• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم..عادل سليمان

توارت القضية الفلسطينية أو كادت، في إطار مخططٍ شديد الخبث والخطورة، تم وضعه بتنسيق وتوافق كامل ما بين الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي وشبهة تواطؤ عربي، وإقليمي ودولي. وقد بدأ ذلك المخطط مبكراً، وفي عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عندما جمّدت أميركا كل الجهود المتعلقة بما كانت تعرف بعملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، بهدف الوصول إلى حل الدولتين، في ظل الانشغال بموجة ثورات الربيع العربي، ومتابعة تطوراتها والسعي إلى تحجيم مآلاتها، بما لا يمكّن قوى الثورات الشعبية، وقوى تيارات الإسلام السياسي خصوصا، من الوصول إلى الحكم، وإدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي، لاسترجاع الحقوق الفلسطينية والعربية، وهو ما تحقق لقوى الثورات المضادّةمرحلياً.

ثم مع الانتخابات الرئاسية الأميركية أخيراً، برزت تصريحات المرشح الرئاسي، والذي أصبح رئيساً فيما بعد، دونالد ترامب، عن تأييده المطلق دولة العدو الإسرائيلي، والإشادة بالعلاقات الاستراتيجية معها، وبأنه قرّر، في حالة انتخابه، الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارة أميركا إليها، وهو ما حدث.

مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، تسارعت وتيرة تنفيذ المخطط الصهيوأميركي لتمييع القضية الفلسطينية، بدعوات مثل “صفقة القرن” التي ستحقق السلام الشامل في المنطقة، وأن التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي هو الطريق إلى التسوية، وإعادة توصيف المخاطر والتهديدات الإقليمية، باعتبار أن إيران هي العدو المشترك للعرب وإسرائيل، وذلك كله تمهيداً لتصفية القضية الجوه  في ظل هذا الضباب الذي خيّم على العالم العربي كله، وألقى بظله الثقيل على القضية الفلسطينية بصفة خاصة، وكان لا بد من حراك فلسطيني يعيد إلى القضية الفلسطينية زخمها، وهو ما تكفلت به المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، عندما أطلقت، منذ أكثر من عشرين أسبوعاً، حركة شعبية سلمية، تحمل عنواناً وطنياً مثيراً هو “مسيرات العودة”، حيث تخرج جموع الجماهير الفلسطينية من كل الأطياف، والمراحل العمرية، في مسيرات حاشدة على طول الخط الفاصل بين حدود القطاع والأرض الفلسطينية المحتلة، رافعين الأعلام الفلسطينية، ومطلقين طائراتهم الورقية، في اتجاه أرضهم المحتلة تحت شعارات “راجعين مش لاجئين”.

جاء رد فعل العدو الإسرائيلي، كعادته، غاشما عبر قذف الهليكوبتر المسلحة، والطائرات المسيّرة، والقنّاصة، ضد المسيرات السلمية. وسقط ما يزيد على 150 شهيدا، ومئات الجرحى والمصابين، خلال تلك المسيرات المستمرة بشكل دوري أيام الجمع من كل أسبوع، ونجحت مسيرات العودة في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة.

ما كان يمكن للمخطط الصهيوني أن يستسلم لهذا الحراك الفلسطيني الذي يحمل نكهة المقاومة، فلجأ إلى لعبة جديدة – قديمة، وهي لعبة .. غزّة أولاً، من خلال تصعيد الموقف في قطاع غزّة، عبر تشديد وإحكام حلقة الحصارين، البري والبحري على القطاع، ثم إطلاق حوار بالسلاح بشن ضربات عسكرية مركزة على القطاع، يستتبعها بالضرورة ردّ من المقاومة الفلسطينية، يترتب على ذلك تدخل من قوى إقليمية، خصوصا مصر، ودولية ممثلة في المبعوث الأممي للشرق الأوسط، بهدف تهدئة التصعيد، وتتوقف الضربات العسكرية مؤقتاً، ثم ما يلبث الموقف أن يتفجر من جديد، ويعود حوار السلاح، فالتهدئة، فمسيرات العودة، واستئناف التصعيد، والسعي إلى التهدئة من جديد.

هكذا تتكرّس الجهود للتركيز على قضية قطاع غزة، وكأنها جوهر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ويدخل على الخط منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، ليقدّم بالتنسيق مع مصر ورقة للحل، حل قضية قطاع غزة، ظاهرها الرحمة، والنيات الطيبة، حيث تحمل عنواناً مثيراً، “المصالحة الفلسطينية وفك الحصار عن غزّة”.

على الرغم مما يحيط بمضمون هذه الورقة المشتركة من دوافع إنسانية، تتعلق بإنهاء الحصار الخانق على قطاع غزة وقرابة مليوني فلسطيني، وما يترتب عليه من مآسٍ إنسانية، ومن إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي كان له أكبر الأثر في تواري القضية الفلسطينية برمتها، بالإضافة إلىما ترتب عليه من معاناةٍ لأهالي قطاع غزة، وهي دوافع تستحق التقدير والاهتمام بلا شك، شريطة أن تبقى في إطارها الوطني الفلسطيني الصحيح، ولا تترتب عليها نتائج قد تكون كارثيةً على جوهر القضية الفلسطينية، وهو ما يجب أن تتنبه له كل الأطراف، العربية والفلسطينية، وأيضاً الدولية المعنية، حتى لا يلتفّ عليها الحلف الصهيوأميركي، من خلال سيناريو يكون الهدف منه الوصول إلى تسوية – منقوصة، ومرحلية، بالاتفاق مع “حماس” وحركات المقاومة، وأيضاً سلطة رام الله، على أساس:

هدنة طويلة الأجل مع “حماس” وفصائل المقاومة في قطاع غزة، 5 – 7 سنوات، بمباركة السلطة الفلسطينية في رام الله في إطار مشروع مصالحة وطنية بين حركتي فتح وحماس، حتى يبدو الاتفاق كأنه فلسطيني – إسرائيلي. وتوقف النشاط العسكري (المقاومة) من قطاع غزة تماماً، وذلك بضمان “حماس”، وربما بداية مرحلة تنسيق أمني مباشر، أو عبر طرف ثالث، في الغالب سلطة رام الله، برعاية مصرية ودولية. وفي المقابل، فتح كل المعابر التي تربط القطاع بالخارج، خصوصا معبر رفح مع مصر، ومعبر كرم أبو سالم التجاري، ثلاثي الأطراف، وتخفيف القيود على التحرّكات وانتقال السلع والخدمات من القطاع وإليه، وإعادة التعمير المطلوب. إطلاق مشروعات تنمية طموحة في القطاع، لتحسين مستوى المعيشة، وتخفيف الضغوط الحياتية على الأهالي، توسيع نطاق المياه الإقليمية لقطاع غزة لأغراض الصيد، وربما لمشروعات الغاز. توفير مطار وميناء لخدمة القطاع، تحت إشراف مشترك متعدّد الأطراف، والتفاصيل غير محدّدة في المقترح، وإن كان هناك حديث “غير مؤكد” عن وجود المطار والميناء في الأراضي المصرية لصالح قطاع غزة فقط.

هكذا تدخل القضية الفلسطينية برمتها في نفق مظلم، بل شديد الإظلام، وفي متاهة أو غيبوبة، لا يعلم إلا الله ما إذا كانت ستفيق منها، أم ستكون تلك هي النهاية. والمدخل إلى النفق طُعم “غزّة أولاً”، وهو ما سبق أن استخدمه العدو الإسرائيلى من قبل، بعد اتفاق أوسلو الشهير مع منظمة التحرير الفلسطينية، في العام 1993، عندما ألقت إلى ياسر عرفات بطُعم “غزّة وأريحا أولاً”، بوهم أن ذلك سيكون مقدمةً للوصول إلى كل فلسطين، فكانت النتيجة احتمال ضياع كل فلسطين التاريخية. وتبقى للفلسطينيين فقط غزة، والتي هي أرض غير توراتية في عقيدة الصهيونية.

يبقى الأمل في وعي المقاومة، وعزم الشعب الفلسطيني، في كل فلسطين، وليكن الشعار في أي حوار هو نعم للمصالحة الفلسطينية، فهي ضرورة وواجب، ونعم لإنهاء الحصار على قطاع غزة، فهو حقٌّ إنساني. أما حديث الهدنة والتسوية فيجب أن يشمل بالضرورة فلسطين، كل فلسطين التاريخية، والقدس أولاً.

 

 

أضف تعليقك