• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم عادل سليمان

أربعون عاماً مضت على انعقاد مؤتمر كامب ديڤيد الشهير في العام 1978، بدعوة من الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جيمي كارتر، والذي جمع فيه بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي، مناحيم بيغن، المؤتمر الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي، وطبيعة العلاقات الإقليمية والدولية، والأهم دخول القضية الفلسطينية في نفق شديد الغموض، حيث أفلت زمام الأمور فيها من يد العرب باعتبارهم طرفا أساسيا في الصراع الدائر في المنطقة تحت عنوان “الصراع العربي الإسرائيلي”، وانتقل زمام الأمور إلى الطرف الآخر، العدو الإسرائيلي، منفردا وبرعاية أميركية. المهم أن اتفاقيات كامب ديڤيد تلك، والتى تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر/ أيلول 1978، تضمنت ورقتين: إطار عمل من أجل السلام فى الشرق الأوسط، إطار عمل لعقد اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل.

تضمنت الأولى إطاراً للسلام، أو لتسوية القضية الفلسطينية على أساس منح الفلسطينيين المقيمين فى الضفة الغربية وقطاع غزة حكما ذاتيا إداريا خمس سنوات، على أن تتم خلالها مفاوضات بين العدو الإسرائيلى وطرف عربي، مصر والأردن وممثلين للفلسطينيين.. وتم التوقيع على ذلك الإطار في غياب فلسطين والأردن. وتحول هذا الاتفاق الإطاري إلى مجرد حبر على ورق، حيث رفضه الفلسطينيون والأردن، لأنه تجاهل كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، كما رهن الوضع في باقي الأرض العربية المحتلة بتفاوض منفرد بين العدو الإسرائيلى وكل طرف، سورية والأردن ولبنان.

أما الاتفاق الثاني فكان إطارا لعقد معاهدة سلام بين مصر والعدو الإسرائيلي، ولعله كان هو الهدف الرئيسى من عقد المؤتمر، وهو ما تم بالفعل في أعقاب كامب ديڤيد، عبر مفاوضات تمت بين الطرفين فى بلير هاوس، وتم التوصل إلى اتفاقية السلام المعروفة بينهما، ووقّع عليها كل من السادات وبيغن وكارتر في مارس/ آذار 1979، واعترفت مصر بدولة الكيان الصهيونًى رسميا، وأنهت حالة الحرب معها.
وعلى مدى الأربعين عاماً التي مضت، منذ التوقيع على اتفاقية كامب ديڤيد، جرت في الأنهار

“صفقة القرن ليست وهماً ولا خدعة، وضع كارتر أسسها في كامب ديڤيد عام 1978”

العربية، وفي وديان العالم العربي، مياه كثيرة، ودماء عربية أكثر، وتبدلت مسميات، وتغيرت مفاهيم، فلم يعد اليوم هناك من يتحدث عن صراع عربى – إسرائيلي، ولا عن قضية فلسطينية. وتحول الأمر إلى مجرد مشكلة بين دولة إسرائيل ومجموعة من السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة وقطاع غزة. ولأن الطرف الذي بيده زمام الأمور، وهو الطرف الصهيوأميركي، رأى أن الوقت قد حان لتصفية هذا الأمر، وإعلان دولة العدو الإسرائيلي عبرية يهودية، شرق أوسطية، وعاصمتها القدس. وبدأ تنفيذ السيناريو الموضوع منذ كامب ديڤيد لتصفية القضية بطرح فكرةٍ غامضةٍ تحت عنوان “صفقة القرن”، يرعاها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ولاقت الفكرة القبول من أكثر من زعيم عربي، حتى قبل الإفصاح عن مضمونها، على اعتبار أن الصفقة ستقدم حلا لقضيةٍ مزمنةٍ يتطلعون إلى التخلص من تبعاتها.

بدأ التمهيد للصفقة الموعودة بتصديق الرئيس ترامب على قرار الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرار نقل سفارة أميركا إليها، وهو ما تم وسط مراسم احتفالية على مستوى رفيع. والتركيز الإعلامي في أوساط الرأي العام العربي على أن العدو الرئيسي للعرب هو إيران وليس إسرائيل؟ وأن الفلسطينيين أضاعوا كل الفرص لحل قضيتهم، وعليهم أن يقبلوا بما هو معروض أو سيعرض عليهم في الصفقة المقبلة من دون نقاش. ولتأكيد ذلك، جاء الإفراج عن بعض وثائق الخارجية الأميركية الخاصة بكواليس “كامب ديڤيد”، ومواقف أهم الدول ذات التأثير على مسار القضية الفلسطينية، مصر والسعودية.

وثائق الخارجية الأميركية تلك تم نشرها، وهي متاحة للكافة، وتضيء على المخطط الإستراتيجى الصهيوأميركي بعيد المدى، ليس فقط لتصفية القضية الفلسطينية، ولكن أيضاً لإعادة هيكلة المنطقة، بما يجعل إسرائيل قوة إقليمية، وركيزةً ضمن ركائز ثلاث متنافسة في المنطقة، تركيا وإيران وإسرائيل نفسها.

توضح الوثائق المنشورة في مطلع شهر مايو/ أيار الماضي أن الاهتمام الأميركي تركّز أساساً على معادلات الحكم في كل من مصر والسعودية، لإطلاق مبادرة سلام واسعة بقيادة مصر، ودعم السعودية، وهو ما كانت مصر قد بدأته بالفعل، عندما هبطت طائرة السادات في مطار بن غوريون في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، وكلمته في الكنيست الإسرائيلي الداعية إلى السلام، حتى وصلت تلك المبادرة إلى دعوة كارتر إلى مؤتمر كامب ديڤيد في العام التالي. وهنا جاء الدور لتأكيد دعم السعودية مبادرة السادات، وما سيترتب عليها، وهو ما توضحه البرقية المرسلة من سفارة أميركا في الرياض إلى واشنطن في 10 أغسطس/ آب 1978، تنقل ما دار فى لقاء في مدينة الطائف بين السفير الأميركي جون سى ويست ووزير خارجية السعودية سعود الفيصل، حيث أعرب الأخير عن دعم بلاده الكامل دعوة كارتر إلى اجتماع السادات وبيغن فى كامب ديڤيد، وأوضح الوزير السعودي أن زيارة ولي العهد، الأمير فهد بن عبد العزيز، القاهرة لم تكن لإعاقة عقد اللقاء المرتقب، ولكن لتأكيد أن السعودية تريد أن تتم “كامب ديڤيد”، وقال سعود الفيصل نصاً “سنفعل كل ما في وسعنا للمساعدة”.
وبالنسبة لمصر، تكشف الوثائق المنشورة عن القلق الأميركي فيما بعد السادات، وكأن تقديراتهم كانت تتوقع نهايته بعد توقيعه معاهدة السلام. وتتحدث البرقيات المتبادلة من أغسطس/ آب

“تكشف الوثائق المنشورة عن القلق الأميركي فيما بعد السادات، وكأن تقديراتهم كانت تتوقع نهايته بعد توقيعه معاهدة السلام”
1978 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 1980عن موقف نائبه، حسني مبارك، باعتباره الخليفة الأكثر احتمالا. وحسب البرقيات، فإن مبارك ليس مهموماً بالمسألة الفلسطينية، فهو سبق أن أخبر السفير الأميركي في القاهرة مرات بأنه لو تم منح سكان غزة حكماً ذاتياً حقيقياً فإن سكان الضفة الغربية يمكن أن يُتركوا “للتخليل” لو رفضوا الانخراط في عملية السلام، أي أن تسوية مسألة غزة ستنهي القضية برمتها.
وتبلورت الأهداف الإستراتيجية الأميركية فى ذلك الوقت حول نقاط خمس محددة: الحفاظ على “عملية السلام”، أي عملية التسوية أو التصفية التي عُرفت بالسلام للتضليل، وتقديم غطاء سياسي للتحركات الأميركية في العالم العربي (نموذج العراق)، والتعاون العسكري بتقديم التسهيلات لاستخدام القواعد والمجالات الجوية والبحرية والمرور في الممرات.. إلخ، وتعاون أمنى واستخباراتي فىما يتعلق بالحرب على الإرهاب من المنظور الأميركي، وأخيرا إجراء تغييرات جوهرية بتحرير الاقتصاد وربطه بالاقتصادات الغربية.
وهكذا يصبح من المستحيل الخروج من الحلف الأميركي، وهو بالضرورة سيؤدي إلى القبول بالطرف الغائب الحاضر، وهو العدو الإسرائيلي، ولكن في الوقت المناسب، وبعد تهيئة كل الظروف المناسبة، على أن تقوم مصر بدورها في قيادة مبادرة السلام الواسعة، والتزام السعودية بالتفاهمات التي تتم بين مصر وإسرائيل، وهو ما تم على مدى الأربعين عاماً الماضية، والحركة الصهيونية عادة ليست في عجلة من أمرها.
هذا يعنى أن صفقة القرن ليست وهماً ولا خدعة، ولا هي من بنات أفكار ترامب، لكنها حقيقة تم وضع أسسها فى كامب ديڤيد عام 1978، على يد رئيس أميركي يدعى جيمي كارتر. وحان وقت تنفيذها في العام 2018، على يد رئيس أميركي آخر، يدعى دونالد ترامب. ولا عزاء للشعوب العربية حتى تفيق من غفوتها.

أضف تعليقك