بقلم: عبدالحافظ الصاوي
غياب الشفافية هو السمة العامة للحياة الاقتصادية والسياسية في مصر، وأصبح الحصول على المعلومات المتعلقة بالعديد من الأمور المهمة التي تخص مستقبل البلاد، هو وسائل الإعلام الأجنبية، فلا الحكومة تحيط الشعب عبر وسائل الإعلام عن تعاملاتها الاقتصادية أو السياسية، ولا الأجهزة الرقابية تنشر تقاريرها، فيكون المواطن على دراية بشأن وطنه.
ولذلك لازال المجتمع المدني في مصر يطالب الحكومة بإصدار قانون الحق في الحصول على المعلومات، وهو قانون بذلت فيه جهودا كبيرة منذ قبل ثورة 25 يناير 2011، ولكن في ظل الانقلاب العسكري يستبعد تمامًا أن يصدر مثل هذا القانون.
ومؤخرًا نشرت وكالة "رويترز" تقريرها عن اتمام صفقة استيراد مصر للغاز الطبيعي من دولة الكيان الصهيوني، لمدة 10 سنوات، بقيمة 15 مليار دولار، وأن المفاوضات الآن تركز على كيفية نقل الغاز لمصر، هل يتم عبر خط الغاز القديم المملوك لشركة غاز شرق المتوسط، أم عبر خط جديد يمر بالأردن، لتكون الأردن طرفًا ثالثًا بالصفقة، وحصولها على حصة من الغاز من الكيان الصهيوني.
الجدير بالذكر أن مصر تعاني الآن من عجز في احتياجتها من الوقود يقدر بنحو 12 مليون طن في المتوسط سنويًا، وحسب تقديرات ميزان المدفوعات للعام المالي 2016/2017 بلغ العجز في الميزان البترولي نحو 4.6 مليار دولار.
حقل ظهر
إلا أن الملفت للنظر أن الإعلان عن صفقة الغاز بين مصر والكيان الصهيوني يكشف عن مجموعة من الاكاذيب التي روجت لها مصر خلال الشهور الماضية وبخاصة فيما يتعلق بحقل ظهر، وإمكانية تحقيق مصر اكتفاءً ذاتيًا من الغاز، وفيما يلي نشير إلى أبرز هذه الأكاذيب.
أن مصر بدأت الإنتاج الأولي من حق ظهر، وأنه سيوفر 350 مليون قدم مكعب يوميًا في المرحلة الأولى، وأنه في عام 2016 سيصل الإنتاج إلى نحو 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا، وأن هذا الإنتاج في مراحله النهائية سوف يوفر لمصر نحو 3 مليارات دولار.
وإذا كان حقل ظهر سوف يوفر الاكتفاء الذاتي لمصر، بل سيساهم في التصدير كما ادعت بعض وسائل الإعلام، فلما تلجأ مصر إلى استيراد الغاز من دولة الكيان الصهيوني، وبما يثقل كاهلها بنحو 1.5 مليار دولار سنويًا؟ في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة تمويلية، جعلتها لا تكف عن الاقتراض المحلي والخارجي، حتى وصل الدين العام لأوضاع حرجة.
تدعى الحكومة المصرية، أن صفقة الغاز الطبيعي مع الكيان الصهيوني، هي بين أطراف من القطاع الخاص من الجهتين، وهي ستارة رفعتها مصر من قبل ثورة 25 يناير إبان تصدير الغاز المصري بلا ثمن للكيان الصهيوني، عبر رجل المخابرات المصري حسين سالم، صاحب شركة غاز شرق المتوسط. والذي مرر به تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني من خلف ظهر البرلمان إبان عهد مبارك.
والأمر الثاني الذي تستخدم فيه شماعة القطاع الخاص، هو أن شركات من القطاع الخاص سوف تقوم باستيراد الغاز من الكيان الصهيوني لتدبير احتياجاتها الذاتية، ومتى كان القطاع الخاص المصري يمتلك بنية أساسية تسمح له باستيراد الغاز الطبيعي من الخارج في شكله المسال، عبر أنابيب؟ فهذا النشاط عجزت عنه الحكومة فيما بعد الانقلاب العسكري ولجأت إلى تأجير مراكب في مارس 2015 لتسييل الغاز وضخه في الشبكة القومية للغاز الطبيعي، وبالتالي فالحديث عن أن شركات القطاع الخاص هي صاحبة القرار، أكذوبة من قبل الحكومة، لم تراع فيها عقلية المواطن المصري.
أما الأمر الأكثر عجبًا فهو ما صرح به المصدر الحكومي الذي رفض ذكر اسمه، بأن الشركات الخاصة ستستورد الغاز من الكيان الصهيوني، لتوفير احتياجاتها من جهة، ومن جهة أخرى إجراء عملية إسالة لما يزيد عن احتياجاتها وإعادة تصديره للخارج. وكأن مصر تمتلك من الاستثمارات والبني الأساسية التي تسمح لها بإعادة تصدير الغاز، في حين أن مصر تصدر نفطها وغازها في شكل خام، دون عمليات تكرير للنفط أو إسالة للغاز. فما بالك بالقطاع الخاص، الذي تعد امكانياته في هذا المجال شبه معدومة، فضلًا عن أن إنتاج وتوزيع الوقود في مصر في حالة احتكار تام من قبل الدولة، فكيف يقوم القطاع الخاص بهذا الأمر؟
اتفاقية ترسيم الحدود
لم يكن للكيان الصهيوني أن يصل إلى مرتبة دولة مصدرة للغاز، إلا بفضل توقيع مصر على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود في مياه البحر المتوسط، والتي تنازلت فيه مصر عن مواردها الطبيعية الاستراتيجية، لصالح الكيان الصهيوني وقبرص.
وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمتها في الوقود حاليًا أو خلال المرحلة المقبلة، سمحت اتفاقية ترسيم الحدود، ودخول الكيان الصهيوني سوق تصدير الغاز الطبيعي، بل ووجود مشكلة فائض من العملات الصعبة من عوائد التصدير لدى الكيان الصهيوني، وهو ما يعرف بأعراض المرض الهولندي، أي أن صادرات الكيان الصهيوني من الغاز لمصدر ريعي ستفوق صادراته السلعية، وبالتالي سترتفع قيمة عملته المحلية، وبالتالي تراجع صادراته السلعية، لذلك ينصح الخبراء الاقتصاديين للكيان الصهيوني أن تستثمر عوائد تصدير الغاز الطبيعي في الخارج عبر صندوق سيادي يخدم مصالح الكيان الصهويني.
أضف تعليقك