أن تتجهز لغزوة ولمعركة شرسة تخسر فيها حياتك ومالك ، أهون من أن تتجهز لمجابهة قاضي عرفي مرتشي ، لا يري نفسه إلا حذاءاً لمن يدفع ، وخصوصاً اذا كان هذا القاضي العرفي ذكياً ، فهو يستطيع تغفيل الناس والتلبيس عليهم ويحصد بذكائه حقوقاً ليمنحها ظلماً لمن دفع إليه ، وكم ضاعت حقوقاً بسبب فساد قضاة العرف ، وذممهم الخربة ، التي تعشش فيها كل الغرابيب السود ، وكل الحمائم العرجاء ، والعجيب أن الفساد ينط من عينيه ، ويعلمه ويراه الجميع ، ولكن لا يلجأ إلي هؤلاء القضاة المرتشين إلا من يريد أن يغتصب حق غيره أو صاحب حق يخشي أن يأتي خصمه به فيبادر هو إليه قبل خصمه ليضمن ألا يشتريه خصمه فيخسر هو وهو صاحب الحق حقه ، والأدهي والأمر أن قضاة كثر أعلمهم من ذوي الوجاههة الاجتماعية الزائفة ، يقتتاتون ويعيشون علي ما غضب الله عليهم به من مال حرام... دارت كل هذه الأفكار في ذهني وأنا أخترق قلب هذا القاضي السيناوي بعيني حتي انفذ إلي كل حججه فأبطلها ، لم أعرف القصة بعد ، ولكنني انشغلت بالأسلحة التي سأحتاجها في مقاومة هذا القاضي الذي جاء ليسطو علي الحقوق من أقصى الأرض ، وشرد ذهني مني مرات ومرات كيف لانسان ان يسخر نفسه ناهبا لحقوق الغير ، كيف لرجل ان يبيع آخرته بدنيا غيره وتسارعت وتصارعت الأسئلة بداخلي ، حتي رمقني الشيخ مفرح بنظرة ذكرتني بكل خيالاتي منذ كنت طفلا وحتي الساعة بمعني كلمة ومفهوم نظرة خبيثة ، وبدأ يصوب سهام الطعن ناحيتي وكأنه يريد أن يغتالني ويقصيني أو يضع مخدرا لا استفيق منه إلا إذا عدت أدراجي ويكون هو فد فعل ما يريد وانا تحت تأثير مخدره الخبيث ، لكنني تيقنت أنه لا سلاح أمضي في هذه الحرب الا التحصن والتذرع بالقوي الذي لا يُقهر ، فجددت نيتي ، ووضعتها علي ضابط الشرع لتنصبط واستعنت بالله ، لأقتل شعوراً تسلل إلي نفسي بالضعف أو الخوف ، ولكن القوة وتمامها أن تتجرد من قوتك وتتبرأ منها وتلجأ إلي القوة الأعظم ، صراع نفسي رهيب تتقاتل فيه كل عوامل الضعف مع كل عوامل القوة داخل النفس البشرية ، لمجرد أنك قد وجدتني أجلس أمام ذئب يريد افتراس كل من يقف في طريق فساده... بادرني بسؤال لينزع عني هيبة رأيتها في عيون الناس فأجبته بجوابأ احتار بعدها كيف يلملم هيبته التي أطيح بها ، ثم اردف بعدها طالبا ً مني بتهكم أن أبدأ الجلسة وافتتحها ، فانبري عني ضعف نفسي ومضي ، وحل محلها قوة مدعومة بسكينة وطمأنينة دائماً ما استشعرها اذا اشتد بي خطب من الخطوب ودعوت الله فتأتيني تلك القوة وهذا الأمن وهذه السكينة ، جلست كجلسة أبي جعفر المنصور وهو يسمع من الشعراء ولكنني كنت متحدثاً وخطيباً في الناس لاكثر من ثلاثين دقيقة ، وانا اتحدث اتفرس الجالسين أمامي فمن انفعالاتهم اضع بنود خطتي مطوراً بالحذف أو بالإضافة ، وانتهيت ، ورمقني مفرح بنظره ولأن الغيظ كالحب والكره ينط من عين صاحبه فقد كان واضحاً من هذا الذئب العجوز ببشاعة ، ثم طلبت أمين الجلسة وكلفته بما سيفعله ، وكان أمين الجلسة الحاج عبدالستار ، رجل خمسيني يحمل كل أمانات اهل البحيرة ، الحكمة والخبرة والنزاهة تبديان علي كل حركة من حركاته وكل تصرف من تصرفاته ، حكيم وذو خط يبدو لي منه مدي روعة هذا الرجل وعدالته المرجوه وانه سيكون عادلا اذا تساوينا واحتجنا لترجيحه ، يجلس امامنا بتواضع الحكماء يكتب محضر التحكيم كما كلفته به ،وهنا ادرك مفرح خطأه الذي ارتكبه بأن صدرني لافتتاح الجلسة وبدأ يعض أنامله من الغيظ.... وبدأنا في سماع القصة من الخصم الذي دعانا للقضاء....
وللحديث بقية
أضف تعليقك