لم يكن المسلمون يتَسَمّوْن بأي اسم سوى ما سماهم به ربهم تبارك وتعالى {هو سماكم المسلمين}، ولكن أبَتْ الأمة إلا أن تنقسم شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون.
وفي زحمة المصطلحات والمسميات نشأ مصطلح السلفية، للتمايز عن الفرق الضالة، وتعبيرًا عصريًا عن منهج أهل السنة والجماعة.
إلى هذا الحد لم يكن لأحد أن يعترض على المسمى ولا على من يحملونه، غير أن المصطلح قد ذهب به أهله مذهبًا بعيدًا، وجرّدوه عن معناه الأصلي، وظلموه ظلما بيّنًا، ونفّروا الناس منه.
لقد ظُلمت السلفية عندما أصبحت حِكرًا على جماعات معينة، ادّعت احتكارها للمنهج السلفي، ووقفوا على بوابتها يُجيزون هذا ويمنعون ذاك، فصار من لا ينضوي تحت إطار الجماعة ويتخذ من مشايخها مرجعيات علمية فليس بسلفي.
والحق الذي عليه أهل الحق، أن السلفية تعني اتّباع منهج السلف الصالح من القرون المفضلة التي جاء بها الحديث النبوي الصحيح (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان.
وهو منهج شامل متكامل في الأصول والفروع، في العقيدة والأخلاق والسلوك، وفي المنهج الإصلاحي، وفي الحكم على الآخرين، ويقترب المسلم من حقيقة هذا المسمى بمدى تحقيق جوانبه المختلفة، ومن ثم فلا مجال لاحتكار مسمى السلفية من قبل جماعات وأحزاب لها إطارها التنظيمي أو مظلتها الفكرية، ونفي المسمى عمن لم ينضووا تحت لوائهم.
وظُلمت السلفية عندما أصبحت عبارة عن بعض الخيارات الفقهية التي يُصنّفُ الناس بمقتضاها، واعتبار من لا يدين بها ويلزمها أنه غير سلفي.
وهذا من أجهل الجهل وأبْيَن الظلم، فإنه لا يزال العلماء منذ عهد الصحابة يختلفون في فروع الشريعة، في المسائل التي لم تأت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
وعلى ذلك فلا يسوغ لأحد أن ينزع مسمى السلفية عمّن خرج عن إطار اختياراته الفقهية، طالما كانت من مسائل الاجتهاد ومما يسوغ فيه الخلاف.
ومن ثم فالتي تكشف وجهها باعتبار عدم فرضية تغطية الوجه فليس معناه أنها ليست سلفية المنهج، ومن قصّر لحيته وأخذ منها فليس معناه أنه ليس بسلفي المنهج، والذي يرخي ثوبه لغير الخيلاء فليس معناه أنه ليس سلفي المنهج، وغير ذلك من المسائل التي اختلف فيها العلماء على مر الأزمان.
لقد أدى احتكار مسمى السلفية عن طريق المفاصلة على بعض الاختيارات الفقهية، إلى أن أصبحت كلمة السلفية مُرادفة للتشدد والتضييق في حس كثير من المسلمين مع الأسف الشديد.
وظُلمت السلفية عندما سار بعض المنتسبين إليها على نهج التلبيس في قضايا التعامل مع الحكام، حيث جعلوا من النصوص المُلزمة بطاعة أولي الأمر، منهجا توافقيا عاما يتزلفون به إلى الحكام، ويصنعون منه فزاعة لكل من يتجه لإنكار المنكرات التي يقيم عليها الحاكم.
وهم بذلك يخلطون في أذهان الناس بين الخروج على الحاكم وبين نصحه والإنكار عليه، فتراهم دائما يسوقون قوله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وحديث (اسمعوا وأطيعوا وإن اسْتُعمل عليكم عبد حبشي) ونحو ذلك من نصوص الأمر بطاعة الحكام، ويتجاهلون النصوص الأخرى التي تبين فضل الإنكار عليهم كقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، ويعتبرون الإنكار على ولي الأمر خروجا عنه.
وبسبب هذا المسلك أصبحت كلمة السلفية عند الكثيرين تعني مداهنة الحكام والرضا بباطلهم، الأمر الذي نفّر الناس من مسمى السلفية.
وعلى الجماهير كذلك مسؤولية عدم الخلط بين حقيقة السلفية وبين من يدّعيها ويسيء إليها، فالمنهج ليس مسؤولا عن انحراف الأتباع، وليس كل من ادعى أنه سلفي كان سلفيا، وقد يكون الرجل سلفيا ولا ينسب نفسه لهذا المسمى، فالعبرة بالحقائق لا المسميات والشعارات..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أضف تعليقك