بقلم ممدوح الولي
خمس سنوات مرت على الإنقلاب العسكرى بمصر تفاقمت خلالها المشاكل الاقتصادية، بزيادة قيمة العجز بالميزان التجاري وارتفاع قيمة العجز في الموازنة، وتصاعد الدين المحلي والخارجي، حتى أصبحت تكلفة الدين الحكومي من فوائد وأقساط، تستحوذ على حوالي نصف الإنفاق بالموازنة.
وتدهورت قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، مما تسبب في زيادة أسعار السلع المستوردة، في بلد يستورد أكثر من نصف غذائه، وزادت أسعار السلع المحلية نظرا لوجود مكون أجنبي بها، وهو نفس السبب لضعف استفادة قطاع التصدير المصري من انخفاض قيمة الجنيه، نظرا لوجود حوالي 60 في المئة، كمكون أجنبى بسلع التصدير مما زاد من تكلفة المنتجات وقلل تنافسيتها.
وتضافرت عدة أسباب للغلاء بجانب تراجع سعر صرف الجنيه، منها رفع نسب التعريفة الجمركية أكثر من مرة للعديد من السلع المستوردة، وزيادة قيمة الدولار الجمركي الذي يتم التعامل على أساسه لاحتساب الرسوم، وعدم اعتراف الجمارك بفواتير المستوردين واستخراج أسعار استرشادية أعلى، إلى جانب القيود التى تم فرضها على الواردات مما قلل من الكميات المتاحة للاستهلاك.
وقامت البنوك برفع الفائدة على القروض مما زاد من تكلفة الإنتاج للسلع والخدمات، وقامت السلطات برفع أسعار شرائح استهلاك الكهرباء خمس مرات في السنوات الخمس الماضية، سواء للاستهلاك المنزلي أو التجاري أو الصناعي أو الخدمي، كما تمت أربع زيادات لأسعار المنتجات البترولية بالسنوات الخمس، وإجراء ثلاث زيادات لأسعار مياه الشرب، وزيادتين لتذاكر مترو الأنفاق، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وفرض العديد من الرسوم على خدمات تقدمها جهات حكومية، وزيادة الرسوم على منتجات المحاجر والمناجم.
اشتراط الصندوق خفض الدعم
النتيجة؛ زيادات متتالية بأسعار السلع والخدمات، بداية من ساندوتش الفول، الوجبة الشعبية لعموم المصريين، إلى السجائر والمشروبات في المقاهي الشعبية، ووسائل الاتصالات الثابتة والمحمولة ووسائل المواصلات، سواء العامة منها أو الخاصة، إلى أسعار الدواء والعلاج والأجهزة المنزلية ومواد البناء والمساكن والسيارات وغيرها.
مطالب صندوق النقد الدولي التي ظل يكررها بخطاب مشاوراته السنوية المعتادة، ثم أصبح يشترط القيام بها للحصول على القسط النصف سنوي من قرض الصندوق لمصر البالغ 12 مليار دولار
واستند النظام المصرى في مبرراته لخفض الدعم على السلع والخدمات؛ إلى مطالب صندوق النقد الدولي، والتي ظل يكررها بخطاب مشاوراته السنوية المعتادة، ثم أصبح يشترط القيام بها للحصول على القسط النصف سنوي من قرض الصندوق لمصر البالغ 12 مليار دولار، والذي ساعد في لجوء مصر للأسواق الدولية بطرح سندات أكثر من مرة.
كما دفع النظام المصري لذلك أيضا؛ إنفاقه الكبير على مشروعاته القومية التي لم تستند إلى دراسات جدوى أو تمثل أولوية لدى عموم المصريين، وعلى الأمن والدفاع، والإغداق على بعض الأجهزة السيادية للحفاظ على السلطة، خاصة مع تراجع التأييد من قبل أنصار النظام بسبب استمرار الغلاء، واللجوء لإعلام الصوت الواحد والقوانين المقيدة للحريات وسجن المعارضين.
وتراجعت مصداقية النظام كثيرا حتى بين أنصاره؛ بسبب عدم تنفيذه لوعوده بتحسن الأحوال خلال عامين من تولى الجنرال السلطة، ووعوده بعدم زيادة الأسعار مهما زاد سعر الدولار، ونفاد أكثر من مهلة زمنية طلبها الجنرال للتحمل لهذه الظروف المعيشية الصعبة، حتى أصبح التوجس من القرارات الصعبة المقبلة هو الأمر المسيطر عليهم.
زيادات قادمة بأسعار الخدمات
فها هو وزير البترول يعلن أن هناك زيادة قادمة لأسعار المشتقات البترولية العام القادم، ووزير الكهرباء يتحدث عن زيادات قادمة بأسعار الكهرباء بالعامين القادمين، ورئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي يعلن عن ثلاث زيادات قادمة بأسعار مياه الشرب في السنوات الثلاث القادمة.
ووزير المالية يشير لزيادات بالرسوم للعديد من الخدمات للإسهام بتكاليف نظام التأمين الصحى الشامل، ووزير النقل يؤكد قرب رفع أسعار تذاكر السكك الحديدية، وأن الزيادات الأخيرة بمترو الأنفاق لن تكون الأخيرة.
وإذا كانت الحكومة قد رفعت أجور موظفى الحكومة مؤخرا، فإن عدد هؤلاء حوالي خمسة ملايين من بين 29.5 مليون مشتغل بمصر، وبما يشير لعدم زيادة القطاع الخاص أجور العاملين لديه، كما أن بيانات جهاز الإحصاء الرسمي بنهاية العام الماضي تشير لوجود خمسة ملايين مشتغل يعملون بشكل متقطع، و4.4 مليون مشتغل يعملون بشكل موسمي، و1.7 مليون مشتغل يعملون بشكل مؤقت.
وذكر أن عدد العاطلين قد بلغ 3.5 مليون شخص، وهو رقم لا يجد مصداقية لدى الخبراء. وإذا كانت الحكومة قد رفعت قيمة المعاشات بنسبة 15 في المئة، فإن معاشات تكافل وكرامة الخاصة بالشرائح الفقيرة لم تحدث بها زيادة، ومعاشات الضمان الاجتماعى التى يصل الحد الأقصى لها 450 جنيها شهريا للأسرة المكونة من أربعة أفراد فأكثر؛ لم تزد منذ آذار/ مارس 2014.
وهكذا سيقوم أصحاب الحرف والمهنيون والتجار برفع أسعار خدماتهم لتغطية نفقات المعيشة، من غذاء ومواصلات وإتصالات وعلاج ومرافق وتعليم، لتستمر الدائرة الحلزونية للأسعار.
أضف تعليقك