نشطت، في نهاية ديسمبر 2015، وسائل بروباغندا نظام عبد الفتاح السيسي في ترويج إنجاز مصري عالمي مزلزل في صناعة السيارات الطائرة، وبشّرت جموع المصريين بأن "الوحش المصري" سينطلق من ميدان التحرير، في تمام الثانية بعد الظهر، تماماً مثل ساعة صفر عبور أكتوبر 1973 ليبهر الدنيا كلها.
في اليوم الموعود، جاء مجموعة من الشبان السيساويين بصندوق من الصفيح، يحمل ألوان العلم المصري، وشعار "تحيا مصر" لإبهار كوكب الأرض من ميدان التحرير، وسط اهتمام إعلامي واسع لإطلاق "تجربة فريدة هى الأولى من نوعها"، قال صاحبها إن ابتكاره هو نوع جديد من السيارات، يطلق عليها مسمى "سيارة برمائية هوائية"، لافتًا إلى أنها تسير على الأرض مثل السيارة العادية، وتبحر فى المياه كالمركب، وتطير أيضًا فى السماء مثل الطائرة، مؤكدًا أنه ابتكرها، لأن الطبيب تأخر على ابنه بسبب الزحام الشديد، ما أدى إلى وفاته، مشيرًا إلى أنه سيتم عرضها اليوم في ميدان التحرير(صحيفة اليوم السابع).
عدّى النهار، ولم يحلق الوحش المصري في الأجواء، ولم يتحرّك خطوة على الأرض، وانتهت التجربة بصاحب الاختراع على شاطئ ترعة مياه في محافظة القليوبية، يضرم النار في"الوحش" أسفاً على فشل محاولة إبهار العالم بسيارةٍ برمائيةٍ هوائية، قال عنها "يمكن استخدامها كسلاح حربى مدمر"، لافتًا إلى أنها "يمكن أن تسير وتطير لأطول فترة ممكنة"، مشيرًا إلى أن "كل أزرار السيارة ناطقة حتى يجنب سائقها الكوارث، بالإضافة إلى وجود نظام مراقبة مرئية ومسموعة".
بالطريقة ذاتها، روّجت بروباغندا نظام السيسي مشروع "القرار المصري" الخاص بالقدس المحتلة في مجلس الأمن، باعتباره الاختراع الدبلوماسي غير المسبوق، الذي سينسف قرار دونالد ترامب، الخاص بمنح القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني، ويحرّر المدينة المقدسة. وتوجهت الأنظار إلى قاعة مجلس الأمن في 18 ديسمبر 2017 لمشاهدة "الوحش المصري"، وهو يلتهم قرار الرئيس الأميركي. .. وبعد دقائق معدودة، فتح الفيتو الأميركي فمه ليبتلع الوحش، وكأن شيئاً لم يكن!
يعلم صاحب القرار المصري أنه هندس مشروعه لمجلس الأمن، بالطريقة التي تجعله غير قادر على تجاوز قاعة التصويت، إذ جاءت الصياغة كما يتمناها صاحب الفيتو. وفي ذلك قيل كثير، أهمه ما ورد على لسان رئيس السلطة الفلسطينية في قمة القدس باسطنبول، إن عدم تضمين مشروع القرار شكوى وتوجيه اتهام إلى الولايات المتحدة، واختصامها، سيجعل القرار تحت رحمة الفيتو الأميركي، ومن ثم لا أثر له.
العقلية التي صاغت القرار المصري، هي ذاتها التي باعت وهم "الوحش البرمائي الهوائي" محض وسيلة للشعوذة والدجل، وتصنيع إنجازات وهمية خارقة، وغير مسبوقة، فقط من أجل دغدغة الوعي ونهش المشاعر، بعيدًا عن المنطق والعقل السليم.
كان المطلوب من الجماهير أن تصدّق أن نظاماً على رأسه شخصٌ يتحدّث عن مصلحة شعب الاحتلال الإسرائيلي، فيضعها قبل مصلحة الشعب الفلسطيني، ويتلو بين يدي الرئيس الأميركي نصوص الطاعة والولاء، ويحرّض الإسرائيليين على مزيد من تدمير غزة في عدوان 2014 ويلبي نداء نتنياهو إلى العقبة، سراً، ثم يفتح له أبواب قصر الاتحادية، ليلاً.
هذا يشبه تماماً تصديق قدرة صندوق من الصفيح على الطيران والإبحار وتدمير الأساطيل الحربية، ويشبه، كذلك، التعامل بحماسةٍ بالغةٍ مع "إيفيهات سياسية" من نوعية أحمد شفيق، العائد من أبو ظبي، بعد طول استضافةٍ واستعمال، وتورّط دوائر سياسية وإعلامية محسوبة على معارضة الانقلاب في ترويج وهم أنه وحده المؤهل لمنح مصر حياة سياسية وديمقراطية سليمة، باعتباره "الوحش الانتخابي المعارض" الذي يستطيع إنهاء حكم السيسي.
ليس أكثر خطراً على المجتمعات، سلطة ومعارضة، من إدمان مضغ الأوهام والتلذّذ بها، وادّعاء الشبع بعدها!
أضف تعليقك