منذ ثانية واحدة
احتفلت جماعة الإخوان المسلمين بمرور (90) عاما على تأسيس جماعتهم، ومنذ إعلان الجماعة عن احتفاليتها والأصوات حاضرة بين مؤيد ومعارض، ومشجع وناقد، ومتحمس وساخر، وناصح وشاتم.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث شدا وجذبا، وأجلب كل فريق بخيله ورجله ليؤكد وجهة نظره، ولي على هذا الخلاف الدائر حول هذه الاحتفالية عدة نقاط:
- هذه الاحتفالية وما شابهها لا توصف بالحرمة ولا الإباحة، إلا بحسب ما تقتضيه السياسة الشرعية والمصلحة العامة، فمن اجتهد وكان من أهل الاجتهاد كان بين الأجر (إن أخطأ) أو الأجرين (إن أصاب).
- من حق الناس أن تبدي نظرها في مثل هذه الاحتفالية نقدا وتوجيها؛ ما كان النقد محفوفا بالحب، ويحوطه الحرص على المصلحة العامة، أما إذا كان النصح حاضرا فيه التخوين والتسفيه والتجريح، فهذا ليس من شيم الكبار، وقد قال الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإنّ النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي *** فلا تغضب إذا لم تعط طاعة
- ما يشرع فعله الآن ربما لا يشرع غدا أو بعد غد، وهذا مرتبط بالمصلحة القائمة على فقه الموازنات والأولويات والمآلات، وفقهاؤنا من القديم يؤكدون أن الفتوى تتغير بتغير الظروف والأحوال والعادات....
- ما قامت به جماعة الإخوان المسلمون أمر يتعلق بها وبمؤسستها هي لا بغيرها من المؤسسات، وهذا أمر يخص القائمين عليها، فإن أخذت الجماعة قرارها من خلال مؤسساتها الحقيقية بالآليات المشروعة فلها المضي قدما في ذلك ما رأت في ذلك مصلحة.
- أكبر أخطائنا في أمور السياسة الشرعية أننا نتبنى موقفا نعطيه صك الفرض والإلزام، أو الحرمة والحظر، ولا نعطي غيرنا مساحة في الاجتهاد، والاختلاف على الرغم من أنه ليس معنا دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة على الحرمة أو الإباحة.
- من السهل أن يميل المؤيد والمعارض إلى أحداث السيرة أو وقائع التاريخ ليستشهد على موقفه، وهنا تكمن خطورة الاستشهاد، لأننا أحيانا نطوع الدليل لما نريد فعله، ونستنكره على غيرنا إن أتى به أو بدليل مقارب.
- ليس هذا أول مهرجان يستخدم فيه الإخوان الآلات الموسيقية، حتى يتهم البعض بالميوعة، بل جل احتفالاتهم وجل أناشيدهم بهذا الأسلوب، ولهم في هذا وجهة نظر ودليل، وقد كان هذا حاضرا بقوة على منصة رابعة.
- البعض لو دعي لحضور هذه الاحتفالية ما كنت لتسمع لهم صوتا أو تحس لهم ركزا، فهم إن حضروا شكروا، وإن غابوا عابوا، ورجل المواقف لا يكون كذلك، وقد رأينا بعد أحداث رابعة قام الرافضون للانقلاب بعمل (أوبريت رابعة الصمود) وكان بعد المجزرة بقليل، ولم يكن هناك كثير اعتراض أو تجريح كما نرى الآن.
- ليس كل ناقد للإخوان كارها لهم، ولا عدوا لدودا، وبعض هؤلاء الناقدين دافعوا عن الإخوان من قبل فليقبل نقدهم، وليسمع لنصائحهم، وقد جاء عن الفاروق: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي.
- على الجماعة في مثل هذه المواقف أن تراعي فقه الواقع، وأن تقوم بدراسة الموقف، وعند كثرة الكلام وحدوث بعض النقد أو اللغط على المؤسسات الكبرى أن تصدر بيانا توضح فيه أسباب اتخاذها مثل هذه المواقف، بل هذه ديدن الأفراد وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم لمن رآه مع صفية: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ».
- الأحبة الناقمون على الإخوان طريقهم، جلهم إن لم يكن كلهم لديهم في داخل مؤسساتهم وجماعاتهم (قلّ العدد أو كثر) نفس أخطاء الإخوان، وبعضهم يزيد تهميشا وإقصاء، فعليهم أيضا أن يصلحوا مؤسساتهم حتى لا يكون نقدا للآخر ونحن أولى بالنصح منه، وقد قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].
- واجب الوقت يحتم على الجماعة أن توحد صفها، وأن تجمع كلمتها، وأن تجعل من أولوياتها جمع طاقات أبنائها (وهم كثر)، فقوتها بكل أبنائها وليس ببعضهم، وباستخدام المبدعين وليس بإقصائهم، والله تعالى يقول: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: 46].
- مضي خمسة أعوام كفيل بأن يدفع شركاء الوطن للجلوس وفي مقدمتهم الإخوان جلسة مصالحة ومصارحة لإيجاد رؤية عمل حقيقية، للخروج من هذا النفق المظلم، خصوصا وأن أوضاع الانقلاب تغيرت، والظروف العالمية اتجهت ضد العرب والمسلمين وخصوصا الشعوب التي أرادات الإصلاح، فلنتق الله في أنفسنا ولنكن جميعا على قدر المسؤولية، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2].
وأخيرا: فهذه وجهة نظر، ومن حق أي أحد أن يبدي اعتراضه على ما ذكرت، ولكن ليضع نصب عينيه أدب الاختلاف وخلق النصح، والله سبحانه أسأل أن يجمع قلوبنا على الخير، وأن يجمع كلمتنا على التقى، وأن يعيد للأمة نصرها ومجدها...
أضف تعليقك