• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

تمثل قضية الفتاة المصرية زبيدة إبراهيم، التي كانت مختفية قسريا ثم ظهرت في برنامج تلفزيوني مصري، واحدة من الجولات الكثيرة للمواجهات بين إعلام الانقلاب وإعلام المقاومة في مصر. فهذه الفتاة التي اعتقلت عدة مرات بسبب مشاركتها في مظاهرة مناهضة للانقلاب، بدءا من كانون الثاني/ يناير 2014 ظلت حاضرة في إعلام المقاومة من خلال تقارير منظمات حقوقية، ومن خلال حوارات تلفزيونية لوالدتها وشقيقها.

وكان تقرير قناة "بي بي سي" هو القشة التي قصمت ظهر السلطة؛ التي اضطرت لإظهار الفتاة عبر إحدى القنوات التابعة للمخابرات الحربية، وهي قناة "أون تي في"، ومع أبرز إعلاميي السلطة وهو عمرو أديب، في محاولة لضرب تقرير المحطة البريطانية الشهيرة، وأيضا ضرب مصداقية الحديث عن الاختفاء القسري ومصداقية إعلام المقاومة؛ الذي أصبح يستقطب المزيد من المشاهدين في الداخل المصري، مع تصاعد القيود على الإعلام المحلي.

نجح الإعلام المقاوم (المتنوع في توجهاته) خلال الفترة الماضية في إبراز ظاهرة الإخفاء القسري للمعتقلين السياسيين، وتعرضهم للتعذيب الوحشي وحتى للتصفية الجسدية. وجزء من هذا النجاح هو لفت نظر المنظمات الحقوقية العالمية ووسائل الإعلام العالمية الكبرى (مثل "بي بي سي") لهذه الظاهرة، واعتبارها واحدة من الموضوعات الأولى بالتغطية. وزادت أهمية هذا الملف بالنسبة للإعلام الغربي بشكل خاص، عقب مقتل الباحث والصحفي الإيطالي جوليو ريجينيي الذي تم اعتقاله وإخفاؤه قسريا ثم قتله وإلقاؤه في الصحراء. وحين بدأت بلاده في تعقب قضيته، قامت الشرطة المصرية بالقبض على خمسة مواطنين مصريين أبرياء وقتلتهم؛ بزعم أنهم قتلة ريجيينيي، في محاولة لإغلاق الملف الذي لم يغلق حتى الآن.

اعتبرت السلطة أنها سجلت هدفا بحديث عمرو أديب مع الفتاة زبيدة، والذي نفى شبهة إخفائها قسريا، لكن الإعلام المقاوم رد بحوار سريع لإحدى قنواته ( مكملين) مع والدة زبيدة؛ التي أكدت تمسكها بكل ما قالته عن اختفاء بنتها في قناة "بي بي سي"، بل كشفت المزيد من المعلومات الجديدة التي فندت بها ما ورد من معلومات في حوار عمرو اديب، وأوضحت أنها هي شخصيا أصبحت مطاردة من قبل الشرطة (تم القبض عليها فعلا وصدر أمر بحبسها احتياطيا). بل تبارى الإعلام المقاوم بشقيه التقليدي والجديد في كشف تناقضات حوار زبيدة مع أديب، من حيث الشكل والمضمون، وتأكيد أنه تم داخل سكنة أمنية (قسم شرطة إمبابة)، وكان الأجدر بأديب استضافتها في أستوديو قناته وفي بث مباشر؛ لو كان الأمر طبيعيا.

وجدت السلطة وإعلامها فرصتها قبل أسابيع، مع ظهور الشاب عمر الديب في فيديو مع تنظيم داعش، لتعتبره دليلا على كذب روايات الأهالي عن اختفاء أبنائهم الذين يهربون إلى داعش، ومنهم عمر. لكن إعلام المقاومة تحدى السلطة وأذرعها الإعلامية أن تأتي بأي دليل مكتوب أو مرئي لبيانات حقوقية أو سياسية أو عائلية عن اختفائه، وهو ما عجزت عنه. وحتى في التحقيق التلفزيوني الذي بثته قناة "بي بي سي"، كانت هناك ثلاث حالات أخرى صارخة (بخلاف زبيدة) للناشط علاء عبد الفتاح، والطفل محمود حسين الذي سبق اعتقاله وتعذيبه لارتدائه قميصا مكتوبا عليه "وطن بلا تعذيب"، والطالب عمرو إبراهيم متولي؛ المختفي منذ فض رابعة، والذي اعتقلت الشرطة والده المحامي إبراهيم متولي من مطار القاهرة بسبب تحركه للبحث عن نجله والدفاع عن المختفين قسريا. ولكن السلطة لم تهتم سوى بحالة زبيدة، ما يعني إقرارها على الأقل بباقي الحالات، وهي ليست بطبيعة الحال العدد الإجمالي للمختفين قسريا والذين تجاوز عددهم 760 شخصا خلال العام 2017 (ظهرت غالبية الحالات لاحقا بعد اختفاء دام أياما أو حتى شهور).

المعركة الإعلامية حول الاختفاء القسري لا تزال محتدمة، لكنها ليست الوحيدة على الساحة، فقد نجح الإعلام المقاوم في نشر العديد من التسجيلات الصوتية والمرئية للمشير السيسي ومدير مكتبه عباس كامل، وبعض رموز حكمه، وهي تسجيلات تضمنت الكثير من الأسرار الخطيرة على مستوى السياسات الداخلية والخارجية. وقد حاول النظام المصري كثيرا التشكيك في تلك التسريبات والإدعاء بفبركتها، لكن تقريرا فنيا لأحد أكبر المعامل الغربية المتخصصة أثبت صحتها، وقد تسبب بث الإعلام المقاوم لتلك التسجيلات في اجتذابه لجمهور واسع داخل مصر؛ أصبح يتحلق حول هذه القنوات حين تعلن عن أي تسريب جديد.

نجح الإعلام المقاوم، وخاصة صفحات "السوشيال ميديا"، مبكرا في إسقاط هيبة المشير السيسي الذي حاول الاحتفاظ لنفسه بصورة مقدسة وصلت إلى حد وصفه من قبل البعض بأنه نبي، أو حتى إله بحسب وصف أحد الكتاب. وكان إطلاق وسم بعنوان "انتخبوا الـ..." في انتخابات 2014 كفيلا بتدمير تلك القداسة (وتلك الصفة كانت تطلق على رجال الشرطة  الذين يحرسون بيوت الدعارة في مصر قبل إلغائها ويحصلون حصة الحكومة من العائدات). وقد حاول أحد منظري النظام (وهو الكاتب يوسف زيدان) التخفيف من وطأة هذا الوصف، مدعيا أنه يعني الشخص الاجتماعي. وقد أضيف لهذا اللقب وصف آخر هو "بلحة" الذي انتشر بسرعة أيضا بين المصريين وصفا للسيسي، ولتضرب به الأمثلة، وتنتج له الأغاني الساخرة، وآخرها أغنية الفنان "رامي عصام".

كما نجح الإعلام المقاوم في فضح أوهام "فناكيش" السيسي التي قدمها إلى المصريين باعتبارها إنجازات قومية غير مسبوقة من حيث الكم أو الكيف أو مدة التنفيذ، مثل تفريعة قناة السويس، ومشروع المليون وحدة، ومشروع استصلاح أربعة ملايين فدان، كما نجح الإعلام المقاوم في فضح فشل النظام في مقاومة الإرهاب خلال المدد التي حددها لنفسه، وفشله الاقتصادي وتسببه في انهيار الجنيه وأسعار، وفشله في حماية حصة مصر من مياه النيل وفي غاز المتوسط، وتفريطه في تيران وصنافير، واستعداده للتفريط في أجزاء من سيناء تنفيذا لصفقة القرن، وتهريب الآثار، وانهيار خدمات الصحة والتعليم، وزيادة الديون الداخلية والخارجية إلى مستويات غير مسبوقة تمثل أغلالا في أعناق الأجيال المقبلة، والتسبب في تقزيم مصر في التصنيفات العالمية.. الخ، ناهيك طبعا عن فضح كل الانتهاكات لحقوق المصريين سواء المعارضين أو المؤيدين.

هي حرب سجال تدور على الجبهة الإعلامية، ورغم ضعف الإمكانيات المادية والتقنية والبشرية لإعلام المقاومة، فإنه سجل العديد من النجاحات المهمة التي أربكت سلطات السيسي ودفعتها لمحاربة هذا الإعلام بكل ما تستطيع، حتى إنها وضعته كهدف رئيسي في صفقاتها وجولاتها الخارجية، وسعت كثيرا لإغلاق القنوات التي تبث من خارج مصر بعد أن أغلقت أو حجبت كل القنوات والصحف والمواقع المقاومة التي تبث من داخل مصر، لكنها لم تنجح حتى الآن، وبالتالي سيظل هذا الإعلام المقاوم مؤرقا لها، فاضحا لخيانتها وفشلها، قادرا على كسب معركة الوعي، وهي الطريق الطبيعي لكسب معركة الحرية والديمقراطية والتنمية الحقيقية وإنهاء الحكم العسكري.

أضف تعليقك