بقلم: عزالدين الكومي
أردوغان الذى اعتبرته الدول الأوروبية يوماً حليفاً ونموذجاً يحتذى به، هاهى اليوم نفس العواصم الأوربية وصحافتها تشن هجوماً صارخاً على حليف الأمس، وتتهمه بالدكتاتورية، فلماذا هذا التحول في سياسات الغرب تجاه أردوغان؟ وللإجابة على هذا التساؤل، لا بد أن نعرف بأن أردوغان هوالوحيد الذى تجرأ ولقن رئيس الكيان الصهيوني “شيمون بيريز” درساً في حقوق الإنسان، حين وبّخه أمام العالم كله في منتدى دافوس الاقتصادى، قائلاً له:عندما يأتي الأمر للقتل، فأنتم (الإسرائيليون) تعلمون جيداً كيف تقتلون.
ودافع أردوغان عن فلسطين وهاجم الصهاينة، وقال لن ندير ظهرنا لغزة، وسيرأسطول الحرية وسفينة مرمرة لرفع الحصارالمفروض على غزة، فاستشاطت الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوربية والدولة العبرية غضباً من مواقف أردوغان.
وأردوغان الوحيد الذى غرد خارج السرب، بعيداً عن توجهات الغرب، عندما قام بدعم ثورات الربيع العربى، ورفض الانقلاب العسكرى على الرئيس المنتخب، محمد مرسى، في الوقت الذى تواطأت فيه دول أوروبا مع قادة الانقلاب العسكري في مصر، ومازالت تغض الطرف عن الديمقراطية إذا تعلق الأمر بالأنظمة الاستبدادية، التي تعتبرها حليفة لها، لأنها تقوم بواجبها في حماية الكيان الصهيوني.
وإذا أضفنا لما سبق، أن أردوغان حقق المعجزة الاقتصادية لتركيا، من خلال رفع نصيب دخل الفرد إلى أضعاف ما كان عليه قبل حكومة العدالة والتنمية ، وقفز بترتيب تركيا من المركز 111، ليصل إلى المركز السادس عشر بين أفضل اقتصاديات في العالم، وبفضل سياسات أردوغان تحولت تركيا من دولة تعتمد على معونات صندوق النقد الدولي، ومنح الغرب إلى دولة مانحة، الأمر الذى أعطى تركيا استقلالية أكبر في قراراتها الاقتصادية، وبالتالي انعكس هذا الاستقلال الاقتصادى بدوره على الاستقلالية السياسية والسيادية، فأضحت تركيا غير مجبرة على اتباع سياسات بعينها تخالف توجهاتها.
أما الأهم في قضية مناصبة العداء لأردوغان، أن تركيا في ظل حكم أردوغان تطمح في عودة السيادة على مضائقها وقنواتها وممراتها المائية، التي حرمت منها لعقود عقب الحرب العالمية الأولى، حيث قضت معاهدة “سيفر”بضرورة نزع سلاح المضايق وبحرمرمرة والجزرالواقعة في مدخليهما من جهة الجنوب، وتم تنظيم وضع المضايق مرة ثانية في معاهدة “لوزان” سنة 1923، حيث نصت هذه المعاهدة على حرية المرور الكاملة لكل السفن التجارية بغض النظرعن جنسيتها، وعُدلت المعاهدة عام 1936 بما يخدم مصالح الغرب، فلا تتقاضى تركيا رسوماً للعبور، على الرغم من عبور 28 ألف سفينة سنوياً بالمضائق التركية.
لذلك لا تعجب عندما تعلم أن أوروبا لا ترغب في أن تكون تركيا دولة محورية، تملك قرارها المستقل، بل تريدها دولة ضعيفة هامشية، تابعة في قرارها السياسي لأوروبا وتدور في فلكها، وتلعب أدوارا ثانوية تحددها أوروبا.
والطريف أنه أثناء الانقلاب العسكرى الفاشل على ضد أردوغان، والذى تم تدبيره داخل قاعدة إنجيرليك التابعة لحلف شمال الأطلسي في جنوب تركيا، مما أثار الشكوك حول تورط الغرب بشكل أو بآخر في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز/ يوليو 2016، ولم يكتف الغرب بهذا الموقف المخزى، بل راح يدافع عن الانقلابيين ويوجه التحذيرات لأردوغان، بضرورة ضمان حقوق الانقلابيين الذين تم اعتقالهم، كما جاء على لسان قال وزير الخارجية الفرنسي “جان مارك ايرولت” : إن الانقلاب الفاشل في تركيا لا يمنح الرئيس رجب طيب إردوغان “شيكا على بياض” لتجاوز المبادئ الديمقراطية.
حتى إن وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” عبر عن خيبة امله من موقف الاتحاد الأوروبي، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة قائلاً: إن بعض المسؤولين الأوربيين سألونا منذ الليلة الاولى للانقلاب عندما تعرض البرلمان التركي للقصف عن وضع الانقلابيين، وإن الانتقادات الموجهة من الغرب ضد انقرة زادت من حدتها بعد محاولة الانقلاب، إلى أن وصل الأمر إلى حد التهديد ومطالبة البعض بايقاف مباحثات انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، وإن بلاده كانت تنتظر وقفة داعمة من أصدقائها في الاتحاد وتجنب إطلاق الأحكام المسبقة، والتأكد من المعلومات الحقيقية من الحكومة التركية الشرعية، وأن الاتحاد الأوربي لم يدعنى إلى اجتماعه بعد ثلاثة أيام من محاولة الانقلاب، ولم يقم أي مسؤول من الاتحاد بزيارة تركيا للاطلاع عن كثب على ما حدث في البلاد.
والطريف أن أردوغان الذى تم انتخابه في تركيا بنفس الطريقة التي انتخب بها رؤساء فرنسا و ألمانيا والولات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ولكن عند اختيارهؤلاء فهى الديمقراطية، أما عندما يختارأردوغان بنفس الطريقة تكون الدكتاتورية والاستبداد؟
وفى الحقيقة أن استمرار أردوغان في قيادة تركيا، وسعيه لاستقلالية تركيا عن الرؤية الغربية جعل السلوك الغربي أكثرعدوانية تجاه أردوغان شخصيا، متجاوزا الاعتبارات المقيدة للخطاب الرسمي.
وقد رأينا مواقف العواصم الغربية، تجاه مؤتمرات مؤيدى التعديلات الدستورية، ومؤتمرات حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل وصل الأمرأن هولاندا منعت هبوط طائرة وزير الخارجية التركي الذي كان ينوي المشاركة في فعاليات مؤيدة للتعديلات الدستورية.
أما عداء صهاينة العرب لتركيا وأردوغان، فمرده لعدائهم للإسلام السياسى بشكل عام، وتأييد تركيا لثورات الربيع العربي لاسيما في مصر، والوقوف إلى جانب مطالب الشعوب العربية، التي ثارت مطالبةً الشعوب المطحونة بالحقوق والحريات بشكل خاص، بينما انحاز هؤلاء إلى جانب قمع وقهر الشعوب المتطلعة للحرية والكرامة الإنسانية، والخوف من وصول الثورة إليها.
أضف تعليقك