• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

لم تكنْ هذه هي المرّة الأُولى، التي ينطق فيها السيسي بما يجعلُه أضحوكةَ الأُمم، فالرجل كلّما تكلّم ثبت أنه مُنتج للمادّة الخام من الفُكاهة!

الجديد هذه المرّة، أنّه نطق في مجال تخصّصه، فوصف الصواريخ الباليستيّة بـ «البلاستيكيّة»، ولهذا فقد انزعج حواريّوه، وفعلوا ما في وسعهم من أجل إنقاذه من هذه السّقطة، ووصل الحال حدّ أنّهم دخلوا على المواقع المُختلفة وقاموا بوضع صفة «البلاستيكيّة» على الصواريخ التي يطلقها الحواريّون، ثمّ قاموا بنشرها وهم يقولون إنّ قائدَهم لم يُخطئ، وإحدى المُذيعات قالت إنّه نطق الكلمة نطقاً صحيحاً، كما جاءت في اللغة الأمِّ التي بهدلها الأمريكيون!

وليس في احتشاد أنصار السيسي ما يلفت الانتباه، فقومٌ يعلمون أنّ صاحبهم زوّر إرادة الأمّة، لا يُلامون إنْ زوّروا كلمةً على الإنترنت، لكنّ الجانب المهمّ هو أنّهم استشعروا خُطورة النّكتة على قائدهم، وهو ما جمعهم مع آخرين دخلوا على الخطّ من باب إثبات الموضوعيّة، وعليه قالوا إنّ السيسي لم يجانبْه الصوابُ فيما قال، وأرهقوا أنفسهم في استدعاء ترجمات جرى تحريفُها، أو بإجهاد أنفسهم في التّرجمة بالهجاء، ولو سايرناهم لكان عبد الفتاح السيسي اسمُه «أبدو»، وابنُه اسمُه «مهمود»، ومن عيّنه مُديراً للمُخابرات الحربيّة اسمُه «هسني مبارك»، وأنّه ينتمي لبلد اسمُها «إيجبشن»، وما هكذا تُورد الإبل!

وهناك من أرهقوا من المُعارضة، فوجدوا في الأمر فرصةً لفتح ثغرةٍ في الجدار الصُّلب، بالتقرّب إلى النّظام بالنّوافل، ومن باب «الموضوعيّة» أو ادّعائها، وهي عودة للمُعارضة القديمة، عندما كان المُعارض يبدأ «موَّاله» بالحديث أو الكتابة عن الوزير الفلاني الّذي وإنْ اختلفت معه إلا أنّه أصاب في كذا، وتُمثّل «إلّا» بدايةً لوصلة مديح يتّصل على إثرها المعني بالأمر فيشكر المُعارضَ الموضوعيَّ لتكون «فاتحة خير»!

فاتَهُم أنّ الحكمَ الجديدَ في مصرَ مُختلفٌ، وهو لا يقبل مَن يمدحونه على حَرْفٍ، أو أصحاب وجهات النّظر، فحواريّوه هُمْ من غيرِ أولي الإِرْبة، ولهذا لا تجد سيساويّاً يمكنه أن يُقيم مع معُارض حِواراً، فيلجأ لعجزه إلى السبّ، والجهلُ هو المبرّر الموضوعيّ لقَبولهم في البلاط!

وآخرون من دونِهم تمّ حسابُهم على المُعارضة، وهم في الأصل من عيون الأجهزة الأمنيّة، ولأنّهم يُدركون خُطورة السُّخرية، فقد تدخلوا يطلبون من المُعارضة أن تترفّع عن سفاسف الأمور، حتّى لا تتّهم بعدم الجدية، وهذا هو بيتُ القصيد!

فالقومُ يُدركون خُطورة السُّخرية والحطّ من القدر، لأن الدعاية لعبد الفتاح السيسي قامت على أنه شخصٌ - وبحكم انتمائه للمُؤسّسة العسكريّة - يمثّل الشّموخ اللازم لتولّي منصبِ رئيس الدّولة المِصريّة، ويُدركون - بالتجرِبة - أنّ هذا السّلاحَ خطيرٌ، فقد جرى استخدامُه ضدّ الرّئيس مُحمّد مُرسي، وهو ما عبّرتُ عنه في مقالٍ نُشر لي قَبل الانقلاب حمل عنوان «استهياف الرّئيس»، فالعملُ على تحويل الرّئيس إلى (شخص هايف - من الهَيَافة)، كان ضمن مُخطّط استهدافه من قبل الثّورة المُضادّة!

لقد شاهدنا تربُّصاً وتصيُّداً للرئيس مُحمّد مُرسي، فكل سَكناته وحركاته مادّةٌ لسُخرية القوم، حتى الرّوب الجامعيّ الذي ارتداه في إحدى جامعات باكستان الّتي منحتْه الدكتوراه الفخريةَ استُخدِم مادّةً للحطّ من الكرامة في هذا السّياق، وعندما استدعت النّيابة «باسم يوسف» ذهب إليها بخوذة فوق رأسه في مشهد يحرّض على الجهل ويسخر من القيم الجامعيّة، وهو ما كان يستدعي وقفةً من الجامعات المصريّة، لكنّ كلّ شيءٍ كان مُباحاً في سبيل الهدف الأسْمى وهو «استهياف الرّئيس»!

بدون أن نقعد له على السّاقطة واللاقطة، فعبد الفتاح السيسي يتحفنا بكلّ ما هو جديدٌ في مجال الفُكاهة، وبدون تربُّص أو تصيُّد، وفي الواقعة الأخيرة قال السيسي ما أضحك الثَّكَالى، عند وصفه الصّواريخَ التي يطلقها الحوثيّون على السّعوديّة بـ «البلاستيكيّة»، مع أنه ضابط جيش، ويعمل الآن تاجرَ سلاح، وقد صارت مِصرُ هي الأولى على مُستوى العالم في «بيزنس السّلاح»!

لقد انفجرت السيوشيال ميديا من الضّحك، وكان الأكثرَ سُخريةً هو دخولَ ذبابِه الإلكترونيّ للتّزوير في المواقع بإضافة وصف البلاستيكيّة ضمن تعريف الصّواريخ الباليستيّة، ومن ثمّ قاموا باصطحاب ما لفّقوه ليُشيعوا أنّ صاحبَهم لم يُخطئ، فكنّا أمام نُكتة جديدة!

إنّه الفزع من سلاح السُّخرية إذنْ، وإنْ كان حيلةَ العَجَزة، فإنّه سلاحٌ مُدمّرٌ يحطّ من القدر، ويفقد الاعتبارَ، وليس بالضرورة أنْ يُستخدم من قِبل العاجزين من أمثالنا عن مُواجهة الحكم المُستبدّ، ولكنه قد يُستخدم لمن يعجزون عن الانتصار إذا احتكموا للجماهير في الانتخابات النّزيهة، كما فعلت القوى المدنيّة مع الإخوان المُسلمين، وقد يكون اللجوءُ إليه إحباطاً، لكنّه يقتل ويدمي!

لقد ارتفع عبد الناصر بآمال الجماهير إلى السّماء، لتقع الهزيمة ويقف الشّعب المصريّ على أنّه كان ضحيةً للوهم، فكان الجيشُ هو هدف منصّات إطلاق النِّكات، حتى طالب الرّئيس عبد الناصر الشّعبَ بأنْ يتوقّف عن إطلاق النِّكات على الجيش مُراعاة لحالة الجنود المعنويّة!

لقد أوجعتْهم السُّخريةُ، فانطلقوا يستهينون بها، ويطلبون بالإعراض عنها والحديث بشكل جادّ، مع أنّه حديثٌ بقمّة الجِدّية وإنْ أضحك الثَّكَالى، فشرُّ البَليّة ما يُضحك!

فالشخصُ الذي جرى تقديمُه على أنّه «فَلْتَة» جيلِه، وأنّه الأليقُ بحُكم مصرَ، وفي سبيل هذا جرى تجاوزُ قيمِ الديمقراطيّة من أجل تمرير اختطافِه للحكم، هو الّذي كلمّا تحدّث أضحك!

ثُمّ ما هي الجِدّية المطلوبة؟.. هل بالحديث عن اعتقال عشرات الآلاف، أمْ في التفريط في التّراب الوطنيّ، وفي التّنازل عن حصّة مصرَ التّاريخيّة من مياه النّيل، أمْ في تغييب رئيس أركان الجيش المصريّ خلف القضبان لمجرد أنْ قرّر خوضَ الانتخابات؟

اللافت أنّ أحداً من الّذين يتحدّثون عن الجِدّية ممن ينتسبون بالانتحال للمُعارضة، لم نسمع له موقفاً واضحاً في كلّ القضايا الجادّة، لكنهم جاءوا الآن ليُعطوا دُروساً في المُعارضة التي ينبغي أنْ تكون، بل لم نسمعْ لهم رفضاً لإهانة الرّئيس مُرسي في البرامج التلفزيونيّة، بالافتعال والتصيُّد!

إنّهم كالّذي إنْ تحملْ عليه يلهثْ أو تتركْه يلهثْ!

 

أضف تعليقك