منذ ثانية واحدة
أما رابعة الأولى فهى العام؛ أى السنة الرابعة. وأما «رابعة» الثانية فهى المجزرة الرهيبة التى ارتكبها العسكر ضد أطهر الناس، وأشرفهم، وأحرصهم على دين ووطن، وقد قتلوهم، ثم أحرقوهم، ثم دفنوا بقاياهم بليل فى معسكراتهم البائسة..
أربع سنوات مضت على تلك الجريمة التاريخية، التى مهما حاول المزيفون طمسها فلن تمحى من عقول وضمائر الأحرار وذوى الأخلاق، ومهما حاولوا تشويهها فلن يستجيب لهم سوى شراذم المبطلين وأهل الفجور، أما الغالبية الغالبة من شعبنا المصرى وشعوبنا العربية والإسلامية فهى حافظة لما جرى فى هذا اليوم، واعية بحجم المؤامرة، لم ولن تنسى أبطالها المجرمين، الذين غرتهم قوتهم وأغواهم الشيطان فهم ينتقلون إلى الآن من جريمة إلى أخرى، ويخوضون -فى كل ساعة- فى دماء وأعراض المسلمين.
لم يكن للشهداء الأبرار هدف سوى النهوض بالبلاد والعباد، والسير سياسيًا واجتماعيًا على طريق الأمم المتقدمة والدول البارزة، وأرادوا حفظ دينهم من عبث العابثين وتهتك المستبدين؛ من أجل ذلك خرجوا لإبداء رأيهم، ولمنع بيع البلد للصهاينة، فكان الرد فظيعًا، لا يصدر إلا عن عدو شديد العداوة، قاسى القلب، لا ضمير له؛ فما من أداة من أدوات القتل إلا استعملت ضد هؤلاء الأفاضل العزل، وما من قانون إلا انتهك، وما من مروءة إلا انخرمت، فلا حديث عن وطنية، أو أخلاق، أو حتى رجولة.
ولسوف يكشف التاريخ عن مآسى ونكبات، وخيانات وعمالة لم يجر مثلها من قبل، هناك أسلحة محرمة استخدمت ضد المواطنين، وهناك جرائم حرب تفوق -فى بشاعتها- الخيال، وهناك جهات ومؤسسات ودول شاركت فى المذبحة، وهناك ترتيبات عالمية تمت قبلها وأثناءها وبعدها، وهناك وهناك.
ماذا تعنى رابعة؟!.. تعنى انتهاء دولة اسمها مصر، على أيدى المجرمين الذين ارتكبوا المذبحة؛ فرابعة هى قاصمة الظهر؛ إذ تقوم لهذا البلد قائمة إلا بالقصاص لمن قتلوا جميعًا، وتعنى ولادة جيل جديد من آثار رماد الجثث التى احترقت؛ هذا الجيل هو الذى سيقتص للدماء التى أسيلت، وسوف يعلو صوته بالحق حتى لا يكون هناك مظلوم لم يأخذ حقه من ظالمه، وحتى لا يبقى جان قد فر بجنايته، وحتى يسود السلام، ويعم الأمن، وتظل ذكرى هذا اليوم ناصعة مضيئة، ترمز إلى قضية الصراع بين الحق والباطل؛ تربط على قلوب الذين آمنوا، وتفرغ عليهم الصبر، وتحقق وعد الله فى الذين اتقوا وصبروا، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين.
تمر عينا ذكرى «رابعة» برائحة السلف الكريم؛ الذى ضحى وبذل، وجاهد وصبر، ومحص وابتلى، فكان له عز الدنيا وشرف الآخرة، وما نحسب أهل رابعة إلا خلف السلف الصالح، ونجابة العلماء الأكرمين، والعباد الزاهدين، وما نراهم إلا فى إخلاص من رابطوا على الثغور، ووسعوا رقعة الدين، وفى تجرد من خرجوا من ديارهم وأموالهم، وفى طهر من رفضوا الرذيلة، وشايعوا الفضيلة، ووقفوا لأهل الفجور بالمرصاد، هم المصلون، الصائمون، القانتون، الخاشعون. عليهم من الله الرضوان.
أما أنتم أيها المجرمون الأذلاء، فلا تظنوا أنكم ستهنئون بعيش، أو تستمتعون بحياة؛ فو الله الذى لا إله إلا هو لقد كتب عليكم الذل مع أول قطرة دم وقعت على أرض «رابعة»، هذا وعد الله، ولو أنكم أفلتم من عقاب الله لرأينا أمارات ذلك، لكنه العقاب الذى حل بكم فلم ينج منه المصريون جميعًا؛ فيما نراه من غلاء وبلاء، ومحن وفتن، وفشل وفساد، والقادم أسوأ عليكم وعلى من نصروكم، وشايعوكم، وأمدوكم بالمال والسلاح.
لا تحسبن الله غافلاً عما يفعل الظالمون، ولا تظنن الله تاركًا أولياءه فريسة للمجرمين؛ فإنه ولى الذين آمنوا، وناصر رسله، ومنجى المؤمنين، وقد جعل أرضه ميراثًا لمن حفظوا دينه وأتموا مكارم الأخلاق، وهو -سبحانه- حرب على الذين أجرموا، الذين يحادونه، ويحاربون دينه، ويقتلون أولياءه، لا يفلتهم، ربما أخرهم وأملى لهم، لكنه الاستدراج، وسواء طالت المدة أم قصرت فإنهم سيذوقون العذاب تلو العذاب، وسيكونون عبرة وعظة لأولى الألباب.
وسوف يكتب التاريخ أن أغبياء خونة أرادوها فتنة، فكانت عليهم نقمة، وعلى المؤمنين نعمة، ومنحة وخيرًا وبرًًا وبركة... -----------
أضف تعليقك