نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا للباحث السعودي الشاب عبد الله سلمان العودة عن سيرة المملكة العربية السعودية مع قضية الديمقراطية والشورى منذ تأسيسها، وصولا إلى عهد ولي العهد محمد بن سلمان.
وعبد الله العودة هو نجل العالم السعودي المعروف، الدكتور سلمان العودة الذي تعتقله السلطات السعودية منذ سبتمبر الماضي، وهو زميل دراسات عليا في القانون الإسلامي والحضارة بكلية القانون في جامعة "ييل"، وزميل مخضرم في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورجتاون.
وقال العودة في مقاله الذي ترجمه موقع "عربي21" إنه "منذ أن تأسس النظام الحالي للمملكة العربية السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي، وعد عدد متعاقب من الملوك وأولياء العهد بوضع أو حاولوا وضع نوع من الآليات الديمقراطية موضع التنفيذ".
وتابع: "إلا أن ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، والذي برز من بين أقرانه من أبناء الجيل الجديد داخل العائلة الحاكمة كزعيم للمملكة، يبدو عازما على إعادة المملكة إلى أعراف حقبة ما قبل المملكة العربية السعودية، حيث أنه بزّ كل أسلافه في ترسيخ دعائم النظام الملكي المطلق".
ولفت العودة إلى ما ذكره ابن سلمان في حوار مع مجلة "ذي أتلانتيك"، حين قال إن "الملكية المطلقة ليست خطرا على أي بلد"، وإنها (الملكية المطلقة) "في فرنسا هي التي ساعدت على إيجاد الولايات المتحدة من خلال مساندتها".
واعتبر العودة أن ابن سلمان من خلال هذا الكلام "يتبنى بشكل كامل الموقف السابق على الحداثة، والذي تخلى عنه تقريبا جميع أسلافه، بما في ذلك جده الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية في شكلها الحالي"، ما يعني أنه "من خلال ترويجه للملكية المطلقة وتخليه حتى عن مجرد الوعد بالديمقراطية، يكشف عن أن نظرته إلى الملكية أشد تخلفا من نظرة جده".
بعد ذلك استعرض الباحث العودة سيرة ملوك السعودية في قضية الوعود الديمقراطية، ومن ضمنها نظام الملكية الدستورية، بدءا من الملك عبد العزيز، إلى الملك سعود جلوسا على العرش، ومرورا بالملوك اللاحقين، كما استعرض نشاط المجتمع السعودي في سياق المطالبة بالشورى والإصلاح والديمقراطية، والعرائض التي نشرت على هذا الصعيد، وهي الوعود التي لم تتحقق.
وأشهر العرائض التي أشار إليها الباحث، عريضة عُرفت باسم "نحو دولة الحقوق والمؤسسات"، والتي قدمها والده الشيخ سلمان العودة، ومعه بعض أصدقائه بعد أن وقع عليها عدة آلاف من المواطنين.
وقال العودة إن تلك العريضة مثلت "علامة على ذروة النشاط الشعبي في المملكة العربية السعودية للمطالبة بملكية دستورية وبالديمقراطية في المملكة العربية السعودية".
ونوه إلى أن ظاهرة الربيع العربي "ربما حفزت أصحاب العريضة وأدت إلى اكتسابها شهرة واسعة. ولكن هذه المرة لم يقدم عبد الله، الذي كان يتربع على عرش المملكة، وتوفي بعد ذلك، أي وعود بالديمقراطية".
وينتهي الباحث إلى عهد ولي العهد محمد بن سلمان، والذي "لم يَعِد سوى بعهد طويل من الملكية المطلقة والقبضة الحديدية على السلطة".
ويقول: "المفارقة أنه (ابن سلمان) بينما وعد بمستقبل اقتصادي براق ضمن مبادرته لإقامة مدينة عصرية باسم "نيوم"؛ وعد أيضا بتراجع ديني إلى نفس الأوضاع التي نجم عنها أسوأ حادث إرهابي تعرضت له البلاد في عام 1979".
ويقارن الباحث بين عهد الملوك السابقين وعهد ابن سلمان بقوله إن "الملوك وأولياء العهود السابقين لم يكونوا كذلك "حريصين على اعتناق الديمقراطية، ولربما لم يتحركوا قيد أنملة تجاهها، إلا أن مناوراتهم مع الشعب التي كانت تتضمن القول بأنهم يقبلون بالديمقراطية كغاية سمحت بحدوث تفاعل صحي بين الناس والملوك. وكان مثل هذا التفاعل تصاحبه باستمرار فرصة عظيمة لقيام عقد اجتماعي ذو معنى بين الشعب والعائلة الحاكمة الأمر الذي كان يؤسس لمستقبل ديمقراطي أكثر استقرارا".
إلا أن التغير في الذهنية، والذي تجلى بوضوح من خلال توجه محمد بن سلمان نحو التشبث بسلطة مطلقة أبدية يشير إلى انتقال دراماتيكي بعيدا عن الوعود الديمقراطية التي كانت تعطي بعض الأمل للناس بمستقبل أفضل رغم أن أيا منها لم يتحقق.
وتحدث الباحث عما حصلت عليه إدارة ابن سلمان من "تغطية إعلامية إيجابية في الولايات المتحدة بفضل خطابها الذي يتحدث عن مستقبل تكنولوجي، بما في ذلك الحديث عن مدينة تدار آليا، وكذلك بسبب سماحها للنساء بقيادة السيارات". ثم حذّر قائلا: "ولكن ينبغي ألا ينخدع بذلك أحد، فنحن نشهد عودة إلى ماضي المملكة العربية السعودية. ومن خلال تخليه عن الوعد بالديمقراطية، لربما يتجه ولي العهد فعليا نحو العودة بالمملكة العربية السعودية إلى عصور التخلف والظلام".
أضف تعليقك