• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

 بقلم: وائل قنديل

ترفض الظلم الواقع على شخصٍ مهدّد في حريته ووجوده، فإنك لا تتضامن مع شخص، وإنما تنحاز إلى قيم ومبادئ، وبالتالي لا ينبغي أن تنظر هنا إلى مواقفه السابقة والآنية، التي قد تكون مخالفةً لقناعاتك، ولا يصحّ أن تضع في مقدمة تضامنك، أو منتهاه عبارة “رغم اختلافي معه”.
 

ولا ينبغي، من الجهة الأخرى، أن تقدّم مسوغات تضامنك وتعاطفك، وتبدّد الوقت والطاقة في بيان المزايا والفضائل الشخصية لمن تتضامن معه، إذ يكفي هنا أن يكون مظلوماً ومعرّضاً للخطر، حتى تتخذ موقفاً مبدئياً، عابراً للانحياز الشخصي أو الأيديولوجي، مدافعاً عن قيمتي  العدل والحرية، وبعبارة واحدة: دفاعاً عن الإنسانية.

في موضوع الفلسطينيتين، عهد التميمي وياسمين أبو سرور، وفي محنة السياسي المصري المعارض، محمد محسوب، تشبعت الأجواء بسموم الانتقائية الأيديولوجية، والفرز القبائلي، على حساب المبدأ العام والقيمة المطلقة، فجاءت بعض ردّات الفعلة مسممةً بالميل الشخصي والهوى العقائدي.

في قصة عهد وياسمين، العائدتين من سجون الاحتلال الصهيوني، أطلت الأهواء الضيقة برأسها، استناداً إلى أن الاحتفال كان صاخباً وهادراً بحرية المقدسية عهد التميمي، الصبية الصغيرة الشقراء، مسترسلة الشعر، بينما جاء خافتاً، لا يشعر به أحد، مع حرية المقدسية الأخرى ياسمين أبو سرور، المحجبّة، ذات السمت المحافظ.

من الممكن هنا إدانة منهج التعاطف الانتقائي، لكن ذلك لا يبرّر أبداً تجريد ما فعلته الصغيرة عهد من مضمونه البطولي، ومحتواه المقاوم، بالذهاب إلى التفتيش في تاريخ والدها وانحيازه إلى إجرام بشار الأسد، فينحرف المسار من احتفاء بمبدأ مقاومة الاحتلال وتضامن معه، كما تجلى في الانتصار الصغير الذي حققته التميمي، بصمودها ومواجهتها لغطرسة المحتل، لندخل في حالة هستيرية من التشكيك في الصغيرة وما فعلته، انطلاقاً من محاسبتها على اختيارات والدها، فيصير الانتصار للهوى الأيديولوجي مقدّماً على الانتصار للمقاومة.

تتفاقم الهستيريا، وتتمدّد المأساة ليضعك بعضهم في مقايضة سخيفة: الاختيار بين التعاطف مع عهد التميمي، المحاطة بهالة من أضواء الميديا.. أو التضامن مع ياسمين أبو سرور، المغبونة إعلامياً في اعتقالها ثم استردادها حريتها، بينما الفطرة السوّية، وقواعد المنطق ومحدّدات الإنسانية، تقول إنه بالإمكان، بل من الواجب، أن تتعاطف مع الأخيرة وتأسف لعدم تسليط الضوء عليها، من دون أن تهين إنجاز الأولى وتهيل عليه التراب، وتبحث عن كل ما يفسد على الناس سعادتهم بما فعلت.

شيء من هذا، طفح في مأساة الدكتور محمد محسوب، الوزير السابق والسياسي المعارض، لدى السلطات الإيطالية له استجابة لطلب من النظام المصري، لتهبّ عاصفة تضامن معه، لم تخل من بعض سموم التشكيك والتفتيش في سجل مواقف الرجل، للخروج بتركيبة تعاطف مشروط، بالعبارة البائسة “رغم الاختلاف معه”، تلك العبارة التي تخدش قيمة الانحياز للحرية ومبدأ الدفاع المطلق عن العدل والحق.. وفي مقابل ذلك، يشتط آخرون في الانحياز، على أساس أيديولوجي مغلق، أو معرفة شخصية به، على الرغم من أنه ليس مطلوباً، ولا يجب أن يكون مطروحاً، السجل الشخصي للمظلوم، قبل أن تحاول رفع الظلم عنه.

معلوم بالضرورة أن الأوغاد بارعون في تسميم معاني التضامن وقيم الدفاع عن المبدأ العام، بسكب هذه الملوثات المعلوماتية، غير أنه، ومن أسفٍ، أن تجارة هذا الصنف من السموم باتت حرفة، وأحياناً هواية، لدى بعض الكائنات التي تسبح في فضاء السوشيال ميديا، تصدر فحيحاً وتمارس ثغاءً يطرب له الأعداء والسفاحون، فيفسد على الناس فطرتهم، ويلطخ كل ما يضيئ بالسواد.

هنيئاً لعهد التميمي وياسمين أبو سرور ومحمد محسوب بالحرية، ولا عزاء لهمجية الاحتلال وفاشية الطغيان.

 

أضف تعليقك