كتب عزالدين الكومي :
إنى لأعجب من الذين يوجهون سهامهم نقدهم لجماعة الإخوان المسلمين، لانتقاد أدائهم السياسى أو الفكرى، ولكن انتقاد عقيدتهم، فقد قال أحد الرويبضات:
أماعن أخطاء الإخوان المنهجية والفكرية، والتي ابتليت بها الجماعة والأمة الاسلامية، أذكر واحدة وهي الأهم والأخطر، وبها لن يقيم الله لهم قائمة، إن لم يعودوا إلي الله، وهي الولاء والبراء، فالجماعة بنت منهجها علي المراوغة واستخدام التقية في التعامل مع الجميع من منطلق الدهاء، والخبث لمصلحة الدعوة، ولا تجد لها موقف محدد وواضح من أعداء المشروع الإسلامي، فتارة تجدها مع النصاري في كل احتفالاتهم وقبول مشاركتهم فى كافة مناحي الحياة، وتارة تجدها ترفض الجهاد الإسلامي في شتي بقاع الأرض لكي لا يقال عنهم إنهم إرهابيون.
وتارة تجدهم مع الشيعة، من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتارة تجدهم مع العسكر والشرطة من أجل الأمن والأمان.
ونقول لهذا الرويبضة وأمثاله أن الولاء والبراء هو أوثق عرى الإيمان، وهو من أعمال القلوب، لكن يظهر أثره على اللسان والجوارح، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:( من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)
ولكى نوضح عقيدة الولاء والبراء عند الإخوان المسلمين لا بد من تجلية مفهوم الولاء والبراء:
فالموالاة تعني المحبة والنصرة والاتباع بالقول أو الفعل، قال تعالى:(إنَّمّا وّلٌيٍكٍمٍ اللَّهٍ ورّسٍولٍهٍ والَّذٌينّ آمّنٍوا) (المائدة:55). والبراء يعني التبرؤ من الأعداء وعدم موالاتهم بالقول أو الفعل، كما قال الله تعالى:(لا يّتَّخٌذٌ الًمٍؤًمٌنٍونّ الًكّافٌرٌينّ أّوًلٌيّاءّ مٌن دٍونٌ الًمٍؤًمٌنٌينّ وّمّن يّفًعّلً ذّلٌكّ فّلّيًسّ مٌنّ اللَّهٌ فٌي شّيًءُ(آل عمران:28).
ولكن لا يعنى هذا، عدم التعامل مع الكفار أو اعتزالهم وإعلان الحرب عليهم، إنما يعني التبرؤ من عقائدهم التي تؤدي إلى الشرك بالله تعالى، والتبرؤ من تشريعاتهم التي تناهض شرع الله تعالى وحكمه، كما قال تعالى: أّفّحٍكًمّ الًجّاهٌلٌيَّةٌ يّبًغٍونّ ومّنً أّحًسّنٍ مٌنّ اللَّهٌ حٍكًمْا لٌقّوًمُ يٍوقٌنٍونّ (المائدة).
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: إن المحظور في باب الولاية أن يوالي نفراً من المسلمين، اليهود والنصارى ويتعاهدوا على التناصر معهم من دون المؤمنين، أو يوالونهم بالتحدث معهم ضد باقي المسلمين، أما ما يكون من التحالف مع غير المسلمين لأجل مصلحة للمؤمنين أو دفع ضرر عنهم فهو موضع اجتهاد، والجمهور والعلماء يجيزونه.
وقد أكد الإمام البنا في رسائله على هذه القضية الهامة:
ففي رسالة التعاليم في ركن “التجرُّد” يقول: أريد بالتجرَّد: أن تتخلّص لفكرتِك مِمّا سِواها من المبادِئ والأشخاص؛ لأنّها أسمى الفِكَر وأجمعُها وأعلاها: (صِبْغَةَ اللهِ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغةً) (البقرة:138). (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ والذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومِمّا تَعْبُدونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيَنْكُمُ العَداوةُ والبَغْضاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).
والناس عند الأخ الصّادق واحدٌ من ستة أصناف: مسلم مجاهِد، أو مسلِم قاعد، أو مسلم آثِم، أو ذِمِّي مُعاهِد، أو مُحايِد، أو مُحارِب، ولِكُلٍّ حكمه في ميزان الإسلام.
وفي حدود هذه الأقسام تُوزَن الأشخاص والهيئات، ويكون الوَلاء والعداء”. (رسالة التعليم، مجموع الرسائل ص 363.)
وقد عمل الإخوان منذ نشأتهم علي تعميق الانتماء للإسلام، وإذكاء عقيدة الولاء والبراء في نفوس المسلمين، من خلال رسالة العقائد للإمام البنا، وعقيدة المسلم للشيخ الغزالي والعقائد الإسلامية للشيخ سيد سابق وغيرها، هذا من الناحية النظرية.
أما من الناحية التطبيقية، فإن الإخوان كانوا أشدَّ الناس على المستعمِرين والصَّهايِنة، الذين احتلُّوا ديار الإسلام لمقاوِمة هؤلاء، فلا يُتصوَّر أن يُتَّهموا بدعوَى الولاء لهم، فقد قال الإمام البنا رحمه الله: إن الدماء التي خضبت أرض فلسطين، وإن آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى، وإن المسجد الأقصى الذي انتهكت حرمته.
كل أولئك يهيبك أيها الأخ المسلم أن تبذل في سبيل الله ما وهبك من روح ومال لتكون جديرًا بالاسم الذي تحمل، وباللواء الذي ترفع، وبالزعيم الذي أنت به مؤمن.
ما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمة الإخوان لم تنته.
كما أن تاريخ الإخوان المسلمين حافل بالتطبيق العملي لمفهوم الولاء والبراء، ومن ذلك اهتمامهم بأحوال المسلمين في العالم، وخاصة في فلسطين حيث جعل الإخوان منها قضية المسلمين الأولي وقدموا الشهداء وسطروا البطولات علي أرضها وقدم مؤسس الإخوان روحه شهيداً جزاء وقفته مع إخوانه في فلسطين ضد عصابات اليهود.
وقد قال موشي ديان في حرب فلسطين سنة 1948: “إننى لا أخشى جيوش العرب مجتمعة، لكننى أخشى هذه الكتائب القليلة من الاخوان المسلمين”، وقال سنة 1971: “ان عدونا الأول هو الاخوان المسلمون، ولن أطمئن على مستقبل اسرائيل الا إذا تم القضاء عليهم”.
وأما عن تعامل الإخوان مع غير المسلمين، فالإخوان يتعاملون مع غير المسلمين الذين يَعيشون في دار الإسلام، وهم من أهل البلاد الأصليّين، وقد دخل الإسلام عليهم وهم فيها، وأعطاهُم الذِّمّة والأمان أن يعيشوا مع المسلمين وفي ظِلِّ حكمهم، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، إلا ما اقتضاه التميِيز الديني.
فهؤلاء لم يَنْهَ الله تعالَى عن بِرِّهم والإقساط إليهم، كما في قوله تعالى: (لاَ يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقاتِلوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ) (الممتحنة: 8).
فهل بعد كل ذلك يأتى متطاول، ليقدح فى عقيدة الإخوان، وهتافهم الدائم هو: الله غايتنا، والرسول قدتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا؟!
أضف تعليقك