مهيب ريشان
كاتب رأي و ناشط سياسي عراقي معارض
في السياسة، عدو الأمس اللدود صديق اليوم العزيز أو العكس، ومن يراقب تقلبات المشهد السياسي على الصعيد الدولي ومنطقة الشرق الأوسط يتيقَّن تماما من ذلك، وعليه يجب أن لا نستغرب شيئا أبدا. بالأمس دفعت السعودية مليارات الدولارات لاسترضاء العم سام مقابل تحييد الأخطبوط الإيراني ومنع مد أذرعه الميليشياوية أكثر في المنطقة والوصول إلى عقر دار محمد بن سلمان وأبيه، ولكن وكما ذكرنا في مقال سابق أن هناك خلافات دبَّت خلف الكواليس بين الإدارة الأمريكية والحكومة السعودية بسبب تعثر الأخيرة في إدارة ملف المنطقة واعتدائها السافر على جيرانها دون مسوغ قانوني أو أخلاقي، وشاهدنا كيف تم منع مستشاري محمد بن سلمان وعلى رأسهم ثامر السبهان من التصريح وحتى التغريد على مواقع التواصل الاجتماعي.
الخلاف وصل ذروته قبل أيام بسبب تغريدات بعض المحسوبين على الحكومة السعودية والتي تحدثت عن تهيئة الأجواء لعمل عسكري ضد قطر رغم التحذيرات والإعلان عن الاتفاقية التي أبرمت بين قطر والولايات المتحدة والتي تنص على الدفاع عن قطر في حال شن أي هجوم خارجي يستهدف سيادتها.
النقطة الأخرى والمهمة والتي أججت ذلك الخلاف هي محاولات السعودية بضغط إماراتي تمكين إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المزعوم وتبنيها لحيدر العبادي كرئيس لحكومة العراق في المرحلة المقبلة مع بقاء نفس الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة في العراق، وهذا مقابل ضمانات تجارية واقتصادية وكذلك سياسية تجعل حكومة العراق تلعب دور الوسيط في أزمة اليمن بين السعودية وإيران، وهذا ما يفسر الاستهداف المستمر للمملكة من قبل الحوثي بالصواريخ البالستية الإيرانية التي تعد بمثابة رسالة واضحة للاستعجال في هذا الأمر.
السعودية أخفقت في تحقيق بعض ما طُلب منها في صفقة القرن، فهي لم تستطع إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن القدس لتكون عاصمة لإسرائيل في الوقت الحالي، ولم تقنع العم سام بأن تكون الذراع الذي تعوِّل عليه واشنطن في الشرق الأوسط لضرب المشروع الإيراني في المنطقة، فقد كان هناك اتفاق تقوم السعودية بموجبه بتهيئة الظروف لانتشار التحالف العربي عسكريا في مناطق سورية وعراقية، وكان من المقرر أن يتم نزع صلاحيات حكومة العراق منذ أغسطس ٢٠١٧ وتشكيل حكومة طوارئ لمدة سنتين تهيئ لتعديلات دستورية وانتخابات بإشراف أممي، فقد أخلَّت السعودية بهذه الاتفاقات وفضلت السير خلف سياسة أبو ظبي التي تعاضدها ظاهرا وتنافسها باطنا لتحصل على ما تحصل عليه مستغلة وضع السعودية في الواجهة أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والرأي العام، لأن أبو ظبي تعلم جيدا أن نهوض دولة مثل العراق بموقعها الاستراتيجي وثرواتها النفطية لن يكون بصالح الاقتصاد الإماراتي، حيث تعمدت الإمارات شراء ثم تعطيل شركات ومصانع عراقية من أجل إنعاش اقتصادها وضمان بقاء العراق دولة مستوردة مستهلكة .
فضَّلت السعودية السير خلف سياسة محمد بن زايد فحاولت السطو على قطر وأجبرت الشيخ عبد الله آل ثاني أن يكون معارضا صوريا لحكومة الدوحة وتم افتعال أزمة الأجواء بين قطر والإمارات، وهناك تقارير أشارت إلى أن هناك نية مبيتة لافتعال أزمات تخص المياه الإقليمية والجزر المتنازع عليها ما بين قطر والبحرين، ولا ننسى اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، هذا بالإضافة إلى محاولات حثيثة تستهدف تقسيم اليمن لمآرب لا يعلمها إلا الله ثم محمد بن زايد، وآخر تلك المغامرات والتي لم يتطرق إليها الإعلام حتى الآن هي محاولة استمالة النشطاء العراقيين المعارضين لجذبهم إلى السعودية أو الإمارات لاحتجازهم وإخفائهم قسريا، وهذا ما حدث بالفعل مع بعض منهم من خلال إرسال دعوات وهمية لحضور مؤتمرات ومنتديات .
كل المؤشرات الآن تشير إلى أن اللعبة أصبحت أكبر من السعودية التي لم يسعفها الوقت لكي ترتب أوراقها تحضيرا لمرحلة إدارة شؤون المنطقة قبل مداهمتها من قبل محمد بن زايد والتأثير على قرارها السياسي بدعوى أنه الناصح الأمين، فالقوات الأمريكية في العراق بدأت فعليا بسحب بعض فرقها إلى الحدود الأردنية والسورية، وهذا ما سيجعل السعودية أمام تحد جديد؛ وهو ظهور مجاميع مسلحة متطرفة جديدة تهدد أمنها القومي، ومن يدري قد تستغل الميليشيات الإيرانية في العراق هذا الأمر لتكون على تماس مباشر مع مدن المملكة بدعوى محاربة تلك المجاميع، ما سيحفز الخلايا النائمة في المحافظات الشرقية على القيام بأعمال تخريبية.
فالأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، ومن يظن أنه يستطيع اللعب خارج المظلة الأمريكية فهو واهم، وما المجزرة التي حدثت قبل أيام في الميليشيات الموالية لنظام الأسد في سوريا عنا ببعيد، فالسياسة الأمريكية تذكرنا بالمشهد الرائع للفنان الراحل خالد صالح في فيلم الريِّس عمر حرب وهو يحذر أحد العاملين عنده قائلا: "كبرت؟ عايز تلعب؟ العب بس تحت إيدي، حتخرج عن الحدود حسحقك".
- نقلا عن مدونات الجزيرة
أضف تعليقك