• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

إن مشروع الجماعة الوطنية يعبر في حقيقة الأمر عن مشروع وطني وحضاري وسياسي متكامل يؤشر على كل العوامل التي تؤدي إلى لحمة وتماسك المجتمع بكل أطيافه وتنوعاته إن مفهوم الجماعة الوطنية الجامع ليؤكد على كيف يمكن لخيوط شبكة المجتمع وشبكة علاقاته أن تتقوى ببعضها البعض وتجعل منها نسيجا قويا يحفظ الوطن ويحمل الوطن، إنها القواعد التي تتعلق بجامعية المواطنة التي تستأهل منا بعد ثورة 25 يناير تحقيق هذا الهدف الذي لم يكن شعارا أو كلاما بل كان عملا وفعلا واقعا على أرض ميدان التحرير والميادين الأخرى، الذي شهد عناصر تمثل وتشكل الجماعة الوطنية بكل أهدافها من أطفال وشباب وشيوخ، من رجل وامرأة، من ليبرالي أو قومي أو يساري أو إسلامي، من مسيحي أو مسلم، كل ذلك ليس إلا انعكاسا للتيار الرئيسي المصري الذي تخلّق في ذاكرة هذا الوطن عبر التاريخ، إن هذا المشهد الذي يتعلق بالجماعة الوطنية في مواجهة مفهوم الأقلية الذي يمزق الوطن ويؤسس لمشروع استقطاب واستنفار الأقلية من جانب واستفزاز الأغلبية من جانب آخر، لا يعبأ بالمعادلة المجتمعية التي ليس فيها أغلبية أو أقلية، ولكنها  تشير بالأساس إلى أصول الجامعية وحقائق الإجماع الوطني والتوافق السياسي والعقد المجتمعي الجديد، هنا فقط يتحول مشهد الجماعة الوطنية إلى مؤسسات تحميه ،وإلى مشروع نعمل جميعا على تأسيسه وتمكينه لنعمل لمصلحة الوطن وتبنيه والمواطن فتكرمه وتُرقيه.


ومن صور هنا وهناك تجعل من خطاب يقوم على التخوين وعلى التكفير ويقوم على اتهامات ظالمة وملفقة تبدو الجماعة الوطنية مفترسة من فيروس الاستقطاب الذي تمكن منها، ويحقق هدفه في متوالية تفكيكها، يقوم بذلك النظام المستبد من خلال إعلام إفكه وزيف خطابه وسوء عمله وسياسات استبداده وطغيانه، ومن هنا فإنه من الضروري أن أذكر أن صمت بعضنا عن مظالم البعض أتى في النهاية بمظالم للجميع، صار الشعب هو الضحية وصار الوطن في خطر، وصارت الجماعة الوطنية مستهدفة في الصميم، كل ذلك يجري ولم نقدم عملا يحقق ذلك التماسك في مواجهة المستبد الفاشي بل من المؤسف أن ينصرف كل هؤلاء إلى تحطيم ما تبقى من شبكة العلاقات الاجتماعية في الوطن، فيسب هؤلاء بعضهم البعض ولا يبقون من نقيصة أو هجاء إلا ورموا بعضهم البعض به، وبدت تلك اللغة الاتهامية المتبادلة طريقا إلى زراعة الكراهية وصناعة الانتقام، وبدت الذاكرة تتحرك ضمن هذه الأمراض الجماعية المزمنة التي تتحول فيها الهواجس إلى وساوس وهلاوس مجتمعية تؤدي إلى مسائل خطيرة في علاقات الجميع وفي تماسك المجتمع.


تبدو كل هذه الأمور ومن توابع زلزالية بعضها يقترن بمنظومة الاستبداد التي أعلنت في نهاية كتابها الاستبدادي الفاشي حالة الطوارئ من جديد، صحيح أن حالة الطوارئ كانت تمارس بشكل يومي من اعتقالات ملفقة ومن اختطافات قسرية ومن تصفيات جسدية إلا أنه أخطر الأشياء أن يتحول ذلك إلى قانون فيلغي كل قانون، وأن تتحول حياة الناس بأن تكون رهنا بتجريم مهما كانت الأفعال قليلة أو مختلقة وربما ملفقة، ومهما أدى ذلك إلى استهداف أغلبية المجتمع، وتتحول مصر في النهاية إلى مجرد سجن كبير، ويطارد ويذهب إلى منفاه من يذهب، وتظل كل هذه الأمور تعبر عن حالة الخطر الشديد التي طالت المجتمع والوطن والشعب بكل تكويناته وبكل تياراته وبكل تصنيفاته، وتحولت أدوات الحماية لهذا الشعب إلى أدوات تطعن فيه وتمارس أقسى ما عندها في النيل من هذا الشعب ترويعا وتفزيعا، ويقوم هذا النظام الفاشي بما يهوى من بيع بعض أراضي الوطن وثرواته ومقدراته وموارده ولسان حال المنقلب يقول تصريحا وتلميحا "محدش يتكلم في المواضيع دي تاني"، هكذا تأتي الطوارئ لتتوج أعمال هذا النظام بكل صوره وبكل أشكاله ليؤسس لكل ما يؤدي إلى إفشال وتهديد تماسك الجماعة الوطنية، لا يقتصر في ذلك على ملف طائفي بل هو يستهدف الشعب بأسره، ويستغل في كل هذه الملفات كلمته الشفرية "محاربة الإرهاب" ويسانده ويدعمه في ذلك قوى دولية وإقليمية.


إذا كانت كل هذه التوابع تأتي من هذا النظام الفاشي وصار الوطن والشعب في خطر في أرضه وناسه فماذا يمكن أن نفعل؟، إذا استهدفت الجماعة الوطنية في كل عٌقدها ومفاصلها التي تقوي من تماسكها فماذا يمكن أن نفعل؟، إذا بيعت أرض الوطن وكل ما يتعلق بموارده وأهم أسباب حياته التي تتمثل في المياه والغاز فماذا يمكن أن نفعل؟، إذا كان إعدام المعدومين وهذا العمل الممنهج في عملية إفقار ممتدة ومتعمدة فماذا يمكن أن نفعل؟، أيكون فعلنا بعد ذلك تخوين لبعضنا البعض واستخدام أسوأ ما في الذاكرة لإحداث تفرقة قاهرة؟، أم علينا أن نصطف اصطفافا نتداعى به وفيه لإنقاذ الوطن، هذه هي القوانين الأساسية لمواجهة التحديات وكل مكامن الخطر.


إنني أطالب كل من اشترك في مشروع الجماعة الوطنية وقد أضر بلحمته ونافق مؤسسته (كنيسته أو مؤسسته الدينية) وانحاز الى المستبد وتحرك في مساحات الفرقة يشعلها ويزكيها وأسهم في صناعة الكراهية وشارك في عملية قطع الطريق على مسار ديموقراطي، وداس استحقاقات انتخابية واستفتائية ودستورية، وأوصلنا الى حافة الاقتتال الوطني ومشارف أبواب حروب أهلية أن يعتذروا لأصحاب هذا المشروع وذاكرته الحية وقيم التأسيس الذي يتبناها وتماسك الوطن الذي حافظنا علية كتابة وقولا وفعلا وممارسة، حينما نقاوم السيسي الفاشي قائد الانقلاب فإننا نحافظ ونحمي مشروع الجماعة الوطنية، حينما نؤكد أنه ضرب الديموقراطية في مقتل وقطع الطريق على مسارها فإننا نناجز عن مشروع الجماعة الوطنية، حينما نصدع أنه خان القسم وغدر بالوطن وباع أرضه وتنازل عنها وفرط في موارده وثرواته ومائه وغازه فإننا ندافع عن حياض الجماعة الوطنية.


حينما ندافع عن سيناء أرضا وبشرا وأمنا ومكانا ومكانة فإننا نحفظ مشروع الجماعة الوطنية، حينما ندافع وندفع وندافع عن فقراء مصر فإننا نستمسك بلحمة الجماعة الوطنية، حينما نرفض صناعة الكراهية ومقولات ضالة زائفة مثل أنتم شعب واحنا شعب فإننا نصون عصب الجماعة الوطنية، حينما نرفض مصالحات سياسية مع من استخف بالدماء تحت دعاوى كاذبة باطلة ونرفض كل المحاكمات الانتقائية والانتقامية فإننا نؤسس لمعاني الكيان والبنيان في الجماعة الوطنية، حينما نرفض سياسة الاستدانة ومصادرة مستقبل جيل قادم فإننا نتعهد ونرعى عهد الجماعة الوطنية، حينما ندافع عن حقوق الإخوان في العدالة وفي الوجود بدون جحود أو تزيد ومزايدة فنحن نحفظ عرض الجماعة الوطنية، حينما يكره البعض الإخوان أكثر مما يحبون الوطن فإنهم ضربوا معنى الجماعة الوطنية في مقتل، إلى سمير مرقس وجورج إسحاق وحليم جريس لن تحاسبوا فقط على مواقف بل كذلك الى سكوت على استبداد مستبد من عسكر أو رجل دين يترأس الكنيسة ويضر بأقباطها بل وكامل الجماعة الوطنية، وإلى الطيب شيخ الأزهر الذي ظهر في مشهد الانقلاب وعلي جمعة الذي حرض على الدماء واستخف بها ضربتم تماسك الجماعة الوطنية في مقتل بانحيازكم للمستبد وتمرير حالة الكراهية والفتنة في الوطن وتفتيت الجماعة الوطنية في قواها ومبناها.


هذه هي الشواهد التي جعلت من تأسيس الجماعة الوطنية الحكمة الكبرى التي كانت جل اهتمام الحكيم البشري وصحبه بل وأهم قسمة في مشروع الوطن والمواطن والمواطنة ... فهل تعلمنا درس الجماعة الوطنية؟!...الجماعة الوطنية فكرة ومشروعا حالة وضرورة لن تموت ولن يستطيع من تهاون في حقها أو انحرف عن منهجها وطريقتها أن يكتب بأفعاله أو مواقفه شهادة وفاتها لأن في بقائها حياة أمة ومكانة وطن وكرامة مواطن...أفلا تعقلون؟!.

أضف تعليقك