بقلم: عبد الرحمن يوسف
وقف السيد الفريق محمد أحمد زكي (الرئيس السابق لما يسمى الحرس الجمهوري) أمام رئيس جمهورية الأمر الواقع، السيد عبدالفتاح "سيسي"، في قصر الاتحادية مؤديا اليمين الدستورية كوزير للدفاع، وذلك ضمن تغيير وزاري، بعد أن جدّد رئيس جمهورية الأمر الواقع بقاءه في السلطة لأربع سنوات أخرى... هكذا شاهدنا الخبر في نشرات الأخبار.
تتابعت الأسئلة... فكان السؤال الأول: (كيف استطاع "سيسي" تجاوز العقبة الدستورية التي تفرض عليه بقاء وزير الدفاع المخلوع "الفريق صدقي صبحي" لمدة ثمان سنوات؟ وكيف سيفلسف الأمر أمام الجيش وأمام الرأي العام؟).
خرج أنصاره قائلين إن من حق وزير الدفاع أن يستقيل، كما أن من حق رئيس الدولة أن يعزله إذا كان ذلك قرارا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة... إذن لا بد أن السيد وزير الدفاع قد استقال، أو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد اختار خلفه.
فهل هذا ما حدث؟ ماذا حدث في تلك الليلة؟
* * *
الحقيقة إن ما حدث لم يكن أحد الأمرين، وطبقا لمصادر كثيرة (لا يمكن الإفصاح عنها حاليا) فلا السيد "صدقي صبحي" استقال من منصبه، ولا السادة أعضاء المجلس العسكري قرروا تعيين خلفه!
لقد عرف وزير الدفاع السابق خبر إقالته من التلفاز! كما عرف السادة أعضاء المجلس العسكري خبر تعيين "وزيرهم" من التلفاز!
سؤال ثانٍ: لماذا لم يستشر "سيسي" مجلسه العسكري في تغيير وزير الدفاع؟
والإجابة: لأنه لو فعل فسوف يرشح المجلس العسكري شخصا من المجلس العسكري، أو شخصا يتم التوافق عليه بين الجميع، بل ربما تحدث إشكالية في مسألة عزل "صدقي صبحي" أصلا! لذلك، تعمّد ساكن القصر أن يعين رئيس الحرس الجمهوري (وولاؤه الكامل له شخصيا)، وأن يفرض ذلك على الجميع، وتعمد أن يتم ذلك بشكل مهين، لكي يفرض أسلوبا جديدا في الإدارة العسكرية للمؤسسة... يمكن أن نسميه "الإدارة بالبيادة"!
* * *
سؤال ثالث: هل تسبب هذا التصرف من السيد "سيسي" في أزمة داخل الجيش؟
الإجابة: نعم... هناك أزمة!
إذا كانت هناك أزمة فذلك يستتبع سؤالا آخر... ما حجم وأبعاد هذه الأزمة؟
الإجابة: لن يحدث شيء جلل، فأمثال هؤلاء الجنرالات لن يفعلوا شيئا لكبيرهم مندوب إسرائيل، غاية ما في الأمر مجموعة من الترضيات، والمواءمات... لا أكثر!
* * *
سؤال خامس: لماذا لا يحدث شيء بعد هذه الإهانة الشخصية للقيادات العسكرية؟
والإجابة المؤلمة: لأننا نتحدث عن جيش بلا عقيدة!
من أهم صفات الجيوش التي تفقد عقيدتها القتالية أنها تقبل قتل العُزّل، وهذا هو معنى فقدان الشرف العسكري، كما أنها تنهزم أمام الاختبارات العسكرية الحقيقية بسبب قلة كفاءة أفرادها، وانعدام الحافز المعنوي الذي هو جوهر العقيدة القتالية.
كما أن من أهم أعراض هذا المرض (أعني مرض فقدان العقيدة القتالية في الجيوش) هو أن يصبح فقدان الشرف العسكري صفة عامة في الهرم القيادي كله... من أسفله إلى أعلاه.
لذلك ترى قادة المؤسسة العسكرية اليوم معدومي الشرف، لا يعرفون معنى المناصب التي يتقلدونها، ولكنهم يدركون مميزاتها المادية تمام الإدراك، لا يفهمون مسؤولية الرتب والنياشين التي يتقلدونها، ولكنهم يفرضون لأنفسهم الجاه والسلطان المناسب لتلك الرتب بكل حزم.
إنهم قادة كالخُشُب المُسَنَّدَةِ، خيالات مآتة، أشباه ذكور، لم يسمعوا شيئا عن الرجولة، ولا يعرفون النخوة!
لذلك يتلقون الصفعة تلو الأخرى وهم في منتهى الهدوء، تهان مؤسستهم آناء الليل وأطراف النهار؛ وهم يتمتعون بأموالهم ولا يحملون هم الكوارث التي ستحل بهذا الوطن بسبب استخذائهم المهين.
لقد مرّ هؤلاء باختبارات أصعب وأعمق من إقالة وزير الدفاع... لقد قبلوا أن يقتلوا أبناء الوطن، وأن يعتقلوهم، وأن يصادروا أموال الشرفاء، وأن ينتهك جنودهم أعراض المواطنين، وأن يمنحوا الأرض المصرية لأعداء الأمة المصرية، وأن يمنحوا الثروات المصرية مجانا للعدو الاستراتيجي، بل إنهم قبلوا أن يزيفوا وعي الأجيال بتغيير العدو الاستراتيجي للأمة... فأصبح العدو هو الشعب ذاته، أو جزء منه، أو من يعارضهم منه... وأصبح الحليف الاستراتيجي هو عدو الوطن الحقيقي (كل ذلك تم باسم المؤسسة العسكرية، وبسلاحها، وبجنودها)!
* * *
السؤال الأخير: هل هناك استثناءات في المؤسسة؟
والإجابة: هذا جيش الوطن... لا جيش "سيسي" ومجلسه العسكري!
نحن نحمل مسؤولية ما يحدث للجيش المصري لقياداته، منذ توقيع "كامب ديفيد" إلى اليوم.
هذه الأمة بريئة من تلك القيادات، وهذا الجيش بريء من هؤلاء الجنرالات الذين لم يعرفوا معنى الشرف العسكري، ولا ينظرون لرتبهم ولا للمؤسسة التي يعملون فيها إلا كما ينظر الصياد لفريسته (مع فارق أن الصياد يحترم الفريسة، ويحذر من انقضاضها عليه).
السؤال ما بعد الأخير: هل هناك استثناءات في القيادات الحالية للقوات المسلحة المصرية؟
الإجابة: لا أحد يعلم... والأيام ستثبت!
نحن على ثقة أن غالبية كبيرة من أفراد الجيش المصري سوف تتعاون مع أي قيادة مخلصة تعيد العقيدة القتالية كما كانت حين كان الجيش ملكا للأمة المصرية... وليس أداة في يد مجموعة من عملاء إسرائيل.
حينها... سنرى في الجيش من يفدي الوطن بروحه، ويرفض أن يكون أداة قتل للمواطنين العُزّل، ويرفض أن يخضع للإدارة بالبيادة!
أضف تعليقك