• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: فراس أبو هلال

كان كثير من العرب على ما يبدو يتمنون أن يخرج الرئيس التركي ويقول إنه يتهم ولي العهد السعودي مباشرة بجريمة اغتيال الكاتب جمال خاشقجي. هؤلاء خاب أملهم في الخطاب، وبعضهم اتهم تركيا ورئيسها "ببيع" قضية خاشقجي!

ثمة قراءتان مختلفتان تماما لخطاب أردوغان اليوم، قراءة شعبوية مشروعة، وأخرى سياسية مشروعة هي الأخرى، وهذا طبيعي جدا بالنسبة لخطاب انتظره الملايين من المتابعين في العالم وفي الدول العربية، وربما كانت السلطات السعودية هي أكثر من انتظره. كان معظم المنتظرين بلا شك يتمنون خطابا عالي السقف يرضي "رغباتهم"، ولهذا فمن المتوقع أن يصاب البعض بخيبة أمل مبنية على افتراضات خاطئة من الأساس توقعت خطابا شعبويا من رئيس دولة في قضية بمثل هذه الحساسية.

هل باعت تركيا قضية خاشقجي؟

نتذكر هنا أن هذا السؤال لم يطرح اليوم فقط بعد خطاب أردوغان، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا السؤال كان الأكثر حضورا بين كافة الأسئلة بعد اندلاع أزمة خاشقجي، بل إنه كان السؤال الأكثر انتشارا ربما من السؤال حول هوية القاتل الذي يبدو أن الجميع يعرفه سواء كانت مسؤوليته سياسية أو جنائية!

طرح سؤال "بيع" تركيا لقضية خاشقجي بقوة أيضا بعد تصريح أردوغان الأول المقتضب حول الأزمة، وطرح كذلك بعد الاتصال الهاتفي الأول بين العاهل السعودي الملك سلمان والرئيس أردوغان، وسيبقى هذا السوال مطروحا إلى حين انتهاء الأزمة، وربما لبعدها لسنوات.

وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل يجب التفريق بين السياسي والجنائي في الأزمة، ومن الواضح أن تركيا اتخذت منذ اختفاء خاشقجي مقاربة معالجة الجانب الجنائي قبل الخوض في أي قرارات أو استنتاجات سياسية. لقد مكنت هذه المقاربة تركيا من الحصول على "تنازلات" سعودية في إطار دعم التحقيقات وفتح القنصلية وبيت القنصل للمحققين الأتراك، وهو ما مكن السلطات التركية من الحصول على أدلة جنائية تعزز أدلتها الاستخبارية.

سيتم الحكم على الموقف التركي فقط عند نشر نتائج تحقيق المدعي العام بالتفصيل، وما سيترتب عليه من قرارات سياسية، ولكن الوصول لاستنتاجات حول الموقف التركي الآن هو "مغامرة" غير محسوبة من أي محلل سياسي، وكل ما يمكن قوله هو قراءة أولية لإدارة تركيا للأزمة، والتي ثبت حتى الآن أنها إدارة عازمة على كشف نتائج التحقيقات كاملة، قبل تحويل الأزمة لتصبح شأنا دوليا، بدلا من حصرها في الإطار التركي السعودي.

أهم ما قاله أردوغان اليوم

لم يكن خطاب الرئيس التركي اليوم خطابا شعبويا كما تمنى أو توقع البعض، أو كما حاول بعض الإعلام التركي والعربي أن يروج منذ الإعلان عن الخطاب، ولكنه مع ذلك حمل إشارات مهمة عن مضي تركيا لنهاية الطريق في التحقيقات، كما أنه ترك الباب مواربا من خلال الإشادة بالملك سلمان في محاولة للحصول على تعاون سعودي أكبر في التحقيقات، ولعل النقطة الجنائية الأكثر إثارة للجدل والتي تحتاج لدور سعودي في الكشف عنها هي مكان إخفاء الجثة، ولهذا خصها أردوغان في خطابه وطلب السعودية بالكشف عن مصيرها وعن اسم المتعاون التركي الذي كلف بالتخلص منها حسب الرواية السعودية.

ولكن ما أهم ما قاله أردوغان اليوم ويشير إلى أن تركيا ماضية في التحقيقات إلى نهايتها؟

• المطالبة بتحقيق دولي من جهة محايدة، لا يشارك فيه مشتبه فيهم بالتورط في الجريمة، في إشارة لمسؤولين سعوديين كبار متهمين، ربما من بينهم ولي العهد، مع أنه لم يسمهم بالطبع.

• التأكيد على ضرورة كشف من أصدر الأوامر للقتلة، وهي إشارة لمطالبة المسؤولين سياسيا عن الجريمة.

• التأكيد على أن تركيا ماضية في التحقيقات إلى حين كشف الحقيقة كاملة.

•الإشارة إلى أن التحقيقات التركية تظهر أن الجريمة معدة مسبقا ومدبرة، بما ينفي ويناقض الرواية السعودية التي قالت إن الجريمة حصلت بالخطأ.

• التأكيد على أن تحميل المسؤولية لرجال الأمن منفذي الجريمة لن يرضي تركيا ولن يجعل العالم مطمئنا، ما يعني الإشارة مرة أخرى على المسؤولية السياسية والجنائية لمن أعطوا الأوامر، بما يشكك مرة أخرى بالرواية السعودية عن تصرف المجموعة المنفذة دون حصولهم على تعليمات سياسية.

• الإشارة بشكل رسمي للمرة الأولى لاحتمالية تورط دول أخرى أو أشخاص من دول أخرى في الجريمة، والمطالبة بتحقيق دولي معهم، فهل كان يقصد الإمارات ومصر اللتين توجهت لهما طائرتا الفريق المنفذ بعد ارتكاب الجريمة؟

• الإشادة بالملك سلمان وبتعاونه دون أدنى إشارة للمتحكم الفعلي بالأمور وهو ولي العهد محمد بن سلمان، ما يسجل موقفا تركيا غير مباشر تجاهه.

• المطالبة بتسليم الأشخاص المتهمين ليتم التحقيق معهم في تركيا، ما يعزز التحليل القائم على أن أنقرة تريد الحصول على أكبر تعاون سعودي ممكن يساعدها على كشف الحقائق والوصول إلى مكان الجثة، أو ما تبقى منها! قبل إعلان النتائج والوصول إلى استنتاجات وقرارات سياسية.

ملخص القول، حمل خطاب أردوغان نقاطا مهمة لكونها جاءت على لسان أعلى مستوى الهرم السياسي في تركيا، ولكنه لم يكن خطابا شعبويا كما توقع البعض. هذه النقاط تشير إلى أن أنقرة ستستمر بنفس المقاربة التي بدأت فيها معالجة الأزمة منذ بدايتها، وهي كشف الحقيقة الجنائية المبنية على التحقيقات بشكل كامل قبل الخوض في تداعياتها السياسية، وترك الفعل السياسي ليكون فعلا دوليا، لا فعلا تركيا فقط.

أضف تعليقك