لقد كان هذا اللقاء، يوم الأربعاء الماضي (13 كانون الأول/ ديسمبر)، وهو اليوم الذي كانت فيه قمة الدول الإسلامية تنعقد في إسطنبول، لتندد بقرار الرئيس الأمريكي ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، باعتبارها عاصمة لإسرائيل، وهو اللقاء الذي شهد تمثيلاً متواضعاً من كثير من الدول، وفي القلب منها دول الحصار. واللقاء مع رئيس حزب الإصلاح اليمني (إخوان مسلمين) يأتي ليقول إن القوم في الرياض و"أبو ظبي" ليسوا مشغولين بقضايا الأمة الكبرى، إنما ما يشغلهم هو ما يجري في اليمن. وقد جلس ابن سلمان وابن زايد، مع رئيس حزب الإصلاح من باب المضطر. وقد ورد في الأثر أن المضطر يركب الصعب، فهل أدرك اليمني حاجة القوم إليه، فتعامل من هذا المنطلق؟!
"الصورة" تقول إن رئيس حزب الإصلاح، وإن أدرك هذه الحقيقة، فقد حرص على استغلال اللقاء في تقديم نفسه للقوم، لعله ينجح في كسب ثقتهما، ليكون بديلهما في اليمن، بعد أن خسروا رهانهم الاستراتيجي، ممثلاً في علي عبد الله صالح. وعلاقته مع القادة السعوديين تغري بإمكانية أن تتغير النظرة السعودية، والإماراتية بالتبعية، من الإصلاح (إخوان مسلمين) فتصبح العلاقة "صافي يا لبن حليب يا قشطة"!
السعودية كانت تمول الجنوبيين لسنوات عدة، بهدف كسر شوكة علي عبد الله صالح، وعندما وجدت نفسها في معركة استنزاف، ذهبت بعطائها إلى صالح نفسه، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وعندما قامت الثورة اليمنية، كان هناك سبب مضاعف يدفع أولي الأمر في المملكة للوقوف مع صالح، يتمثل في كونهم أعداء للثورات، ويرون أن نجاح الربيع العربي، ستكون له آثاره الضارة عليهم. ولم يكن بينهم عقول مفكرة، كملك المغرب الذي قال بيدي لا بيد عمرو، ومكن الشعب المغربي من اختيار حكومته، لامتصاص آثار الثورة. لذا كان القرار السعودي واليمني؛بضرورة الانحياز لصالح، وضرب الثورة في مقتل!
لقد كان علي عبد الله صالح بين الحياة والموت؛ عندما قامت السعودية بترميمه وعلاجه، وإعادته مرة أخرى، ليكمل مسيرة قمع الثورة. وعندما بدا أن هذا مستحيل، كان القبول بنصف هزيمة، بتنحية صالح، وتنصيب اختياره "عبد ربه منصور هادي" رئيساً للبلاد. ولا يمكن لأحد أن يقول إن "عبد ربه منصور هادي" هو خيار لحالة ثورية، أو لبلد شهد ثورة، فهو الاختيار الأتعس بالمقارنة بخيار مبارك، عندما تنحى وسلم مجلسه العسكري الحكم!
والمدهش، هو أن علي عبد الله صالح لم يغادر اليمن، تماماً كما مبارك. ربما كان المخطط هو انتظار الفرصة للانقلاب بهما على الثورة في كل من البلدين، لكن في الحالة المصرية فقد ضغطت الثورة، حتى اضطر المجلس العسكري إلى تقديم الرئيس المخلوع للمحاكمة، وتبين أنها صورية. ولأن مبارك بها لم يعد يصلح للمهمة، وربما كبر سنه كان عاملاً مانعاً لإعادة تدويره، فكانت الاستعانة بالمجلس العسكري، "خليفته في الملاعب"، للقيام بالانقلاب على الثورة، بتمويل سعودي وإماراتي، لم يكن سراً في أي وقت.
ولم تفكر الثورة اليمنية في محاكمة على عبد الله صالح، أو طرده خارج البلاد، لأن خليفته "عبد ربه منصور" من يحكم، ولأن إرادة الناس، من خلال الانتخابات، جاءت بالإصلاح، وهم يميلون بحكم النشأة والتكوين، إلى الإصلاح التدريجي لا إلى الثورة، والتي كانت جملة اعتراضية في مسيرتهم الطويلة، في اليمن كما في مصر، وسائر بلاد المسلمين!
والمثير، أن تكون اليمن قد شهدت ثورة، ثم نكتشف لحظة الانقلاب الكبرى، أن نجل الرئيس المخلوع، يعمل في السفارة اليمنية في الإمارات، حيث المركز الإقليمي للثورة المضادة والراعي الرسمي لها، ولم يجد "أهل الحكم" الجدد؛ في ذلك مشكلة، إلى أن وقعت الواقعة!
لقد تشكل حلف الثورة المضادة، وبرعاية سعودية وإماراتية، من علي عبد الله صالح، وكان ولا يزال حليفاً للسعودية، بالإضافة إلى جماعة الحوثي، وهم خصومه السابقون. وكان الهدف هو الانقلاب على حكومة الإصلاح وإسقاطها، فبعد إسقاط حكم الإخوان في مصر، فُتحت شهية القوم في الرياض وأبو ظبي، لإسقاطهم في تونس واليمن، لكن حزب الإصلاح تصرف بعقلانية؛ حيث فوت عليهم الفرصة، فلم يواجه الثورة المضادة، فأكلت نفسها لأنها لم تجد ما تأكله. وفي مرحلة لاحقة، وعندما خرجت الأمور عن سياق السيطرة، وأصبح "منصور هادي" هو المستهدف، طلب النجدة من الإصلاح موافقاً على شرطهم المبدئي بأن يقاتلوا تحت راية الجيش اليمني!
لقد قامت السعودية وأبو ظبي بتحضير العفريت، لكنها لم تكن تملك القدرة على صرفه أو توجيهه، فكل ما كان يخطط له مركز الثورة المضادة، هو الإطاحة بالحكومة وحزب الإصلاح من المشهد. لكن الإصلاح، بذكاء، ترك الطريق مفتوحاً، بدون مواجهة، وهو ما أغرى قوات الحوثي وصالح على التقدم للأمام، لا سيما بعد اختطاف "هادي" وهروبه، أو تركه يهرب. وهنا حضر طموح كل طرف.. فصالح حدثته نفسه بالقدرة على العودة للسلطة، والحوثيون أغراهم النصر وحرك بداخلهم رغبة مكبوتة في السيطرة على اليمين، لتصبح السعودية هى الجائزة الكبرى. وصدرت تصريحات إيرانية تؤكد هذا المعنى، فإيران لها مشروع توسعي، وقد أغراهم سقوط حكم صدام حسين، بواقعية تحقيقه، فلم تحركهم العواطف الجياشة، وأن السعودية ساعدت الحوثيين في البداية، لحاجة في نفسها. فليس منطقياً أن يكونوا أداة لها لتحقيق أهدافها، في إسقاط حزب الإصلاح ثم يغادروا غير مستأنسين لحديث!
وإذ تولى "سلمان" الحكم، فقد دفع به ابنه الحاكم الفعلي، "محمد"، إلى اليمن حيث الداخل مفقود والخارج مولود، ولعبة المصالح كانت تحتم أن يستعين بحزب الإصلاح في هذه المعركة. لكن عداء أهل الحكم في المملكة للإخوان؛ مقدم عندهم على تحقيق مصالحهم، ولم يبالوا بحرب طويلة الأمد، على ألا يضعوا أيديهم في أيدي إخوان اليمن. لكن "سلمان" بدا مختلفاً، في الدرجة وليس في النوع، عن الملك عبد الله، فتقارب إلى حد ما من حزب الإصلاح، ليكون جزءاً من حلفه في مواجهة الحوثيين وصالح، لكن بإمساك ابنه بزمام الأمور، تغيرت الاستراتيجية.. و"محمد بن سلمان" مسير لا مخير، وهو يتم توجيهه من محمد بن زايد، مرشده الروحي!
ولأن الحوثيين جهروا بعدائهم للمملكة، التي لم تكن تريدهم إلا لمسافة السكة، ولم تكن جادة في التحالف معهم، فقد كان لا بد من العودة إلى فتح صفحة جديدة مع حليفهم القديم، علي عبد الله صالح؛ الذي دفعوه للانقلاب على الحوثيين حتى لا تكون لإيران قدم في اليمن. والرجل الذي يلعب بالبيضة والحجر؛ ظن أن ما بينه وبين حكم اليمن من جديد هو "فركة كعب"، لكن سبقت كلمة ربك، فقتله الحوثيون، لتقع السعودية في "حيص بيص". وإلى الآن لا تزال الإمارات في الأمان النسبي، فصحيح أن الحوثيين هددوا بقصفها، وصحيح أن صاروخا واحداً يسقط في أبو ظبي ينهي مملكة الرمال هذه، التي تقوم على الاستثمار الآمن، لكن الصحيح أيضاً أن الحوثيين لم يقدموا على هذه الخطوة، إلى الآن!
وبمقتل علي عبد الله صالح، فإن الرياض وأبو ظبي منيتا بهزيمة كبرى، وقد خسروا الرجل القوي، فلم يكن أمامهم إلا الإقدام على خطوة التقارب من حزب الإصلاح اليمني، وهو جزء من المعادلة اليمنية، يمكن له أن يقوم بحرب بالوكالة ضد الحوثيين، والذين بدوا أكبر من مجرد تنظيم للحفاة العراة، كما كان يروج الإعلام السعودي!
إذا نظرنا إلى لغة الجسد، فالمؤكد أن رئيس حزب الإصلاح اليمني، لن ينتهز الحاجة إليه ليملي شروطه على "ابن زايد" و"ابن سلمان"، فقد ذهب يبحث عن الحب، وهو في جلسته كان الأقرب إلى من يتلقى التعليمات ويجيب على الأسئلة وليس إلى المفاوض!
لقد جلس على الحافة، بينما كان "ابن سلمان" و"ابن زايد" يجلسان على راحتهما تماماً، وكأنه موظف في البلاط الملكي، وقد استدعي لتقدير الموقف حول عرس سيقام في القصر، وعدد المدعوين، والتجهيزات اللازمة!
ولا نعرف ما الذي أراد "ابن زايد" أن يقف عليه بنفسه؛ لكي يسافر للسعودية من أجل هذا اللقاء، ورئيس حزب الإصلاح كان في مقابلة قبل أيام مع "ابن سلمان"!
الحب الذي يبحث عنه رئيس حزب الإصلاح لن يجده، فلن يكون شريكا في حرب اليمن إلا لمسافة السكة، ويوم أن يتم الانتهاء من الحوثيين، ستدور عليه الدوائر؛ لأن الحرب التي يخوضها السعوديون والإماراتيون، ووكيل أعمالهم في القاهرة، ضد الإخوانإ هى حرب إبادة!
وما لا يفهمه رئيس الإصلاح أنه لم يتم استدعاؤه لعقد عمل غير محدد المدة، فهو مهمة قصيرة، دوره فيها لن يخرج عن دور العمالة الموسمية. فقد تتم الاستعانة به لكن بعقد مؤقت، لموسم جني القطن!
ولننتظر من على مقاعد المتفرجين.
أضف تعليقك