هدد الكاتب السعودي "عبد الرحمن الراشد"، دولة قطر بما جرى في "ميدان رابعة"، فقلب علينا المواجع، وذكرنا بدور المملكة العربية السعودية في هذه المجزرة، حاولنا كثيراً أن نتجاوزه!
"عبد الرحمن الراشد"، أكبر من كاتب، وأقل من مدير الاستخبارات السعودية، وكل المواقع الصحافية التي شغلها، مثل رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط"، إلى مدير تحرير قناة "العربية"، هي مجرد أدوار معلنة، للتغطية على العمل الأصلي، كعنصر في جهاز المخابرات المذكور، تماماً كما كانت مهمة الناشرين لـ "الشرق الأوسط" هي للتغطية على المالك الحقيقي لهذه الصحفية، التي تصدر في لندن!
وعندما تقرأ لعبد الرحمن الراشد، فأنت لا تقرأ فقط الرؤية السعودية الرسمية، لكنك تقرأ بالإضافة إلى هذا وجهة نظر جهاز المخابرات السعودي، وإذا كانت أجهزة الاستخبارات في كل أنحاء العالم تجند كتاباً ليعبروا عنها، فإن "الراشد" هو رجل مخابرات سري يعمل بالصحافة كنشاط معلن، وهو لم يعد ينفي ذلك، بل يعلنه ويشيعه، يبدو لأنه أصبح في حكم "مطار إمبابة السري"، فالإعلان من جانبه كان بعد أن عرف الجميع طبيعة مهنته، تماما كما أعلن للعاملين في قناة "العربية"، نحن رجال أمريكا ومع كل سياساتها بدون مواربة، فلم يعد هناك ما يخجل القوم في المملكة منه، وقد صار الحديث عن التطبيع مع إسرائيل، هو ما يجري التمهيد له الآن!
"الراشد" عندما يهدد قطر بمصير "ميدان رابعة"، لا يتحدث من فراغ، فهو ينقل ما يعلمه، سواء بالضلوع السعودي في هذه المجزرة التي أرقت الضمير الإنساني، والتي سيقف التاريخ أمامها طويلاً. أو بالتفكير السعودي ودول العدوان الثلاثي في تحويل قطر إلى "ميدان رابعة"، إن لم تخضع لهذه الدول بالقول والفعل، وتنفذ مطالبها، التي تعني قرارا بشطب قطر من على الخريطة وتقبل وجوداً تحت الوصاية السعودية والإماراتية هي في الأصل وصاية محمد دحلان، عراب المنطقة، وموفد إسرائيل إليها، وولي أمر محمد بن زايد رأساً!
في رسائله لقطر، حرص "عبد الرحمن الراشد" أن يعلن أن من المطلوب منها أن تعلن أن الشأن المصري يخص المصريين، فهل صحيح أنه جاد في ذلك؟!
ففي الحقيقة، أن الإمارات هي من مولت الثورة المضادة في مصر، وهي من حاربت إرادة المصريين في اختيار من يحكمهم، فلم يعد سراً أنها مولت حركة تمرد، كما مولت إعلاميين معروفين بالاسم وقنوات تلفزيونية وصحفا ومواقع إلكترونية، ورعت الانقلاب العسكري ومولته، كما ساندته المملكة العربية السعودية ودفعت له من اللحم السعودي الحي، بينما يوجد سعوديون يعانون الفاقة ويشكون العوز!
فأين كانت القاعدة التي يريد "الراشد" إرساءها: "الشأن المصري يخص المصريين وحدهم"؟!.. والإمارات عندما همت بالانقلاب على إرادة المصريين كان ما أعلنته أن مصر هي المجال الحيوي للاستثمار الإماراتي وأن مشكلة محمد مرسي أنه أدخل قطر على الخط، فمن أين جاء الاعتقاد أن مصر "كعكة" يتنازعها القطريون والإماراتيون!
ما علينا.. فلنأتي إلى "بيت القصيد"! فالتهديد بأن تكون قطر هي "ميدان رابعة"، إنما يأتي ليثبت أن هذه المذبحة كانت السعودية تقف وراءها وأنها كانت بالأمر المباشر من الملك عبد الله، صدر منه لعامله على القاهرة عبد الفتاح السيسي، وقد استمعت لرواية بهذا المعنى جاء رجل المخابرات السعودية "عبد الرحمن الراشد" ليؤكدها في رسالة لا تخطئ العين دلالتها!
عندما كان الملك سلمان وليا للعهد، سمعت أكثر من رسالة تفيد أن الرجل مشغول بأمر ضحايا المجزرة، وإذا كان دائماً ما يؤكد رضاه عن الحكم العسكري، باعتبار أن مصر تحكم عسكريا طوال الوقت، فما الضرر في هذا؟!.. فإنه كان يقترح، هو بشكل مباشر، أو عبر مكتبه، أن يتم حل المعضلة بدفع الدية لأهالي قتلى رابعة!
وهذه الرسائل التي وصلت غيري كما وصلتني، جعلتنا نتصور عندما وسد الأمر له أن "تحت القبة شيخ"، وبنى البعض قصصاً من الخيال على إثر هذه الرسائل لم تحدث في الواقع، مثلما قيل إن سلمان قال بصوت متهدج: "لقد ظلمنا مرسي"!
ولم نكن نعلم أن "سلمان" لا يختلف عن "عبد الله" إلا في الدرجة وليس في النوع، والثاني غادر الحياة الدنيا وهو على غطرسته، أما الأول فقد أراد أن يحل المعضلة الإنسانية، من الخزانة السعودية، وعلى أساس أن من ديته فلوس اقتله!
ولم يكن اقتراح دفع السعودية للدية، مرده إلى المشاعر الإنسانية المرهفة ولكن لأن السعودية متورطة في هذه الجريمة، وهو ما أكدته رسائل لم تستوقفنا في السابق فقد تجاوزناها لأننا لم نكن نملك ترف التحقيق فيها، لكن في قيام "عبد الرحمن الراشد" باستدعائها، في ساحة مختلفة، ما يمثل قرينة ترتقي لمرتبة الدليل على صحة الراوية التي وصلتنا!
قبل عيد الفطر في سنة 2013، بدا أن كل الأطراف قد أيقنت أنها توصلت إلى حل للأزمة التي جرت عقب الانقلاب العسكري، والتقت آشتون بالرئيس المنتخب في سجنه، كما التقى وفد من وزراء الخارجية العرب بالقيادي بجماعة الإخوان خيرت الشاطر، وتم الطلب من قادة الاعتصام لإثبات حسن النوايا التقليل من أعداد المعتصمين فاستجابوا.
وكانت تصريحات الوفود الخارجية تؤكد أن الأزمة في طريقها للحل، وأن جولة أخرى من المفاوضات ستبدأ بعد العيد، ثم إذ فجأة يحدث الفض على النحو الذي شاهده العالم كله، ولم يكتف السيسي بمجرد قتل المعتصمين بقلب بارد، وإنما أضرم النيران في الجثامين، بشكل لا يقدم عليه من كان في قلبه مثقال ذرة من إنسانية!
وقال البرادعي فيما بعد: لم يكن هناك مبرر لذلك، ومن هنا قدم استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية وغادر البلاد!
ليتبين أن عبد الفتاح السيسي هو من نفذ الجريمة بناء على أمر صادر له من الملك عبد الله، الذي أراد أن يقطع الطريق على أي مبادرات للحل، وأن يطوي صفحة الثورة المصرية تماماً!
فالسعودية، فاعل أصلي إذن في مجزرة رابعة، وهذا ما يعطي معنى لتهديدات "عبد الرحمن الراشد"، والذي فاته أن قطر دولة وليست جماعة كضحاياهم في "رابعة"، وأن المصير الذي ينتظر الدولة القطرية لن يكون كمصير الإخوان، ولكن مصير الجناة المتغطرسين سيكون كمصير السوفيت في أفغانستان!
وكما حدث وتفكك الاتحاد السوفيتي في أفغانستان من جراء هزيمة الجيش السوفيتي، فسوف يتفكك حكم آل سعود، ليكونوا بهذه "الطلعة" كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!
إن تحالفاً فشل في أن يواجه الحوثيين، الحفاة العراة في اليمن، كيف يتصور أنه قادر على أن يمثل قوة تهديد في المنطقة؟!
"ليس في كل مرة تسلم الجرة يا عبودة"!
أضف تعليقك