• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

فلما كان العيد الواحد والعشرون لقناة «الجزيرة»، لم يساور أحد شك في أنها انتقلت من مجرد مشروع للأمير الوالد، لتحصل على شرعية الدولة القطرية، وبقول الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، «لن نغلق الجزيرة»، فإنه قطع قول كل خطيب. من المعروف أن الأب الروحي لـ«الجزيرة» هو صاحب فكرتها (الولد) الشيخ حمد بن خليفة، وكثيرون كانوا يردون أن استمرارها إلى الآن، رغم المشاكل التي تدور حولها، هو بفضل هذه الرعاية، وكان ما يتردد أن الأمير (الابن) ليس متحمساً لها إلا من خلال هذه الزاوية، وهناك من أرجعوا تقليص أعداد العمالة بها، وإغلاق بعض منصاتها إلى فتور السلطة الحالية تجاهها، لكن حدث أمران، جعل من هذه الكلام مجرد هواجس، وأن ضبط النفقات، يرجع إلى سياسة عامة أخذت بها السلطة القطرية، فجرى على الجزيرة ما جرى على غيرها من مؤسسات الدولة.
الأمر الأول: تمثل في هذا القول الفصل، الذي أعلنه الأمير في مقابلته مع قناة «سي. بي. أن» الأمريكية، والتي أجراها المذيع المعروف شارلي روز: «لن نغلق الجزيرة». أما الأمر الثاني، فقد تمثل في حضور الأمير احتفالية القناة على بساطتها في عيدها الواحد والعشرين.
وهناك ملاحظتان عابرتان هنا: الأولى، أنه رغم أن «شارلي» يبدو في عمر «هيكل»، إلا أنه لم تتم احالته للتقاعد، وفي عالمنا العربي، يجري التعامل مع المذيع على أنه فنان له عمر افتراضي، حيث تتم الإشادة بفنانات اعتزلن، ليحافظن على صورتهن في أذهان الجمهور، دون الانتباه إلى أن لكل مرحلة زمنية عطاؤها الخاص، وإن كانت القنوات الخاصة في مصر لم تهتم بجلب مذيعات التلفزيون الرسمي بعد إحالتهن للتقاعد، وإن ظلت نجوى إبراهيم تكافح، وتبدو أزمتها في أنها تريد أن تقنع المشاهدين بأنها لا تزال كما هي كما كانت قبل نصف قرن، ظنا منها أن عمليات التجميل يمكن أن تصلح ما أفسده الدهر، لتتحول إلى نسخة مقلدة من أصل ينتمي لزمن ولى!
أما الملاحظة الثانية، فهي أنه كلما ظهر أمير دولة قطر، عقد بظهوره مقارنة في الأذهان بينه وبين عبد الفتاح السيسي، الذي جرى استدعاؤه قسريا في مقارنة ظالمة، ليس فقط لأن الأمير يتحدث الإنكليزية بطلاقة، وأن الآخر لا يجيد حتى التعبير بالعربية، لكن لأن جماعة المنهج المقارن، لم ينتبهوا إلى أنها مقارنة بين جيلين، وبين عملية الإعداد، فالأمير تم إعداده في مرحلة النشأة والتكوين ليحكم ذات يوم، والآخر كان إعداده للترقي الوظيفي، في مرحلة تم الإعلان فيها عن أن «حرب أكتوبر» هي آخر الحروب، وحتى العقلية العسكرية مع التكوين العسكري الصارم، لا تعد أحداً للحكم.
وعموما لست مع هذه المقارنة، وإن كنت مدركاً أنه إذا تمت المقارنة بين حكمين عسكريين، وينتميان لجيل واحد، فسوف يفوز عند المقارنة الرئيس حسن البشير!

توسع ينفي نية الاغلاق

نحن في مواجهة ما وصفته العرب بـ«هم ما يتلم»، وأعتذر عن هذه المقاطعة، فقد صرت كشعراء الجاهلية، بذكري للسيسي في كل مناسبة، وهم الذين درجوا على أن تكون بداية قصائدهم بأبيات من الغزل، مهما كانت جدية المناسبة، فـ «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول». وبعد قليل «نُبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول». ثكلت سعاد أمها! بيد أني لا أقول غزلا، ولكني من هواة النكد حتى في الأفراح، فما لنا والسيسي اليوم؟
الفرح مصدره هذا الإعلان الحاسم، الذي أنهى الجدل الدائر: «لن نغلق الجزيرة»، وهي العبارة التي كانت الخبر الأول ليوم كامل في نشرات «الجزيرة»، إلى أن جن الليل واعتلى جمال ريان المنصة، وتلى الخبر بصوته، فنبه الغافل، وأيقظ النائم: «لن نغلق الجزيرة». (جمال ريان مذيع حروب في الأصل في بعض المواقف ينفخ في خبر ما من روحه فيُشعر المشاهد أنه يقف على الجبهة).
في كل كلمات المتحدثين في احتفالية الجزيرة كان التأكيد على هذا القول الفصل (لن نغلق الجزيرة).. ذكرها الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس القناة، كما ذكرها مصطفى سواق، المدير العام للقناة، في يوم أسودت فيه وجوه وابيضت فيه وجوه. الشيخ حمد بن ثامر أكد أن منصات للبث الرقمي على الهواتف ستنطلق قريبا وبلغات عالمية ومنها الفرنسية، كما ستنطلق عبر موقع الجزيرة خدمة باللغتين الإندونيسية والصينية. فهناك توسع إذن ينفي أي نية في الإغلاق. والشيخ رئيس مجلس الإدارة أكد على الدعم المتواصل الذي يقدمه الأمير لـ»الجزيرة»، ووصفه بأنه أكبر داعم لها. فلم تعد إذن فكرة للأمير الوالد هو من يرعاها، لكنها صارت مشروع نظام.
وبعيداً عن هذا فحضور الأمير الاحتفال له رمزيته الخاصة، صحيح أنه حضر احتفال العام الماضي في الذكرى العشرين، لكن حضوره هذا العام، ومطلب إغلاق الجزيرة مرفوع من دول الحصار، أمر لا تخطئ العين دلالته. في احتفالية العام الماضي، حضر الأمير، مع والدته ومع الأمير الوالد (الأب الروحي للجزيرة)، وفكرة العيد العشرين هذه لها وقعها الخاص، مثل العيد الفضي والذهبي وما إلى ذلك، وقد يكون حضوره من باب (بر الوالدين) لكن الأمر مختلف مع العيد الواحد والعشرين، فلم يحضر (الوالدان) وحضر الأمير، وهذا الحضور المنفرد له دلالة أخرى فمنذ الحصار تأسست للأمير الشاب شرعية جديدة، قبل ذلك كنت تجد صورتهما معاً في المحلات التجارية والمصالح الحكومية، وهي شرعية الامتداد المطلوب التأكيد عليها في هذا الوقت، لكن بالحصار صار حضور الأمير منفردا له دلالته المهمة، لأن الانقلاب عليه ضمن مخطط دول الحصار. ولهذا انتشرت صوره في كل مكان من باب التأييد له لتتأسس شرعية جديدة، فكان قراره: «لن نغلق الجزيرة»، ومشاركته منفرداً في احتفالية القناة، انطلاقا لشرعية جديدة أيضا لها، ليست مقصورة فقط على حماية الأمير الوالد لها.

المدفعية الثقيلة

الحصار أكد على أهمية «الجزيرة» لدولة قطر، فقد مثلت مدفعية قطر الثقيلة مع مؤسسات أخرى، مثل وزارة الخارجية، ودبلوماسيتها النشطة، سريعة الحركة، القادرة على المواجهة والانجاز!
ولأننا في زمن حروب الإعلام، وقد احتشدت قنوات القوم في معركة «داحس والغبراء»، فإن الجزيرة جعلت من أداء هذه القنوات كهشيم تذروه الرياح، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
في برنامج «ما خفي أعظم»، الذي يتم التنويه عنه الآن وسيعرض غداً الأحد، تم طرح عدد من الأسئلة، أهمها هل الجزيرة مثلت عبئا على قطر؟ ولو طرح على السؤال لأجبت أنها ساهمت في الحفاظ على استقلال الدولة القطرية، الذي كان مقرراً لها أن تكون «البحرين» في علاقتها بالمملكة العربية السعودية، وحالة العداء الحالية لقطر هي امتداد، لعملية العداء التي بدأت مع تولي الشيخ «حمد» الحكم، وقبل إطلاق قناة الجزيرة أصلا، ولعل المحاولة الفاشلة للانقلاب كانت قبل الجزيرة ومطلب اغلاقها الآن لأنها جعلت من قطر دولة لها أهميتها في العالم، وهو مطلب مثله مثل المؤامرات الخليجية النشطة ضد استضافة قطر للمونديال!
لقد أغلقت قطر قناة «الجزيرة مباشر مصر»، وهي القناة التي اقتحمت البيوت، والمقاهي، والمصالح الحكومية، وأقسام البوليس والنيابات، واقتحمت القصر الجمهوري ذاته، كما أوقفت برامج مهمة مثل «حديث الثورة»، و»المشهد المصري» الذي كان المصريون يضبطون ساعتهم عليه، ولم يتم النظر إلى هذه القرارات المهمة على أنها تأتي في سياق محاولة إرضاء السعودية، التي تناست كل هذا لمجرد أن محمد بن زايد تمكن من السيطرة على قصر الحكم السعودي ليستمد نفوذه كما كان في عهد الملك عبد الله، فكان قرار الحصار، وكانت المطالب من بينها إغلاق قناة الجزيرة، لا تغيير رسالتها، أو ضبط محتواها، وقد بدت البغضاء من أفواههم. فالمستهدف هو «الجزيرة» من بابها، اسماً ورسماً، وقد قطع الأمير الطريق عليهم بقوله: «لن نغلق الجزيرة»، ليواصلوا الحصار على بينة، أو يرفعوه على بينة.

أرض – جو

كان «محمود حسين» المعتقل في سجون عبد الفتاح السيسي هو الحاضر الغائب في احتفال «الجزيرة» بعيدها الواحد والعشرين. والذي اقترب وجوده في السجن على العام حبساً احتياطياً، في قضية بلا معالم، ولم يتم تقديمه إلى الآن للمحاكمة، لأنه لا توجد اتهامات جدية يمكنهم اعلانها في محاكمته.
تألق فوزي بشرى في تقريره في الاحتفالية وهو التقرير الذي احتشد فيه ليكتب عن الجزيرة ومسيرتها، واستعان بعبارة وصوت أحمد الشيخ «نحن هنا وسنبقى» فمدمج بين لسان حال الجزيرة ولسان حال الفلسطينيين. زميلنا صبحي بحيري أطلق على فوزي بشرى: «الموسيقار الذي أسس لفقه التقرير الإخباري». فعلا موسيقار، يعزف بالكلمات أبلغ لحن.

أضف تعليقك