بقلم إحسان الفقيه
رغم أنه لم يكن من بني أمية، إلا أنه استطاع أن يكون رجل الأندلس الأول وحاكمها الفعلي، حيث أدار البلاد بالوصاية على الخليفة الأموي الصغير هشام بن عبد الحكم.
إنه محمد بن أبي عامر، الملقب بالحاجب المنصور، الذي أدرك بحنكته السياسية أن قوته مستمدة من أمجاد بني أمية، وأن الناس رغم استنكارهم لحكم رجل ليس منهم، إلا أن عدم خروجه عن عباءة الأمويين جعلتهم يقبلون به.
مات المنصور، وخلفه على حِجابة الخلافة ابنه عبد الملك المُظفر، الذي لم يدُم حكمه سوى ستة أعوام وبضعة أشهر، ومات في ريعان شبابه، ويقال إن أخاه لأبيه «عبد الرحمن» دسّ له السم، ثم خلفه على منصبه.
عبد الرحمن الذي لُقّب بـ»شنجول» نسبةً إلى جَدّه لأمه ملك «نافار»، الذي تزوج المنصور ابنته فأسلمت، ولما دانت البلاد لعبد الرحمن (شنجول) ارتكب حماقته التاريخية.
أعمى الهوَس بالسلطة بصيرته، وطفِق يسعى لانتزاع السلطة الشرعية من بني أمية، وفي سبيل ذلك أجبر الخليفة هشام على الوصاية له بولاية العهد، وهو الأمر الذي يعني أن يصير شنجول العامري خليفة بعد موت هشام.
كان ذلك إيذانًا بزوال سؤدده، حيث تيقن الناس من أطماعه، وفي أثناء خروجه إلى إحدى المعارك، تم الانقلاب على سلطته، فحاول أن يسترضي مَنْ آل إليهم الأمر بأن يتنازل عن ولاية العهد ويعود إلى صفة الحجابة، لكن الأوان فات، وانصرف جنده وأتباعه إلى ولاية الأمويين، وتمت تصفيته، وأعقبت ذلك سنوات من الفتن انتهت إلى تفكيك الأندلس إلى دويلات.
أعتذر لتلك المقدمة التاريخية الطويلة، ولكن لم أجد بُدًّا من هذا السرد ليتفهم القارئ ما أرنو إليه لدى الإسقاط على آل سعود وشنجول الجزيرة العربية (محمد بن سلمان).
ما أشبه اليوم بالبارحة، فشنجول الجزيرة حذا حذو شنجول بني عامر، حين قام بانقلاب داخلي، وأمّن لنفسه الاستحواذ على السلطة المطلقة، بإزاحة ابن عمه ولي العهد محمد بن نايف، وإقصاء معارضيه، مدعومًا في ذلك بغطاء غربي.
شنجول الجزيرة كرّر الخطأ نفسه، وتغافل عن أن قوته مستمدة بالأساس من آل سعود وحكم آل سعود على مر عقود، وغض الطرف عن أنه امتداد للدولة السعودية الثالثة التي استقر أمرها رغم كل المنعطفات، وأنه لم يكن عليه أبدًا تأسيس الدولة الرابعة، وأخْذ آل سعود وشعب المملكة إلى المجهول، على جناح المجد الشخصي.
لم يحافظ شنجول الجزيرة على مُلك سابق، ولم يؤسس لمُلك لاحق، فلا أرضًا قطع، ولا ظهرا أبقى. وكما راهن شنجول بني عامر على البربر والصقالبة وأسقط الشعب وراية الأمويين، التي انعقد لها الولاء من حساباته، فعلها ابن سلمان شنجول الجزيرة، فبدلا من الرهان على شعبه وإطلاق الحريات وتوسيع نطاق المشاركة السياسية ودمج شرائح المجتمع وفئاته في حوار وطني هادف، توجه صوب البيت الأبيض، وراهن على ترامب وصهره والكيان الصهيوني، والذين سعوا لعزله داخليًا وخارجيًا ليبقى لهم فريسة سهلة يستنزفون من خلاله المملكة وخيراتها، ويدفعون بها إلى مُستنقع التطبيع وتغريب المجتمع السعودي وتذويب هويته، ولذا تراهم يسارعون لدعمه خلال زوبعة مقتل جمال خاشقجي، التي أحدثها العبث الشنجولي المدفوع بهوس السلطة المطلقة.
يا آل سعود، اعتبروا بالوهن والخور الذي بدا من بني أمية حيال عبث عبد الرحمن بن أبي عامر، فأغراه ضعفهم لأن يُنشئ حُكم الرجل الفرد، ويزيد في عبثه حتى جلب الخراب لمُلْك دام قرونًا، فدونكم شنجول الجزيرة، أوقفوه قبل أن يزول مُلككم.
يا آل سعود، ما نراه أن ابن سلمان يستأصل أُسس بنيانكم الذي شيّدتموه، هو لا يريد إصلاح البُنيان بل إزالته، وتشييد ملك فردي وفق مُخيِّلته المريضة، ولعمري هو أمر جدّ خطير، فأنتم الخاسرون إذا أخفق، وأنتم الخاسرون إذا نجح.
يا آل سعود، إني أعظكم ولست عدوّا لكم، أحذّركم من أن تدفعوا ثمن جرائم قد ارتكبها ولدكم العاق، الذي حارب باسمكم علماء الإسلام ودعاته، وحارب باسمكم تطلعات الشعوب ورغبتها في التحرر من الأنظمة الاستبدادية، وباسمكم زج البلاد إلى التطبيع مع الصهاينة، وباسمكم يُغرّب المجتمع السعودي ويُذيب هويته، لقد جعل للشعوب العربية والإسلامية ثاراتٍ لديكم، أليس منكم رجل رشيد؟
يا آل سعود، هل تذكرون «بسام ضفدع» ذلك الشيخ الذي كان يقاتل في صفوف المعارضة ضد النظام السوري، ثم تبين أنه عميل لبشار السفاح؟ تذكروا كيف جلب العار لعائلته، فصار كل من يتهم بالعمالة يقال له ضفدع وضفادع، فأصبح اسم العائلة مسبّة ومعرة. يا آل سعود، على مر تاريخكم كنتم أسرة حاكمة تُخطئون وتُصيبون، إذا أساء منكم رجل غطّاه إحسان رجل آخر، هناك من كان ينتقدكم، وهناك من كان يمدحكم، أما اليوم، فصارت العائلة متمثلة في شاب مراهق سياسيًا، يقامر بسمعتكم ومستقبلكم يستعدي قومكم في الداخل، ويثير في نفوس الشعوب الأخرى النقمة عليكم.
يا آل سعود إذا ثار الشعب فلن يثور على شنجولكم هذا، إنما ستكون ثورة على مُلككم تُطيح به فيبقى أثرًا بعد عين، وحينئذ ربما يكون مصير وطنكم التفتيت والتقسيم، لذا عليكم أن تختاروا إما السعودية وإما ابن سلمان.
يا آل سعود، قفوا إلى جانب شعبكم، فليس من حقكم احتكار مغانم السلطة وقت الرخاء، والتخلي عن الشعوب والجبن عن إنقاذها من عبث السفهاء وقت الشدة.
ولئن كان الشيوخ قد غلّ «طولُ العمر» أقدامهم عن التغيير، ولئن كانوا يميلون إلى الركون لما يفرضه الواقع ويألفون الاستقرار، ولو كان استقرار الأموات، فأنتم يا شباب آل سعود قد امتدّ أفقكم، ولديكم طموحاتكم وأحلامكم، وفيكم شجاعة الفتيان، إن مستقبلكم على المحكّ، يقامر به شنجول، فقوموا مثنى وفرادى وتفكروا، اجهروا بعبثية ولي العهد، وأعلنوا رفضكم لسياساته وعبثه قبل أن يأتيكم الطوفان وأنتم عنه غافلون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أضف تعليقك