لقد كان العام المنصرم (2017م) من أسوأ الأعوام التي مرت على مصر في تاريخها الحديث، وليست تلك هي المشكلة، بل المشكلة هي أن العام القادم مرشح لأن يكون أسوأ من سابقه بكثير... فالانهيار الاقتصادي يتوقع له أن يستمر، وتفكك المنظومة الأمنية الجنائية والسياسية يتوقع له أن يزداد، والاستبداد السياسي من المرجح أن يستفحل، والفوضى مرشحه للتضاعف، والفتنة الطائفية لا يتوقع لها أن تجد عقلاء لكبحها، وقس على ذلك كل عناصر بقاء الأمم... كالصحة والتعليم والرياضة والثقافة والفن والإعلام... الخ، مصر - باختصار - تسير بخطى ثابتة في طريق الفوضى والانهيار... أو الانفجار!
فزع وترويع
ليس من الصعب أن ترى الفزع في عيون المصريين، فقد وصل الحال بأن ما يسمى "الإرهاب" كان يهدد سيناء؛ واليوم أصبح يقتل المدنيين في الكنائس، ثم يتمشى بالبنادق الآلية في شوارع القاهرة، فتقابله مدرعة الشرطة فتهرب منه، ولا يجد في النهاية من يردعه سوى أهالي حلوان!
لقد ارتكبت جرائم مروعة في حق أهلنا في سيناء باسم محاربته هذا الذي يسمونه الإرهاب، وهُجِّر الآلاف من المواطنين الشرفاء من بيوتهم ومزارعهم، وقتل مئات من الأبرياء رجالا وشيوخا ونساء وأطفالا بالطائرات، أو في الكمائن، أو بطلقة في الرأس في الخلاء، ثم كانت النتيجة في نهاية الأمر أن تُضرب طائرة وزير الدفاع بصاروخ موجّه وهي رابضة على الأرض؛ في مطار عسكري حصين داخل سيناء نفسها، قبل أن يركبها وزيرا الدفاع والداخلية بثوان معدودة.
الغريب أن هناك من يجرؤ - بعد كل هذه المساخر - على أن يحدثنا عن الدولة المستقرة، وعن الرئيس العسكري الحازم الذي يسيطر على كل شيء، قاهر الإرهاب، ناشر الأمن والأمان!
القضاء الشامخ!
لم ينته هذا العام قبل أن ينتقم النظام من خيبته؛ بإعدام بعض الأبرياء الذين حكم عليهم نظامه القضائي العسكري المنحط بالإعدام بتهم ملفقة! هم أبرياء دون نظر في أي أوراق قضايا، هم مدنيون حوكموا محاكمة عسكرية، في نظام لا يملك قضاؤه المدني أهلية الفصل في أي قضية، بسبب قلة الكفاءة المهنية، وبسبب انعدام الأمانة الأخلاقية.
نحن أمام نظام قضائي معطوب إلى أقصى درجة، نظام تعفن من داخله، حتى أصبح معروضا للبيع في كل قضية كبيرة أو صغيرة... يشتري الناس القضاة من أكبرهم إلى أصغرهم، وتشتريهم الدولة بالمناصب، وكل المناصب القضائية العليا ليست إلا مكافآت يوزعها الجنرالات على أقذر القضاة (إلا ما رحم ربي وقليل ما هم).
هذه المنظومة القضائية غير مؤهلة للحكم على تفاصيل خلافات حياة الناس في أي شيء، فما بالك بالحكم بإنهاء حياة الناس بتهم لا يكاد يصدقها عاقل!
سنظل نقول إن الحل الوحيد للخلاص من هذا النظام هو اصطفاف واسع للمعارضة المصرية، يؤدي إلى التفاف شعبي حول هؤلاء المعارضين، بحيث يتوفر بديل واضح في حالة إسقاط النظام، وبحيث يصبح للمعارضة المصرية عنوان يمكن إرسال الرسائل إليه، وتلقي المؤشرات منه.
ما زال المعارضون غارقين في مشاكلهم الشخصية، تحركهم غرائزهم الدنيا، ومكاسبهم المحدودة... بلغوا من التشوش حد العمى، وإذا حدثتهم عن عمل حقيقي تجد الغالبية العظمى منهم يتهربون.
كومبارس؟
في هذا العام الذي نبدأه حدث هام هو الانتخابات الرئاسية؛ التي من المفترض أن يفتح باب الترشح فيها خلال أسابيع، وهذا الحدث هو ما يحرك كل أجهزة الدولة ومؤامراتها وعلاقاتها الخارجية ومراكزها البحثية!
إنه الحدث الذي يستعد له كل جنرال ومجند، وكل ضابط ومخبر، وكل مذيع ومعد، وكل قاض وباشكاتب، وكل قواد وعاهرة!
الكل يستعد لهذا الحدث إلا السياسيون... والشعب!
الدولة كلها تبحث عن مخرج للسفاح القابع في قصر الاتحادية لكي لا يدخل هذا الاختبار، بتعديل دستوري، أو بإثارة الفوضى لإلغاء الانتخابات أصلا، أو بتدبير أمر أي "كومبارس" يقبل أن ينزل الحلبة ليتلقى اللكمات ثم يخر صريعا وسعيدا في الوقت نفسه، تماما كما حدث للسيد صباحي في عام 2014.
تم إقصاء الجميع، ورغم ذلك ما زالت تلك الدولة مرعوبة من أي مفاجأة، حتى المناضل خالد علي وفرصه محدودة جدا (إن كانت له فرص) يتعاملون معه برعب، وفي الغالب سيتم إقصاؤه أيضا من السباق.
في نهاية العام... تم تنفيذ حكم الإعدام يوم الثلاثاء 26 كانون الأول/ ديسمبر 2017م في المتهمين في القضية العسكرية 411 لعام 2013، وهو أمر له ما بعده، وبإمكاني منذ هذه اللحظة أن أقول إن عام 2018 سيكون عام الإعدامات، وإن هؤلاء الخونة الذين سلطهم الله على مصر سوف يلجأون كلما ضاقت عليهم ساحات الإنجاز في عالم السياسة أو الاقتصاد أو الأمن؛ بأن يرسلوا بعض الرهائن لديهم من شبابنا إلى المشانق ليخفوا خيبتهم!
حفظ الله مصر من أعدى أعدائها... من حكامها!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين...
ملاحظة:
بيان إلى من يهمه الأمر
صدر اليوم حكم ضدي بالحبس ثلاث سنوات وغرامة قدرها مليون جنيه مصري (قابلة للزيادة) في القضية الهزلية التي تُعرف بـ "إهانة القضاء"... وقد صدرت أحكام مماثلة لثلة من الشرفاء في القضية نفسها. وهذه القضية المزعومة ملفقة من الألف إلى الياء، لا هدف منها سوى تهديد أي شخص له وجهة نظر.
في أحكام هذه القضية؛ ستجد وجه مصر المحتلة التي لا يَرحمُ فيها المحتلُّ شيخا من شيوخ القضاء، مثل المستشار محمود الخضيري، فيقضي بحبسه ثلاث سنوات، وهو الذي يستحق الإفراج فورا لظروفه الصحية... هذا القاضي الجليل الذي يستحق أعلى الأوسمة لما قدم للقضاء المصري.
لا يهين القضاء سوى من يوظفه لخدمة أغراضه الدنيئة، ستتخلص مصر من هذا الكابوس قريبا، وستقيم محاكمات عادلة لكل سفاح أجرم في حقها، ولن تسيطر على هذه المحاكمات سلطة فاشية.
أضف تعليقك