بقلم: سليم عزوز
في ذكراها هذا العام كان نقد ثورة يوليو 1952، غير مسبوقاً، وهى خطوة ينبغي البناء عليها!
لقد جرى الربط بين حركتي ضباط الجيش في يوليو 1952، ويوليو 2013، وهذا ما يؤكد أن الناس أدركت مؤخراً أن هذا من ذاك، بل إن هذا هو ذاك، مع اختلاف في الأوزان بين عبد الناصر وعبد الفتاح السيسي.
فكل منهما ينتمي لزمانه، فالعسكري الذي يتعامل مع قامات ثقافية وقانونية وسياسية بحجم النحاس باشا، وطه حسين، والعقاد، وعبد الرازق السنهوري، لابد أن يكون مختلفاً مع عسكري يتعامل مع السيد البدوي شحاته، والبرادعي، ونخبة "لا تفك الخط"، فهي مرحلة أشباه المثقفين، وأشباه السياسيين، ومن الطبيعي أن يكون الممثل لدولة العسكر، بلا برنامج أو رؤية!
كان يمكن ألا يوجد من يستدعي العسكر بعد تجربة حكمهم الأولى، لو كان انقلاب يوليو 1952 حاضراً في الأذهان بكل تفاصيله وتداعياته.
لكن المشكلة أن كافة الأطراف الفاعلة كانت حريصة على طي هذه المرحلة على قاعدة عدم "النبش" في الماضي، وذلك لإدراكها أنها مدانة في هذا الماضي، والبعض لم ير فيما حدث سوى أنها أخطاء مرتبطة بشخص عبد الناصر، وليست أزمة نسق حكم هو ديكتاتوري بطبيعته، وينتج بالسليقة حكم الفرد، حيث الحاكم الأوحد، والكاتب الأوحد، والإعلام المتشابه في الرسالة والمحتوى!
كان حكم السادات يغض الطرف عن كل الهجوم على حكم من سبقه، وباعتباره أمراً يخص عبد الناصر، وليس نسقاً عاماً يمثل العسكر إذا حكموا، ولكنه فجأة أعلن أنه لن يتسامح مع الهجوم على ثورة يوليو، لأنه هنا كان يدافع عن حكمه، الذي هو امتداد لـ "يوليو"، ولأن الهجوم كان يقوم به هذه المرة أعداء ثورتهم، وهو حزب "الوفد"، لكن ما جرى قبل هذا وبعده، أمر يربط كل ما جرى بشخص عبد الناصر، وليس بصيغة حكم لابد أن تنتج عبد الناصر!
من قبل وعندما كان يتم التعامل مع ثورة يوليو على أنها إنجاز سياسي على طريق الاستقلال الوطني، كان الإخوان المسلمون يقولون إنهم شاركوا في هذه الثورة، وأن عزل الملك كان اقتراح من الضابط الإخواني عضو تنظيم الضباط الأحرار "عبد المنعم عبد الرؤوف"، وبالتالي فلا حديث عن حقيقة هذه الثورة، ولا إجابة عن الأسئلة الحائرة!
فهل يعقل أن أقل من مائة ضابط يمكنهم القيام بثورة، وعزل الملك، وفي بلد كان تحت الاحتلال؟!
لقد قالوا إنه تم حصار قصر رأس التين، لإجبار الملك فاروق على التنحي، في التأكيد على أن ما جرى هو قرار ثوري خالص. واستغل أنصار الملك ذلك في الإيعاز بأنه رفض أن يأمر الحرس الملكي بالاشتباك مع قوات الجيش، وقال إنه لن يسمح باقتتال جيشه، فهل يمكن قبول هذه الرواية التي تنتمي إلى عالم سمسم؟!
من أين جيء بقوات الجيش التي حاصرت القصر، والثوار هم مجموعة من صغار الرتب، وليس لهم سلطة اصدار الأوامر على رجال الجيش ليحاصروا القصر؟.. وهل حدث الحصار فعلاً؟.. وسليمان حافظ وكيل مجلس الدولة يتحدث عن فتوحاته في التفاوض مع الملك، وقرار التنحي كان فيه أخذ ورد، وتعديل في الصياغة، ولم يتم في جلسة واحدة، ولا حديث عن أن الأمر تم تحت أسنة الرماح!
"أصل الحكاية" أن الإمبراطورية البريطانية كانت في طريقها للتحلل، لتفسح المجال لإمبراطورية جديدة تتشكل، ولعهد جديد يوشك أن يبدأ، هو العهد الأمريكي، ولصفحة جديدة من الاستعمار، لا يكون فيها الاحتلال مباشراً، ولكن عبر وكلاء، والتطور الطبيعي في مصر، هو أن يحكم "الوفد" بإرادة الشعب، وهو من شأنه أن يمكنها من النهوض، لتصبح قوة لها اعتبارها في العالم، عندما يمكن الشعب من اختيار حكامه ونوابه، وتقود البلاد حكومات مدنية، تحكم بإرادة الناس، وليس بقوة الدبابة!
ولم يكن هذا مقبولاً، فالمقرر أن يرحل الاستعمار ولا يرحل، فيحقق كل أهدافه الاستعمارية من استمرار التبعية والتخلف، ولا يدفع فاتورة الاحتلال المباشر، وقد وجد ضالته في مجموعة من الضباط، وفي حكم العسكر، ليس في مصر فقط، ولكن في عدد من المستعمرات الأخرى!
وقد سهل من تنفيذ المهمة، الوجه غير الاستعماري للإمبراطورية الجديدة، التي كانت توصف بأنها زعيمة العالم الحر، وتكمن المشكلة في أن عبد الناصر أراد بعد نجاح انقلابه أن يناور، ويتمرد، أو ظن أن بمقدوره ذلك، لكن لأنه خروج على أصول اللعبة، فكان العدوان الثلاثي، ثم كانت هزيمة 1967، وإن كان عبد الناصر قد استفاد منها بشكل شخصي، فتخلص من منافسيه على السلطة، وأخرج الجيش الذي انشغل بتضميد جراحه من المعادلة السياسية، ومن أن يكون بؤرة تهديد له!
ولأن هناك من تورطوا في الانقلاب لأسباب أخصها التخلص من شعبية حزب الوفد، فقد عز عليهم أن يبدو مغفلين شاركوا في انقلاب عسكري على التجربة الديمقراطية غير المكتملة، ثم إنهم كانوا من ضحايا الاستبداد، بعد أن ظنوا أن بإمكانهم أن يوظفوه للانتقام من خصومهم.
وعندما يتم الربط بين انقلاب يوليو 1952، وانقلاب يوليو 2013 الآن، فهذه هي البداية لتحقيق الوعي الكامل في مواجهة حكم العسكر، فلو كان هذا الوعي قائماً، لما ظن البعض أن عودة الجيش للحكم هي "بشرة خير"، وأن "الحداية يمكن أن تحدف كتاكيت"!
وليس صحيحاً التذكير بحرمة "نبش القبور"، فلا حرمة لهذه القبور التي ينبغي أن تنبش لتحويل من فيها إلى رماد ليشتد به الريح في يوم عاصف.
فالحفاظ على هذه القبور، هو المسؤول عن وجود الذرية إلى الآن في القصور!
العسكر ليسوا مؤهلين للحكم.. ضعف الطالب والمطلوب.
أضف تعليقك