• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

أرادوها «زفة»، فكانت فضيحة مكتملة الأركان، كما كانت المعنى لشرح مفهوم الفضيحة التي يتغني بها الركبان، إذ تم خلالها تدشين بداية للاستخدام السياسي الرقص في الفضاء السياسي كأداة من أدوات التأييد، عندما يصبح «هز الكروش»، من أدوات التعبير، وهي مرحلة جديدة في حكم العسكر، وتمثل فتحاً في علم «النظرية السياسية»، فالانقلاب العسكري سابق في هذا المجال، بما دفع بأستاذ العلوم السياسية الدكتور سيف الدين عبد الفتاح لأن يطلق على ما نشاهده بـ «العلوم السيسية»، تمييزاً لها عن «العلوم السياسية». وأرى أنه آن الآوان لأن يدمج هذا بذاك، خدمة للبشرية المعذبة!

في الأيام الأولى للانقلاب العسكري، كنت ضيفاً على قناة «الحرة» مع آخرين، وقد حرص أحدهم قبل بدء الحلقة على أن يكون تعريفه بـ «الفقيه الدستوري»، وبهذه الصفة أعلن بشموخ العالم الفقيه، أن الفقه الدستوري يعرف «شرعية الحشود»، وكان هذا رداً على ما قلته من أن الشرعية للصندوق، وأن من جاء به لا يغادر إلا من خلاله. وكانت «شرعية الحشود» هذه نظرية جديدة وفتحاً في تاريخ الأمم!

«الفقيه الدستوري» شاهدته يوم الأحد الماضي ضيفاً على برنامج «المسافة صفر» على قناة «الجزيرة»، وتم تقديمه بأنه أستاذ القانون الدولي، وكان الموضوع هو سد النهضة، وقد انسحب احتجاجاً على وصف «سلام هنداوي» مذيعة البرنامج ما جرى في مصر بـ «الانقلاب العسكري»، والذي بدا لي أنه وصف مقحم بدون ضرورة، والهدف منه هو استفزاز الضيف، الذي وقف مع الانقلاب بالباع والذراع ثم خرج من «المولد بلا حمص»، وربما رأى أنه بانسحابه قد يلفت أنظار القوم إليه. وكان عليه أن يصف ما جرى بأنه ليس انقلاباً ثم يدلف إلى القضية موضوع الحلقة، لكنه رأى أن الانسحاب هو الأكثر اثارة، وقد فاته أنه جاء ليبيع الماء في «حارة السقايين»، فهناك من أرادوا أن يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد، فيظهروا على قناة «الجزيرة» ثم يكسبوا في الوقت ذاته ود النظام، الذي لم يكترث بهم، فلم يكن موقفهم المدافع عن الانقلاب مبرراً لأن يكون لهم موقع في الخريطة الجديدة، فهم لا يدعون ضيوفا في القنوات التلفزيونية المصرية إلا من كانوا ضيوفاً عليها قبل ظهورهم على «الجزيرة»، فالانقلاب هو ضد الظهور على «الجزيرة» بغض النظر عما تقول!

شرعية الزفة

ما علينا، فقد انتقلنا من «شرعية الحشود» إلى «شرعية الزفة»، فكان الرقص هو أداة التأييد السياسي، وهو أمر كان مطلوباً ويمثل لغة المرحلة، ففي حواره المتلفز مع «ساندرا نشأت»، والذي أذاعته القنوات التلفزيونية في عموم القطر المصري، قال عبد الفتاح السيسي إن على الجميع أن ينزلوا للانتخابات حتى الذين ليس لهم حق التصويت، وقد يندهش المرء لهذا المطلب الغريب، فما هى قيمة من ينزلون في الانتخابات، دون أن يذهبوا للجان للإدلاء بأصواتهم؟ ولم يكن الناس يدركون أننا دخلنا في مرحلة الشرعية بـ «الزفة»، وأنه مولد «سيدي عبد الفتاح السيسي»، الذي قال أكثر من مرة أنزل لتصوت بـ «نعم» أو «لا»، فالمهم أن تنزل، وهو الأمر الذي كرره أكثر من مرة، ولم ينتبه إلى أنه يقول كلاما غريباً، فالانتخابات ليس فيها «نعم» و»لا» فهذا خاص بالاستفتاء، فهل خشي أن يقول انتخبوني أنا أو غيري فيمثل قوله دعاية لمنافسه القوي «موسى الخ الخ»؟!

التوجيه الإعلامي الذي نفذته الألة الإعلامية الضخمة، كان يدور حول «انزل»، ولو أبطلت صوتك. وعلى أساس أن المطلوب هو «الزفة»، وهم سيتولون الباقي، فالزفة ستمكنهم من تزويرهم لنسب الحضور ونسب من انتخبوا السيسي، فالزفة هي رأس الأمر وعموده، فكانت الفضيحة التي سيتغنى بها الركبان إلى أن يُنفخ في الصور النفخة الأولى!

وقد كنا أمام أداء جماعة من الهواة، كانوا سبباً في نقل الفضيحة بهذه الارتجالية وهذا الأداء البائس إلى العالم أجمع ليشهد عليها الشجر والحجر، ولأنهم هواة وقدموا من الأزمان السحيقة، فلم ينتبهوا إلى أننا نعيش زمن السوشيال ميديا، حيث انتقل ما يمكن تصنيفه بالجرائم الانتخابية إلى الكون كله، يبدو أن الأمر لا علاقة له بافتقادهم الاحتراف في التمثيل ولكن لأن قليل الحظ كما يقول المثل الدارج يجد العظم في «الكرشة»!

يقف مسؤول في وزارة التربية والتعليم مهدداً ومتوعداً الذين لا يدلون بأصواتهم، ويقدم الدليل على ذلك بأصبعه الملون بالحبر الانتخابي، فإذا به على الهواء مباشرة!

وتخرج مسؤولة في إحدى الادارات التعليمية، وهي تهتف في الشوارع وقد أخرجت جسدها من السيارة، كما صغار السن، بعد أن ظفرت بالامساك بيد السيسي في اللجنة، فإذا بنا نعلم منذ قليل أنها تخضع للتحقيق في مخالفات وظيفية وقد أوصت النيابة الادارية باحالتها للنيابة العامة، لأن من بين أفعالها ما يتجاوز المخالفات الادارية، وترك السيسي لها يده، دون أن يوجد من حوله من ينبهه، وبعد دقائق من هذه الواقعة يكون التعريف بها وبوضعها القانوني على الشيوع!

وفد الكونغرس

ويستقبلون في محافظة المنوفية من قالوا إنه وفد الكونغرس الأمريكي القادم للاشراف على الانتخابات، وتسهر القنوات التلفزيونية حتى الصباح وهي تنقل كيف أن أبناء المحافظة نجحوا في تضليل أعضاء الوفد، الذين انشغلوا عن مراقبة الانتخابات، وجلسوا يأكلون «الفطير المشلتت» ويحبسون بالشيشة، وفي اليوم التالي يتحول الأمر إلى فضيحة، فالوفد لا يضم أعضاء بالكونغرس، فهما اثنان مغامران، أحدهما موسيقي والثاني سمسار!

ولا بد من وقفة هنا، فالوفد الأمريكي ليس اثنين فقط، لكنه مجموعة كبيرة، واثنان منه هما من ذهبا إلى المنوفية وقيل إن رئيس برلمان السيسي «عبد العال علي» أو «علي عبد العال» هو من وزع الوفد على نوابه، فهل كان أهل الحكم يعلمون أنه وفد من المحتالين وقام بالنصب عليهم، أم أن استدعاءهم كان لتمثيل دور على المسرح الهابط المنصوب في مصر، وللتأكيد على أنهم نجحوا في السيطرة على الكونغرس، وها هم نجحوا في نقل ثقافتهم للعالم الغربي، فإذا باعضاء الوفد يشاركون في «الزفة المنصوبة»، ويرقصون على أنغام «الطبل البلدي»، وربما يطالبوا بنقل الرقص إلى الإنتخابات الأمريكية.

المشاهد الجريمة التي نجح الإعلام الحديث في نقلها للعالم لا تعد ولا تحصى، فحتى الرشاوى الانتخابية نقلت بالصوت والصورة، فلم تكن «الزفة» هي رغبة مصرية، ولكنه كان على قواعد التأجير، التي يقوم بها نواب برلمان السيسي لأثبات وجودهم ولاستمرارهم في مقاعدهم، فعدنا بهم إلى زمن العوالم والابتذال، غاية ما في الأمر أن «العوالم» كن في القيام بدورهن الوظيفي «ممارسة ومناسبة» يتعاملن وفق تقاليد معروفة، لكن «زفة السيسي» لم تخرج فقط على القانون، ولكنها انتهكت التقاليد والأعراف، فلا رقص في السياسة ولا سياسة في الرقص، كما أن الرقص كان في الشوارع، مما يمثل فعلاً فاضحاً في الطريق العام!

اللافت هو الإسراف في التمثيل بالجثث، ومن خلال استدعاء كبار السن للتصويت، وتحول الأمر إلى مباراة حتى وصل الحال باستدعاء معمرة تبلغ من العمر (120) عاماً ويجري تلقينها أمام الكاميرات بأنها جاءت لانتخاب السيسي!

الأكثر غرابة هو ابتذال فكرة انتخاب المعاقين والمرضي، ففي كل انتخابات يتم الاكتفاء بصورة واحدة، لتأكيد جديتها بحرص هذا المعاق على المشاركة فيها، لكنهم في هذه المرة تم الإسراف فيها، وتم تكرارها بشكل مبالغ فيه، ولأن الزمن لم يعد هو الزمن، فقد كان من الطبيعي أن تكشف الكاميرات أن هذا لم يكن أكثر من عرض تمثيلي، وشاهدنا صوراً لمن يمشون على أقدامهم وفي اللقطات الأخرى وهم يأتون لهم بالكراسي المتحركة ويجلسونهم عليها، ثم يعودون إلى سيرتهم الأولى بعد القيام بالدور!

يا سبحان الله

وحتى لا نظلم الإعلام التقليدي فقد كان له دوره غير المقصود في فضح ذلك، فيثاب المرء رغم أنفه، فاحدى القنوات نقلت على الهواء مباشرة مراسلها وهو يدير حواراً مع قعيدة تجلس على كرسي متحرك، والتي قالت إنها جاءت لتحمي مصر وتنتخب السيسي، رغم حالتها وظروفها، وقد انتهى المراسل من المهمة وعاد مرة أخرى إلى الاستوديو، فبعد قليل عادوا إليه ليكون ما تنقله الكاميرا يكشف عن المأساة، فالسيدة (يا سبحان الله) وقفت على قدميها والكرسي يتم دفعه إلى داخل اللجنة (مدد يا سيدي عبد الفتاح)!

حالة الهستيريا لا بد وأن تكشف المأساة، وتسأل عن السبب وراء هذه الحرص على الحشد بقوة السلاح، وهذا الصخب؟ فيقال حتى يعلم الغرب أن السيسي له شعبية، فهل الغرب لا يعرف الحقيقة، وهل يعنيه أن تكون للسيسي شعبية؟! وهل الحاكم المنتخب انتخاباً حقيقياً يؤدي للغرب ما يريد كما يفعل السيسي؟!

لقد تم اختطاف رئيس الحكومة السابق (الفريق) أحمد شفيق، ووضعه تحت الاقامة الجبرية، وأخذت بناته رهائن في الإمارات، لأنه أعلن الترشح، كما تم سجن رئيس أركان الجيش المصري (الفريق) سامي عنان ووضعه في السجن الحربي، لذات السبب، ولم يصدر من أي مؤسسة غربية، أو من البيت الأبيض، أو من الكونغرس بيان يندد بهذه الجريمة، لأن السيسي يقوم بدور وكيل الاستعمار في المنطقة، فلا تثريب عليه إن سجن منافسيه، او اعتقل عموم الشعب المصري!

فما هو الغرض من «الزفة» إذن، التي تحولت إلى فضيحة نقلها الإعلام للخارج، بل إن الاعلام الغربي كان يدرك حقيقة ما يجري ونقله للدنيا كلها؟!

فهل «الزفة» لم تكن تستهدف اللحظة وإنما كانت معنية لما بعدها، وقد جاء ما بعدها سريعاً وقبل أن يجف حبر الانتخابات المهزلة، خرج «مصطفى الفقي» عبر قناة «أم بي سي مصر» لينشن على الهدف: إن 8 سنوات رئاسة لا تكفي، وأنها فترة قصيرة جدا. وفي ذات اللحظة أعلن «عماد أديب» على شاشة أخرى هي «تن»: «الدستور ليس مقدساً»!

الموضوع إذن هو تعديل الدستور، بما يسمح بإلغاء الحصانة الخاصة لمنصب وزير الدفاع ثم إن المطلوب تمديد الدورة الرئاسية لست سنوات وأن تفتح لتكون مدداً لا مدتين، وتم الحشد لهذا من قبل لكن التحرك أحبط بأمر أمريكي، وستبدأ النغمة الآن بحتمية التعديل، فليس أمام السيسي وقت وهو في الدورة الجديدة، وقد كانت «الزفة» هي لتقديم السيسي على أنه مطلوب من شعبه إذن فليستمر، والهدف ليس تضليل ترامب فهو يعرف الحقيقة ولكن لتبرير موافقته أمام المواطن الأمريكي!

ومهما يكن، فالفضيحة شاهدها العالم أجمع، صوتا وصورة، وقد كانت أياماً للتسلية مفيدة فالقلوب تمل!

أضف تعليقك