اعتبرت صحيفة «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكية أن التحالف بين الرياض وأبوظبي أضعف مما يبدو، مشيرة إلى أن تنامي التعارض بين المقاربتين السعودية والإماراتية للتعامل مع الأزمات الإقليمية يوحي باحتمالية تفاقم التوتر بين البلدين في المستقبل القريب.
وقال الكاتب الصحفي «صامويل راماني» في مقال له بالصحيفة إن «إمكانية التوتر بين السعودية والإمارات تظهر في العدد المتزايد للاختلافات في السياسة الخارجية بين كلا البلدين، فعلى مدار الأشهر القليلة الأخيرة، دعمت السعودية والإمارات قوات وكيلة متنافِسة في اليمن، وتبنيتا مقاربات متناقضة لتسوية الحرب الأهلية السورية».
وأضاف: «يوحي تنامي التعارض بين المقاربتين السعودية والإماراتية للتعامل مع الأزمات الإقليمية بأنَّ تفاقماً للتوتُّر بين الرياض وأبوظبي قد يحدث في المستقبل القريب، وقد تكون تسويته أصعب من تسوية الأزمة بين الرياض والدوحة»، موضحاً أنه يمكن تفسير صعوبة إصلاح الصدع بين السعودية والإمارات بطبيعة الخلافات بين البلدين.
وتابع: «خلافاً للنزاع السعودي – القطري، الذي هو بالأساس صراع هيمنة، ينبع الخلاف بين السعودية والإمارات من الرؤى الإستراتيجية المتنافِسة، فبما أنَّ السعودية والإمارات مستعدتان لاستخدام القوة العسكرية والمبادرات الدبلوماسية الأحادية لتشكيل النظام الإقليمي وفق تصوراتهما، فمن المحتمل أن تستمر التوترات الناجمة عن تلك الرؤى المتنافِسة في المستقبل المنظور».
وأوضح الكاتب أن «رؤية السياسة الخارجية للسعودية تقوم على فهمٍ طائفي للصراعات في الشرق الأوسط، فسلوك الرياض الدولي يأتي مدفوعاً بوضوحٍ بهُويتها السُنّيّة، الأمر الذي جعل القوى الشيعية الموالية لإيران خصوما معادين يجب قمعهم بأي ثمن، ولتقويض إيران، قدَّمت الأسرة الملكية السعودية الدعم المالي والعسكري للحركات الإسلامية السُنية في مناطق الصراع، وروجت لنشر أيديولوجيتها الوهابية باعتبارها حصنا في وجه النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط».
وأكد الكاتب الأمريكي أن «الإمارات ترفض المقاربة السعودية الطائفية للصراعات الإقليمية، وعلى النقيض من تسامح الرياض مع الحركات الإسلامية، دأبت أبوظبي على الدفاع عن العلمانية في الشرق الأوسط، وعملت على تسهيل تشكيل تحالفٍ لا أيديولوجي في مناطق الصراع».
وكما أشار «نيل كويليام»، وهو خبيرٌ بشؤون مجلس التعاون الخليجي في معهد «شاتام هاوس»، مؤاخراً في حلقة نقاشية بجامعة «أوكسفورد»، ينظر صانعو السياسة الإماراتيون إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة باعتبارها أكثر خطرا على الاستقرار الإقليمي من إيران، ويستند هذا الاستنتاج إلى الحجة الإماراتية بأنَّ الشبكات الإسلامية تنشد أيديولوجية غير وطنية تتحدى التفاهمات السياسية.
ووفق الكاتب، فإن «التقييمات الإماراتية لمصادر التهديد تختلف اختلافاً ملحوظاً من تقييمات السعودية، وتسبَّبت في تبنَّي صانعي السياسة الإماراتيين لمقاربةٍ أكثر تبايناً تجاه إيران من نظرائهم السعوديين، ولذا، تدعم الإمارات الفصائل الشيعية الموالية لإيران وتُعزِّز الاستقرار السياسي، فيما ترفض تدخُّلات إيران المُزعزِعة للاستقرر في الشؤون الداخلية لبلدان الشرق الأوسط».
الحرب في اليمن
وأردف الكاتب الأمريكي أن «الصدام بين الأجندة الإماراتية الداعمة للعلمانية والسياسات السعودية الداعمة للسُنّة قد كشف عن نفسه في نهجي البلدين المتباينين على نحوٍ متزايد لحل الأزمة في اليمن وسوريا، ويدور الصراع بين المقاربتين السعودية والإماراتية تجاه اليمن حول الخلافات بين كلا البلدين بشأن التهديد الذي يُشكِّله الفاعلون الشيعة، والشرعية السياسية، والمجموعات الدينية المتطرفة».
وحسب قوله، فقد «أدَّت المقاربة السعودية الطائفية تجاه النظام الإقليمي في الشرق الأوسط إلى نظر الرياض لصعود حكومة شيعية في اليمن، وامتلاك علاقات ودية مع إيران، باعتباره تهديداً مباشراً لأمنها القومي، واتضح الانشغال السعودي بالتهديد الأمني الحدودي النابع من الشيعة المدعومين إيرانياً باليمن في نهجها تجاه التدخُّل العسكري لمجلس التعاون الخليجي في اليمن».
وأكد الكاتب أن «الإمارات والسعودية لا تشاطران رؤيتهما بأنَّ الحكومة المدعومة من الشيعة في اليمن تُمثِّل تهديداً أمنياً تلقائياً، وبدلاً من استهداف الميليشيات الشيعية عشوائياً، ركَّزت أبوظبي عملياتها العسكرية في اليمن على الحد من نفوذ المجموعات الإسلامية الشيعية والسُنّيّة».
وتابع: «تعاونت الإمارات مع الضربات الجوية السعودية ضد الحوثيين عبر نشر قواتٍ برية جنوبي اليمن، لكنَّها دعمت كذلك العمليات العسكرية للرئيس اليمني السابق الشيعي علي عبدالله صالح ضد حزب التجمُّع اليمني للإصلاح».
وبحسب الكاتب «في الصيف، استفادت الإمارات من الصدع بين صالح وقوات الحوثي بأن أصبحت أبرز الداعمين الدوليين لصالح، وبرَّرت الإمارات تحالفها مع صالح بحجة أنَّ عودة صالح للسلطة في اليمن سيعيد الاستقرار العلماني الاستبدادي إلى البلد الذي تمزَّق بفعل الحرب».
وأضاف: «بما أنَّ موت صالح قد أغرق مستقبل اليمن السياسي في حالة عدم يقين أكبر بعد تركه فراغاً في السلطة ضمن قوى شيعية معتدلة، فإنَّ الإمارات على الأرجح ستُلقي بدعمها خلف قائدٍ معتدلٍ جديد يسعى لحلٍ سياسي شامل للصراع في اليمن».
وتوقع أنه «إذا ما استخدمت السعودية اغتيال مقاتلي الحوثيين لصالح من أجل شرعنة حملة قصفٍ جوي ضد الشيعة المسلحين في اليمن، فإنَّ الصدع مع الإمارات البراغماتية والسعودية الطائفية قد يصبح أكثر حدة في الأشهر المقبلة».
الحرب في سوريا
وعلى الرغم من أن مدى الانخراط العسكري لمجلس التعاون الخليجي في سوريا أقل بكثيرٍ مما في اليمن، فإنَّ السعودية والإمارات قد تبنيتا علناً رؤى مختلفة للمستقبل السياسي السوري، بحسب الكاتب الأمريكي.
وأشار الكاتب إلى أنه «على الرغم من أن احتمالات الإطاحة السريعة بالأسد في سوريا قد تراجعت كثيراً على مدار العام الماضي، واصلت السعودية إيواء قادة فصائل معارضة سُنّيّة متشددة في سوريا رفضت إجراء مفاوضاتٍ دبلوماسية مع مسؤولي نظام الأسد».
واعتبر أن تلك الأعمال توحي بأنّ «احتواء نفوذ إيران في سوريا هو الهدف الأساسي للسياسة السعودية في سوريا، ويواصل ذلك الهدف توجيه الجهود العسكرية السعودية في سوريا، على الرغم من أنَّه أصبح واضحاً على نحوٍ متزايد أنَّ دعم الرياض لمجموعات المعارضة المسلحة قد يعرقل تسوية السلام التي قد تعيد الاستقرار إلى سوريا».
ولفت إلى أنه «على الرغم من أنّ الإمارات قدَّمت دعما عسكريا لمجموعات معارضة مسلحة في سوريا، فإنّ التزام أبوظبي بتغيير النظام في سوريا أكثر فتورا من التزام السعودية».
وحسب الكاتب، فإن «التركيز الإماراتي يتجلى على إعادة الاستقرار في سوريا تحت قيادة نظامٍ مستبد علماني في مفاوضاتها مع مسؤولي نظام الأسد عبر القنوات الخلفية أثناء المراحل الأولى من الصراع السوري وتوجهها المتعاوِن إزاء جهود الوساطة الروسية في سوريا».
واعتبر أن المقاربة الإماراتية تجاه الصراع السوري توحي بأن «أبوظبي قد تدعم تسوية سلام في سوريا تُبقي على الأسد في السلطة، بينما تُوفِّر (التسوية) تمثيلاً للمعارضة السُنّيّة المعتدلة والقوى الكردية».
وأكد على «استعداد الإمارات للتوصل إلى تسويات مع الفاعلين المُصطفين إلى جانب إيران والاستخدام أحادي الجانب للقوة العسكرية لمواجهة الحركات الإسلامية في سوريا وعلى رغبة الإمارات في مواجهة الهيمنة السعودية التقليدية على جهود مجلس التعاون الخليجي لحل الصراعات الإقليمية».
ونوه الكاتب إلى أنه «في حين تظل الأزمة المستمرة بين السعودية وقطر هي أكبر التهديدات الوشيكة التي تهدد بقاء مجلس التعاون الخليجي كمنظمة للأمن الجماعي، فإن الهوة المتزايدة بين الرؤيتين السعودية الداعمة للسُنة والإماراتية الداعمة للعلمانية تؤكِّد أن صراعا بالوكالة بين الرياض وأبوظبي قد يُشكل في نهاية المطاف خطرا أكبر على تماسك مجلس التعاون».
ولذا، يجب أن يضع الدبلوماسيون الغربيون الساعون لحل الأزمة القطرية في اعتبارهم تباين المصالح بين السعودية والإمارات، لمنع انهيار كتلة التحالف الخليجية في السنوات المقبلة، بحسب الكاتب الأمريكي.
أضف تعليقك