الديمقراطية أبدا" عنوان كتاب للكاتب الراحل "خالد محمد خالد"، لعله كان الكاتب الوحيد في زمانه الذي شغلته قضية "الديمقراطية"، في وقت كنا، ولا نزال، في تعاملنا معها كمن يؤمن بالله على حرف، فيتحدث عنها إن كان من ضحايا الاستبداد وكان الحديث يخدم أغراضه، ثم يتنكر لها إن كان الضحية خصما له!
وقد شاهدنا هذا واضحا في التعاطي مع قضية المظاهرات في إيران، التي اعتبرها البعض فرصة، لاقتلاع حكم الملالي، ومن منطلقات مذهبية بحتة، وباعتبار أن هذه المظاهرات هي ثورة، في طريقها لأن تسقط النظام، دون أن يقدم المتظاهرون أنفسهم أنه خرجوا من أجل الديمقراطية، أو دفاعا عنها، وإذا كان من الجائز أن تنحاز جماعات الثورة المضادة في مصر، والدول العربية، لما يجري، فإن المثير أن يؤوب معهم من كانوا منذ قليل، يعلنون أن انحيازهم للدكتور محمد مرسي، هو من منطلق احترام الشرعية، وعلى قاعدة من جاء بالصندوق، لا يسقط إلا بالصندوق، فهل كان انحيازهم حقا لقيم الديمقراطية ومبادئها؟!
في الحقيقة، ليس هؤلاء فقط من يتنكرون لقيم أعلنوا الإيمان بها، فدعاة الدولة المدنية في مصر، نفرا خفافا وثقالا، وغدوا خماصا وبطانا، ليشكلوا غطاء للانقلاب العسكري، ويمكنوا العسكر من إزاحة الحكم المنتخب، لأن نتيجة الصناديق جاءت بمن لا يريدون، وكانوا يقرون في أنفسهم بالعجز عن إزاحته بالطرق الديمقراطية، فتنكروا للمبادئ التي يعرفونها، فتساقطت أوراق التوت التي تستر العورات التي تبدت للناظرين!
هؤلاء يرون ما يجري في إيران، فرصة لتأكيد ما ذهبوا إليه، عندما يسقط النظام المنتخب في طهران بالمظاهرات وباعتبار أنها لغة العصر، والمبرر جاهز دائما، وهى أن الديمقراطية ليست صناديق انتخابية فقط، وهو مبرر لو أخذنا به، لجاز إسقاط كل النظم المنتخبة في أعتى الديمقراطيات، لأن الوعي هناك ليس على في أحسن حالاته، ولان الإعلام يستخدم للتضليل، وأن الإنفاق المالي يكون له دوره في التأثير.
شرط موافقة لجنة صيانة الدستور على المرشح الرئاسي تمثل قيداً، يتجاوز مبدأ القواعد التنظيمية، لكن هذا ينبغي أن يدفع المتظاهرين للضغط لإلغاء هذا الشرط، ليدفعوا بمرشح لهم لخوض الانتخابات القادمة، وبعد استكمال الرئيس الحالي دورته الانتخابية كاملة غير منقوصة، لكن هذا ليس مطلبهم، لأنهم لا يؤمنوا بأن الانتخابات قد تأتي بهم للسلطة، فقد تأتي مثلا بأحمدي نجاد، إذا ألغى هذا القيد الحديدي!
هذا فضلا عن أن الصناديق قد تخطئ وتأتي بمجنون رئيسا لأكبر بلد في العالم. لكنهم لا يتحدثون عن هذه الدول، ولكنهم يتحدثون عن عالمنا العربي، لأن الثابت لديهم أن الديمقراطية ستأتي بخصمهم السياسي وكل ما يطمحون إليه هو أن يحكم مستبد بقوة السلاح، فينظر إليهم بعين الرضا!
"القيود" على الترشح في إيران تستخدم الآن لإسقاط النظام الإيراني، والمقصود بها صلاحيات لجنة صيانة الدستور، في استبعاد أي مرشح، وهو حق يراد به باطل!
الحق في كون هذه الصلاحيات الممنوحة للجنة سالفة الذكر، تمثل قيدا على حق الترشح، والباطل أن المتظاهرين أنفسهم لم يطرحوا إلغاء هذا الشرط في مظاهراتهم، ثم أن أحدا منهم لم يتقدم للترشيح في أي انتخابات سابقة، بما فيها الانتخابات الأخيرة، والشاهد أن من تم استبعادهم لا ينتمون للتيار الذي خرج للشوارع الآن، فقد استبعدت اللجنة الرئيس السابق أحمدي نجاد، فهل كانوا مع حق أحمدي نجاد في الترشح؟!
البعض ينطلق في تأييده لما يجري، من خندق المذهبية، فهو يريد أن يقهر الدولة الشيعية غير معني بأي شيء آخر، بما في ذلك أن الانتصار لن يكن لأهل السنة والجماعة، فلن يكن ترمب ومعه حكام الرياض وأبو ظبي في صف أهل السنة.
كما أن القيود، وبعضها غريب، لم تكن أبدا مبررا لإلغاء الانتخابات، في أي بلد، ما دامت لم تكن قضية مثارة على أي مستوى، وفي الدول الديمقراطية ما يرفضه العقل، ويمثل قيودا غير منطقية على حق الترشح، وبعض هذه الدول لا تشترط فقط أن يكون المرشح من دين بعينه، بل ومن مذهب بعينه، كأن يكون المرشح مسيحيا كاثوليكيا!
لو تركنا الحبل على الجرار، فلماذا يكون شرط الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر هو وجوب أن يكون المرشح عمره أربعين سنة، أليس هذا قيدا على حق الناخبين في اختيار من يريدون مهما كان سنه ولو كان طفلا "في اللفة"!
وفي مصر، لم نعتبر شرطا على تعسفه يمثل قيدا ينال من قيمة شرعية الرئيس محمد مرسي، وهى شرعية لم ينكرها عليه خصومه، إلا بعد عبثهم يوم 30 يونيو؛ وهذا الشرط يتمثل في ألا يكن أحد أبوي المتقدم للترشح قد حمل جنسية بلد أجنبي، ولو لمدة دقيقة، بدلا من شرط كان معمولا به في الدساتير السابقة، وهو أن يكون من أب وأم مصريين وكفى.
قبلت إيران أن تنحاز للثورة المضادة، فإن خصومها الآن لا يبالون إن كانوا في تأييدهم خلع النظام بالمظاهرات، يصطفون بجانب قاتليهم، ومن تكتلوا ضد ثورتهم، فذاتها الدوائر الإقليمية والدولية التي وقفت مع العسكر ضد إرادة الشعب المصري، هي من تنحاز لهذه المظاهرات
ونحن نعلم، والجنين في بطن أمه يعلم، أن هذا الشرط منع حازم أبو إسماعيل من الترشح ولو ترشح لاكتسح الانتخابات من أول جولة، ولم يكن هذا الإبعاد لمرشح له شعبية جارفة، باعثا للطعن في الانتخابات الرئاسية، ولم يطالب بإلغائه الذين خرجوا في 30 يونيو، لعلمهم أن إلغائه ليس في مصلحتهم، فقد يسقطون محمد مرسي ليجدوا أنفسهم في مواجهة الشيخ حازم!
ولماذا نذهب بعيدا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية رأسا، تمثل الانتخابات بالنقاط، وعبر وكلاء، عبثا إذا ما فكرنا في ذلك بالعقل، وقد يخن الوكلاء الأمانة وإرادة من اختارهم لهذه المهمة، ولم يكن هذا العبث مبررا، لإسقاط الرؤساء الأمريكيين!
ما أريد قوله، أن شرط موافقة لجنة صيانة الدستور على المرشح الرئاسي تمثل قيدا، يتجاوز مبدأ القواعد التنظيمية، لكن هذا ينبغي أن يدفع المتظاهرين للضغط لإلغاء هذا الشرط، ليدفعوا بمرشح لهم لخوض الانتخابات القادمة، وبعد استكمال الرئيس الحالي دورته الانتخابية كاملة غير منقوصة، لكن هذا ليس مطلبهم، لأنهم لا يؤمنوا بأن الانتخابات قد تأتي بهم للسلطة، فقد تأتي مثلا بأحمدي نجاد، إذا ألغى هذا القيد الحديدي!
ولهذا فهم يسعون لإسقاط النظام بالقوة، دون أن يرفعوا مطالب ديمقراطية، لكن يظل هذا القيد، ورقة في أيدي من ينحازون لهذه المظاهرات، لتبرير موقفهم المنحاز للانقلاب على النظام المنتخب، وإسباغ بعد أخلاقي عليه.
تماما كما فعلت إيران الثورة، عندما انحازت للثورة المضادة في مصر، وقبلت أن تكون إلى جانب الرجعية العربية، المعادية لثورة يناير وما أنتجته، انتقاما من الرئيس المنتخب، الذي رفض التقارب مع طهران، وهى مشكلة المعايير المزدوجة، التي تحكم مواقف الدول كما تحكم منطلقات الأفراد.
وكما قبلت إيران أن تنحاز للثورة المضادة، فإن خصومها الآن لا يبالون إن كانوا في تأييدهم خلع النظام بالمظاهرات، يصطفون بجانب قاتليهم، ومن تكتلوا ضد ثورتهم، فذاتها الدوائر الإقليمية والدولية التي وقفت مع العسكر ضد إرادة الشعب المصري، هي من تنحاز لهذه المظاهرات، فليس غريبا أن تكون الإمارات والسعودية بجانب الإدارة الأمريكية مع خلع النظام الإيراني بالمظاهرات، وهم من انحازوا ومولوا الانقلاب على الثورة المصرية!
البعض ينطلق في تأييده لما يجري، من خندق المذهبية، فهو يريد أن يقهر الدولة الشيعية غير معني بأي شيء آخر، بما في ذلك أن الانتصار لن يكن لأهل السنة والجماعة، فلن يكن ترامب ومعه حكام الرياض وأبو ظبي في صف أهل السنة.
إلا إذا تصورنا أن الحداية يمكن أن "تحدف كتاكيت"، وهؤلاء لا يقودهم الانحياز للديمقراطية أو للثورة في تحديد مواقفهم، فهم لم يروا جريمة في استجابة "إخوان اليمن" للأمر السعودي، بالتحالف مع حزب الثورة المضادة هناك، ما دام التحالف هو لمواجهة الروافض، أو يمكن أن يمثل استفادة انتهازية لحزب الإصلاح، ولو بتحالفه مع الحكم السعودي المحرض على قتل الآلاف في "رابعة" و"النهضة"!
قولوا ما شئتم، لكن إياكم أن تتحدثوا باسم الثورة، أو من منطلق الدفاع عن الديمقراطية الذبيحة في إيران!
لقد علق أحدهم: أنت تخسر جمهورك. فقلت: وماذا يفيد المرء إذا كسب ملايين "اللايكات" وخسر نفسه.
فالديمقراطية أبدا
أضف تعليقك