدث منذ وقوع الانقلاب المشئوم...
لقد احتفوا بالكنيسة سنة أو سنتين ردًا للجميل، ثم ما لبثوا أن قلبوا لهم ظهر المجن، فكنائس المحروسة -من دون استثناء- أُغلقت شوارعها، وأُحيطت بمركبات الجيش والشرطة، وأُدخل الأقباط -قسرًا- فى حالة من العداء مع الإسلاميين -وهو سيناريو مفتعل بالتأكيد- افتعله العسكر لضمان كسب ولاء الأقباط كما ذكرنا؛ وكى تظل يدهم هى الطولى على الكنيسة. من ثم ليس من حقهم معارضة النظام أو حتى التململ منه..
ولتجيبونى -أعزكم الله-: إذا كانت «نعم تزيد النعم» وقت الانتخابات، وإذا كان بابا الأقباط قد شارك فى الانقلاب، وإذا كان «شعب الكنيسة» قد خرج فى أكثر من عاصمة لاستقبال قائد الانقلاب وقد وُفرت له الأتوبيسات و«الوجبات الجاهزة» -وكلها أفعال سياسية- فأين صوت الكنيسة من بيع الغاز، والنيل، والجزر، والمعتقلين، والانهيار الحاصل فى دولة العسكر؟ أين الكنيسة من الوطن؟ أين هى من خطة الخراب الممنهج التى تجرى على قدم وساق؟
وأقسم بالله: لو أن مصيبة وقعت فى هذا البلد –لا سمح الله- فسيكون الأقباط أكثر ضحاياها إذا هم بقوا على هذا الوضع المزرى؛ من الركون لقياداتهم، والاستسلام لبطارقة وأساقفة ينظرون تحت أرجلهم، ويسلكون مسالك مخالفة تمامًا لما كان عليه الكريم عيسى ابن مريم، الذى لو كان بين أظهرنا الآن لقاتلهم قتال الأعداء..
فى الحادثة الأخيرة ملابسات، واتهامات وتكهنات جعلت «الشعب القبطى» غير مصدق للرواية الرسمية، ويؤكد كثير منهم أن هذا من صنع «الأجهزة السيادية» لحاجة فى نفس النظام؛ ولإيقاع الفتنة بين المسلمين والأقباط؛ إذ فى نهاية البيان الذى أصدرته «داعش» -وهو فى اعتقادى تنظيم وهمي- تأكيد أن هذا القتل جاء انتقامًا لحبس «أخواتنا العفيفات»؛ إشارة إلى الثمانى أخوات -من الإخوان- اللاتى تم القبض عليهن مؤخرًا، وهو ما يوقع فى ذهن الأقباط أن المجرم من الإخوان؛ فإن لم يكن منهم فهو متعاطف معهم. غير أن تكرار الحوادث وانكشاف فاعليها -وإن لم يتم الإعلان عنهم بشكل صريح -يصنف هذا البيان وتلك الرواية ضمن الروايات المتهافتة، وهو ما جعل الأقباط الذين حضروا جنازة المغدورين يعترضون على الأسقف الذى شكر السلطات؛ أرادوا أن يقولوا له: ليس هناك مقتول يشكر قاتله. وتلك محنة الأقباط.
أضف تعليقك