ترددت في الآونة الأخيرة قضية مسلمي الروهينجا وما يتعرضون له من إبادة عرقية ومذابح بشعة سمع بها العالم كله دونما تحرك إلا ما كان كالعادة من موقف تركيا المشرف.
وها نحن نعرض لقرائنا شيئًا عن أصل القضية وشيئًا من تاريخ الصراع:
أصل الكلمة
كلمة "روهنجيا" مأخوذة من "روهانج" اسم دولة أراكان القديم وتطلق على المسلمين المواطنين الأصليين في أراكان المحتلة من قبل دولة ميانمار(بورما)، والروهينغا أو الروهنجيا أو الرُوَينغة اسم قومية عرقية تنتمي الى عائلة الشعوب الهندية وتقطن في ولاية أراكان غربي بورما أو ميانمار.
وحسب التقديرات الرسمية لسنة 2012 يوجد 800,000 روهينجي في أراكان، وتعدهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم وهناك العديد منهم قد فر ويعيشون لاجئين في مخيمات في بنغلاديش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما.
بورما أو ميانمار التي تعرف رسميًّا باسم جمهورية اتحاد ميانمار بورميه، وهي إحدى دول شرق آسيا.
عدد سكان بورما يزيد عن 55 مليون نسمة، ونسبة المسلمين منهم لا تقل عن 15% من مجموع السكان، نصفهم يعيش في إقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة.
ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للبلاد، ويتحدث أغلب السكان اللغة البورمية، ويطلق على هؤلاء البورمان،، وأصلهم من التبت الصينية، وعقيدتهم هي البوذية، هاجروا إلى المنطقة في القرن السادس عشر الميلادي، ثم استولوا على البلاد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وهم الطائفة الحاكمة، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات أراكان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أراكان بورما وجماعات الكاشين، وقد حصلت ميانمار على استقلالها من بريطانيا عام 1948.
المسلمون في بورما
أكثر المسلمين الأراكانيين ينحدرون من أصول عربية حيث يعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض بلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية.
ويوجد أيضًا عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلاديشية وهندية.
وقد وصل هؤلاء المسلمون إلى أركان وجارتها بنغلاديش بغرض التجارة ونشر الإسلام، وهناك استقر الكثير منهم ونشروا تعاليم الدين الإسلامي المسلمين في بورما، كما عمل البريطانيون على جلب العديد من المسلمين الهنود إلى بورما لمساعدتهم في الأعمال المكتبية والتجارة.
وبعد الاستقلال أبقى على الكثير من المسلمين في مواقعهم السابقة وقد حققوا شهرة في التجارة والسياسة.
بالعودة للمصادر التاريخية فقد ذكر أنه في سنة 1921 كان في بورما نصف مليون مسلم، ونصف الهنود الموجودين فيها كانوا مسلمين بالرغم من الاختلاف بين الهنود المسلمين ومسلمي بورما الهندية إلا أن البوذيين قد وضعوهم في خانة واحدة وأضافوا إليهم هندوس الهند وأطلقوا عليهم جميعًا لقب كالا، حيث بدأت مشاعر الكراهية للهنود.
وفي العام 1930 بدأت في بورما أعمال شغب معادية للهنود تحت الحكم البريطاني حيث بدأت المشكلة في ميناء يانغون وذلك بتصرف غير مسؤول من شركة بريطانية للتحميل والتفريغ كانت قد استخدمت المئات من العمال الهنود. فعندما أضرب هؤلاء العمال، ماكان من الشركة إلا أن وظفت عمالا بورميين فقط لكسر الإضراب، لذا فقد استسلم الهنود وأنهوا إضرابهم.
وفي اليوم التالي عندما جاء العمال البورميين ليعملوا رفضت الشركة البريطانية استخدامهم متعللة بأنها لم تعد بحاجة إلى خدماتهم. فتعارك بعض العمال البورميون مع نظرائهم الهنود، فاندلعت بسرعة اعمال شغب ضد الهنود (ومن ضمنهم المسلمون). فخلال أول نصف ساعة ذبح ما لا يقل عن 200 هندي وقذفوا في النهر. فأمرت السلطات من الشرطة بموجب المادة 144 من قانون العقوبات الجنائية إطلاق النار على أي تجمع أكثر من خمسة أشخاص ممن يرفضون القاء السلاح. وكان يوم 26 مايو يوما أسودا. ففي غضون يومين امتدت اعمال الشغب إلى جميع انحاء البلاد ولا أحد يعرف بالضبط عدد القتلى أو الأضرار المادية.
ثم تجددت أعمال شغب أخرى ضد المسلمين عام 1938 فكانت لاتزال بورما تحت الحكم البريطاني. وكان الهدف الحقيقي لتلك الأعمال هي الحكومة البريطانية، ولكن لم يجرؤ البورميون على إظهار ذلك علنا. فالهبت وسائل الإعلام المحلية في تأجيج المشاعر الوطنية متسترة بالكراهية ضد المسلمين خوفا من أن تكشفهم الحكومة البريطانية فتعاقبهم. فأعقب ذلك إطلاق الحكومة البريطانية كامل آلتها العسكرية لمواجهة أعمال الشغب بالقوة. فناظل البورميون في جميع أنحاء البلد ضد الحكم البريطاني. فجميع القضايا السياسية والتحركات والاجتماعات والتظاهرات وأعمال الشغب والتمرد وحتى الثورات كانت تحت تأثير وإيحاء وتحريض وقيادة الصحف لها ، ثم بدأت حملة بورما للبورميين فقط بالإنتشار، فنظموا مسيرة إلى بازار للمسلمين، وقد فرقت الشرطة الهندية تلك المظاهرة المنفعلة فأصيب ثلاثة رهبان. مما حدا بالصحف البورمية ان استغلت صور للشرطة الهندية تهاجم الرهبان البوذيين للتحريض على زيادة أعمال الشغب فنهبت متاجر المسلمين ومنازلهم والمساجد فدمرت وأحرقت بالكامل، كما تعرض المسلمين إلى إعتداء وذبح، وانتشر العنف في جميع أنحاء بورما، فتضرر حوالي 113 مسجدًا.
لجنة تحقيق بريطانية
عين الحاكم البريطاني لجنة تحقيق في 22 سبتمبر 1938، فقررت اللجنة أن السبب الحقيقي وراء ذلك السخط هو تدهور الأوضاع السياسة الإجتماعية والاقتصادية في بورما. فاستغلت صحف بورمية غير مسئولة هذا التقرير، لبث الكراهية ضد المسلمين. فاستغلوا الدعاية على المسلمين كتمويه للتغطية على نضالهم السياسي كي ينالوا استقلالهم. فهي أول مرة يستخدم البوذيون المسلمين كبش فداء في قتالهم ضد البريطانيين.
وفي العام2012 تعرض المئات منهم للتشرد بسبب العنف الطائفي في الدولة حيث معظم الضحايا هم من المسلمين، وقد وعدت الحكومة بإجراء تحقيق شامل، وأدان ممثلون من مختلف الأديان والأقليات الفظائع التي يتعرض لها المسلمون في جمهورية اتحاد ميانمار؛ حيث قالوا إن الأقليات في جميع أنحاء العالم تتمتع بحقوق متساوية مع الأغلبية التي تعيش معهم من حيث طريقة حياتهم وفقًا لمعتقداتهم وتقاليدهم وثقافتهم في حين أن الغالبية ينبغي أن لا تستغل حقوقهم وتضيق عليهم الطريق نحو حرية الحركة.
وأضافوا أن الإبادة الجماعية للمسلمين في ميانمار يشكل تهديدًا خطيرًا للسلام العالمي وانتهاكًا لحقوق الإنسان، والتي يجب أن توقفها الأمم المتحدة مباشرة.
بدأ كل شيء في 3 يونيو 2012 عندما قتل الجيش البورمي والغوغاء البورميون 11 مسلم بدون سبب بعدما أنزلوهم من الحافلات، فقامت احتجاجات عنيفة في اقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة، فوقع المتظاهرين ضحية استبداد الجيش والغوغاء، حيث ذكرت أنباء بمقتل أكثر من 50 شخصًا وإحراق آلاف المنازل حيث اشتبكت عرقيتا روهنغيا المسلمة مع البوذيين غربي بورما.
انتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الروهينغا
حسب تقرير منظمة العفو الدولية فقد استمرت معاناة مسلمي الروهنجيا من انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري البورمي منذ سنة 1978، وفر العديد منهم إلى بنغلاديش المجاورة.
ثم بدأت المفوضية العليا للاجئين (المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) في تقديم المساعدات لإعادة توطين الروهينجا في بنغلاديش من سنة 2005، ولكن ظهور انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين هددت تلك الجهود.
تراجع أعداد المسلمين
أصدرت الحكومة البورمية سنة 2016 بيانات التعداد السكاني الخاصة بالدين والعرق لعام 2014، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 33 عامًا، بعد عامين من التأخر، لتظهر تلك البيانات تراجعًا في نسبة مسلمي البلاد، من 3.9% من إجمالي تعداد السكان لعام 1983، إلى 2.3%، في حين لم يشمل التعداد حوالى 1.2 مليون نسمة من مسلمي الروهينغا.
وأشارت نتائج التعداد إلى أن المسلمين المسجلين، يقدرون بمليون و147 ألفًا و495 نسمة، من تعداد سكان البلاد البالغ قرابة 55 مليون نسمة.
ظهور الانتهاكات مرة أخرى
ظهرت على الساحة مرة أخرى أزمة مسلمي الروهينجا و تصدرت وسائل الإعلام صور تظهرقيام البوذيين بحرقهم وحرق منازلهم؛ ما جعلهم يفرون بدينهم حفاظا على أنفسهم من البطش الواقع عليهم في ظل صمت وتجاهل دولي لقضيتهم .
أضف تعليقك