انتقد الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، في مقال له بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قانون "قومية الدولة" الذي أقر من قبل الكنيست الصهيوني قبل أيام، إضافة إلى فضح قضية "معاداة السامية" التي تستخدمها اللوبيات الصهيونية في الغرب للهجوم على كل من يرفض سياسات الاحتلال حيال الفلسطينيين، واستمرار احتلالها لأراضيهم.
وبدأ هيرست مقاله بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، بعبارات تشي بردة الفعل حيال القانون الصيوني الجديد قائلا: "سقط القناع، وها هو قد تهشم وتناثر على الأرض، إنه القناع الذي يغطي وجه (الاحتلال) الذي يدعي أنه قلعة الديمقراطية في الصحراء العربية والقناع الذي يغطي وجه مؤيديها في الشتات الذين يزعمون الآن أن وصفها بالمشروع العنصري يعتبر جريمة ينبغي أن يحاسب عليها القانون".
وأضاف: "الأمران مرتبطان. فكلما تحوّلت مهمة ضمان الأغلبية اليهودية إلى إجراء يمارس بالقوة في الأرض التي تحتلها؛ أكره داعموها على الاختيار بين صهيونيتهم وليبراليتهم".
وإلى نص المقال:
سقط القناع، وها قد تهشم وتناثر على الأرض، إنه القناع الذي يغطي وجه إسرائيل التي تدعي أنها قلعة الديمقراطية في الصحراء العربية والقناع الذي يغطي وجه مؤيديها في الشتات الذين يزعمون الآن أن وصفها بالمشروع العنصري يعتبر جريمة ينبغي أن يحاسب عليها القانون.
الأمران مرتبطان. فكلما تحوّلت مهمة ضمان الأغلبية اليهودية إلى إجراء يمارس بالقوة في الأرض التي تحتلها؛ أكره داعموها على الاختيار بين صهيونيتهم وليبراليتهم.
التفوق اليهودي
غني عن القول إن الصهيونية، التي أصبحت قومية دينية (ولم تكن شيئا من ذلك في بداياتها) عمياء عن رؤية تاريخ ولغة وثقافة وحقوق الشعوب الأخرى. شهدت ليلة الأربعاء حدوث دراما تقريبا في نفس الوقت وعلى مسرحين عامين اثنين: مقر البرلمان في لندن، والبرلمان الإسرائيلي، الكنيست، في القدس.
قامت مارغريت هودج، وهي عضو برلمان عن حزب العمال تصف نفسها بأنها مهاجرة يهودية علمانية، بمهاجمة زعيم حزبها جيريمي كوربين من خلف مقعد رئيس البرلمان ووصفته "بالداعر العنصري المعادي للسامية"، وكررت ذلك دونما تحفظ أو تردد.
في نفس اللحظة التي كانت أحداث هذه الدراما تجري على خشبة المسرح البرلماني في لندن، كان الكنيست يكرس في دستور دولة إسرائيل قانونا يمنح اليهود في كل مكان حقا حصريا بتقرير المصير في إسرائيل، وهو القانون الذي استحق التنديد على نطاق واسع باعتباره عنصريا لأنه يجعل من تفوق العنصر اليهودي أساسا تقوم عليه مؤسسات الدولة.
يعود الخلاف بين هودج وكوربين أساسا إلى واحد من سبعة أمثلة يرد فيها ذكر إسرائيل في تعريف – أو لنكن أكثر دقة في إعادة تعريف – معاداة السامية المنشور من قبل التحالف الدولي لذكرى المحرقة (إهرا).
هناك ما لا يحصى عدده من التشويهات وأنصاف الحقائق الي يتم التلفظ بها ضمن الجدل المثار كجزء من الحرب الأهلية التي تدور رحاها داخل حزب العمال. لم تكن لدى مؤلف هذا التعريف، كينيث ستيرن، أي نية في استخدامه لتقييد حرية التعبير في الجامعات الأمريكية، وقد تمت فعلا إزالته من وكالة الحقوق الأساسية التي تتخذ من فيينا، العاصمة النمساوية، مقرا لها.
لا يوجد خلاف بشأن الإطار العام للتعريف. وإنما يتركز الخلاف على الأمثلة التي يصبح ارتباطها بالتعريف ذاته عرضة للمخاصمات القضائية. ولكننا بصدد جدل تم فيه استبدال العاطفة والمظلومية بالحقائق والحق. وبات المهم في الموضوع هو "الأذى" الذي يزعم القادة اليهود أنهم يشعرون به.
وصار الغضب الناجم عن محاولات اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب العمال إقصاء هذه الأمثلة ينطلق من زعم بسيط، ألا وهو القول: نظرا لأننا نشعر بذلك، فلابد أن يكون ذلك صحيحا.
ينبع ذلك مما يسمى بمقياس مكفيرسون الذي ينص على أن الأقلية هي الأقدر والأولى بتعريف التحيز الذي يمارس ضدها. ولكن تارة أخرى، لم يقل ذلك أبدا السير ويليام مكفيرسون الذي كان مكلفا بالتحقيق في ما جرى في قضية مقتل الشاب الأسود ستيفن لورانس.
إن التعريف الوحيد للعنصرية الذي خرج به مكفيرسون كان يتعلق بالعنصرية المؤسساتية. نعم، لقد عرف حادثا عنصريا، ولكن فقط كتوجيه محدد للشرطة بأنه ينبغي الأخذ بالاعتبار الانطباع المتشكل لدى الضحية حول الحادث.
وكما قال أنطوني ليرمان: "لا يوجد في التقرير ما يفهم منه الانتقال من قاعدة محددة ومهمة جدا حول تسجيل الانطباع المتشكل لدى الضحية إزاء ما حدث إلى قاعدة عامة تنص على أن الضحية وحدها قادرة على تعريف العنصرية التي تشعر بأنها تمارس ضدها".
الحجج المحرفة
كل حجة استخدمت في هذا الجدل تعرضت للتحريف، وما من حقيقة إلا وتعرضت للتشويه، وذلك خدمة لسردية غاشمة حول المظلومية الجماعية. ولكن هؤلاء الذين يشعرون بالحنق الشديد على كوربين يسود في وسطهم صمت تام إزاء ذلك الذي يجري في إسرائيل. بل حتى لم يحظ ذلك بأي تغطية، وحتى لم تُطرح عليهم أسئلة بشأنه. لا توجد تصريحات إعلامية، وكأنه لا يحدث.
ولكن شيئا ما يجري في إسرائيل. رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وصف قانون الدولة القومية بأنه يشكل "لحظة فارقة". وقد كان كذلك. فقانون الدولة القومية يعتبر السيادة والحكم الذاتي الديمقراطي حقا حصريا لليهود، ولهم وحدهم دون سواهم أينما كانوا يعيشون في هذا العالم.
ولذلك، وبناء على هذا الدستور، يصبح للسيدة هودج، التي تمثل منطقة باركينغ في البرلمان البريطاني، حق بموجب القانون -ونظرا لأنها يهودية بريطانية- يتقدم على حق أي فلسطيني يعيش في أرضه. لقد أصبح التمييز العرقي والديني قيمة دستورية في دولة إسرائيل، فهل هذه هي سياسة حزب العمال البريطاني؟
غير متاح لغير اليهود
لم تساور الشخص الذي تقدم بمشروع هذا القانون أي شكوك، بل كان في غاية الوضوح إزاء ما كان يهدف إليه. توجه آفي دختر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، نحو الأعضاء العرب في الكنيست وقال لهم: "كنا هنا قبلكم وسنبقى هنا بعدكم".
ومضى يقول: "لقد سعينا إلى تشريع هذا القانون حتى نمنع مجرد التفكير، ناهيك عن المحاولة، في تحويل إسرائيل إلى دولة لكل مواطنيها".
وبذلك يكون القناع قد سقط. فإذا لم تكن إسرائيل، كما قال دختر، دولة لكل مواطنيها، فلا يمكنها أن تكون ديمقراطية. فهو يقول إن إسرائيل موجودة فقط وتعمل فقط من أجل اليهود بغض النظر عن مكان إقامتهم وبغض النظر عن ما إذا كانوا مواطنين إسرائيليين أم لا. وهذا أمر غير متاح لغير اليهود.
وكما قال مركز عدالة للحقوق، فإنه لا يوجد بلد واحد في العالم اليوم يعرف نفسه على أنه دولة ديمقراطية حيث يتم تعريف الهوية الدستورية انطلاقا من الانتماء العرقي الذي يتفوق على مبدأ المواطنة المتساوية. والأسوأ من ذلك أن إسرائيل تبقى دولة بلا حدود.
وبذلك ينطبق القانون الأساسي ليس فقط على ما كان يعرف بأنه "إسرائيل المعترف بها"، أي ضمن الحدود التي أسسها الخط الأخضر في عام 1948، بل ينطبق ذلك على كل الأرض الواقعة ما بين النهر والبحر.
أي إسرائيل؟
تمت إزالة المادة ب 7، التي كانت تسمح "لأي مجتمع يتشكل من أناس ينتمون إلى نفس العقيدة أو القومية بأن يشكلوا مجتمعا حصريا". واستبدلت بها مادة أسوأ منها، لأنها تنص تحديدا على أن هذه المجتمعات ينبغي أن تكون يهودية.
والآن صارت المادة تنص على ما يأتي: "تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمة وطنية وسوف تعمل على تشجيعها والترويج لتأسيسها وتعزيزها". لا يشير ذلك فقط إلى الألف قرية وبلدة التي تحظر وجود المسيحيين والمسلمين فيها؛ ولكن إلى كافة المستوطنات في كل الأماكن، بما في ذلك داخل الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.
أصبحت الآن المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي ومن خلال ما لا يحصى عدده من قرارات الأمم المتحدة "قيمة وطنية" سوف تشجعها الدولة وتحميها. ولذلك ينبغي على من يعتبرون أنفسهم أصدقاء إسرائيل، سواء كانوا من العمال أم من المحافظين، أن يسألوا أنفسهم السؤال الآتي: "ما هو ذلك الشيء الذي أنتم أصدقاؤه؟"..
هل هو هذه الدولة التي تمارس الاحتلال؟ أم تلك الدولة التي تمارس التمييز؟ أم الدولة التي توقفت حتى عن وصف نفسها بأنها دولة لكل مواطنيها؟ الدولة التي تحبس السكان الأصليين فيها داخل شبكة من السجون والمعتقلات؟ الدولة التي وضعت حدا رسميا لأي حديث عن الاشتراك في القدس؟ الدولة التي أدارت ظهرها لأي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، وأي محاولة لمعاملة الفلسطينيين كمواطنين متساوين؟
يا مارغريت هودج، ما هو بالضبط ذلك الذي تدعمينه في دولة إسرائيل؟
أضف تعليقك