"ما عندناش تعليم جيد في مصر.. ما عندناش علاج جيد في مصر.. ما عندناش توظيف جيد في مصر.. نحن لسنا في أوربا بتقدمها الفكري والثقافي والحضاري والإنساني.. نحن في منطقة أخرى".
هكذا أجاب السيسي على سؤال عن حقوق الإنسان في مصر، أثناء المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي خلال زيارته لفرنسا أمس.
ومن قبل قال السيسي، خلال حديثه في جلسة "قضايا التعليم"، من الحوار الشهري الأول للشباب في ديسمبر/ كانون أول 2016: "ينفع التعليم في إيه مع وطن ضايع".
لكن السيسي لم يذكر لنا من المسؤول عن ضياع الوطن، وهل كان الضياع متعمدا، أم لظروف قاهرة؟
أثناء مناقشة موازنة قطاع التعليم في لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب عام 2008 ، فوجئت أن وزارة المالية قد خصصت مبلغ 10 ملايين جنيه كميزانية لهيئة محو الأمية وتعليم الكبار من إجمالي مبلغ 100 مليون جنيه طلبتها الهيئة كموازنة لنفس العام، ولما استفزني تدني حجم الاعتماد المخصص لعلاج هذا المرض المزمن –الأمية- الذي يعوق مصر عن النهوض والتقدم، فقد طلبت الكلمة وكان مما قلته في مداخلتي: عار علينا أن نكون في بدايات القرن الحادي والعشرين ولدينا هذه النسبة المرتفعة من الأمية التي تصل إلى 45%، ثم يقوم وزير المالية - بطرس غالي حينئذ – باعتماد 10% فقط كميزانية للهيئة المنوط بها علاج هذه المشكلة، رغم أن الرقم الذي طلبته الهيئة كميزانية وهو 100 مليون جنيه لايكفي أصلا. وبغض النظر عن جهود الحكومة وبعيدا عن ميزانية الدولة، أين دور مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة هذه المشكلة؟ أين دور الحزب الوطني (المنحل بعد ذلك بحكم قضائي) الذي يدعي أن له مقرا في كل قرية ونجع في مصر؟ أين مشكلة محو الأمية في برنامج الحزب؟ بل أين مشكلة محو الأمية في برنامج الرئيس –حسني مبارك المخلوع بعد ذلك بفعل ثورة يناير 2011 – الانتخابي؟ أين دور الجيش والشرطة؟ هل يعقل أن يقضي عشرات الآلاف من شباب مصر، فترة التجنيد التي تمتد لثلاث سنوات في الجيش أو الأمن المركزي، ثم لايتعلمون القراءة والكتابة خلال هذه المدة الطويلة؟ إنني كنائب عن الشعب وبالنيابة عن زملائي في كتلة الإخوان المسلمين بالمجلس أقول: نحن على استعداد لمحو أمية الآلاف في كل دائرة من دوائرنا الانتخابية ولكن أبعدوا عنا أمن الدولة واتركونا نعمل. رد عليّ رئيس اللجنة – أحمد عز – ساخرا: تعال امضي استمارة حزب وطني وأنا أخليك مسؤول عن هذا المشروع في الحزب ، فقلت له : لن أضيع آخرتي وأسود تاريخي بعد هذا العمر بانضمامي للحزب الوطني.
انتهيت من مداخلتي فجلس إلي جواري رئيس هيئة محو الأمية وهمس في أذني قائلا: يا سيادة النائب دول مش عايزين، الخديوي اسماعيل قالها زمان: الشعب الجاهل أسلس قيادا، كل ما ذكرته في مداخلتك حاولت فعله، فقد ذهبت إلى إدارة الجمعية الشرعية، وهم يديرون آلاف الفروع المنتشرة في ربوع مصر، وهم أصحاب رسالة، واتفقت معهم على المساهمة في برامج محو الأمية ولن يكلفوا الدولة شيئا، وكانت المفاجأة أن أمن الدولة قد اشتكاني لرئيس الجمهورية فاتصل بي الدكتور زكريا عزمي (رئيس ديوان الرئاسة) قائلا : إيه يا دكتور انت مزعل بتوع أمن الدولة ليه ؟ فقلت : لماذا؟ قال: أنت رايح تتفق مع الجمعية الشرعية علشان تمحو أمية الناس! – تخيل : أمن الدولة يقول لرئيس الدولة: الحق الراجل اللي عينته علشان يمحو أمية الناس صدق ورايح يمحو أميتهم بجد !!!!!!!! – ثم أضاف: ذهبت لوزير الداخلية – حبيب العادلي – وطلبت منه أن نمحو أمية المجندين بالأمن المركزي، فقال لي: عايز تعلم دول هات لي غيرهم، لو اتعلموا ماينفعونيش.
نزلت كلمات الرجل على رأسي كالصاعقة وأدركت أن المشكلة في مصر ليست قلة الموارد أو ضعف الإمكانات أو تدني المخصصات والميزانيات، إنما المشكلة الحقيقية أن إرادة الإفساد هي التي تحكم مصر،منذ انقلاب العسكر عام 1952، فأصبح الفساد ونشره، وحماية القائمين عليه هو السياسة الحقيقية لحكام مصر من العسكر، الذين تعمدوا إفقار الشعب، وتجهيله، وتجويعه، وإذلاله، ليسهل لهم التحكم في مقدراته، وهكذا أضاع العسكر الوطن عمدا مع سبق الإصرار.
لقد أُقر في مصر قانون التعليم الإجباري للأطفال ما بين سن 6 ، 12 عام سنة 1953، وتبنت مصر سياسة محو الأمية عام 1976، ورغم ذلك فإن أعداد الأميين في ازدياد مستمر، وصلت إلى 17 مليون أمي فى الفئة العمرية 10 سنوات فأكثر بنسبة 29.7% عام 2006 وفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما تشير تقارير وإحصائيات صادرة عن موسوعة الدول واليونسكو إلى أن نسبة الأمية في مصر تصل إلى 45%، كما ورد في تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان عن حالة السكان في مصر 2012 أن نسبة الأمية بين السكان بلغت الثلث مما يضع مصر ضمن أعلى الدول من حيث الأمية.
وهذه إحدى كوارث حكم العسكر، الذين ضيعوا الوطن، وأورثوه الفقر والجهل والمرض والاستبداد.
يسقط يسقط حكم العسكر ... يسقط كل فساد العسكر.
أضف تعليقك