يتحدّث عبد الفتاح السيسي كثيراً جداً، وبشكل مبالغٍ فيه، عن الشرف، وهذه مسألة بحاجة إلى تحليل دقيق من خبراء علم النفس.
ما يهمنا هنا هو مفهوم الشرف عند عبد الفتاح السيسي، والذي يكتسب معاني ودلالات تختلف، كليةً، عمّا تعارف عليه الناس، وتواضعت عليه سير التاريخ.
يقول عبد الفتاح السيسي، بغضبٍ، في احتفاله بليلة القدر، بعد أذان الظهر بقليل "الناس عمرها ما شافت ناس شرفا ولا إيه؟" أطلقها مثل رصاصةٍ أفلتت من مدفع جندي مصاب بهستريا في وجه الذين يرفضون تفريطه في تراب مصر الوطني، بالبيع للسعودية، لمصلحة إسرائيل.
قال السيسي أيضاً "احنا ما عندناش حاجة نخبيها" وأقول: أي شرف لقائد سياسي أو عسكري وهو يستقبل رئيس حكومة العدو التاريخي للشعب العربي، في جنح الليل، سراً، داخل قصر الاتحادية، في لقاءٍ فضحته إسرائيل بعد أكثر من سنة على انعقاده؟
وأي شرفٍ، لسياسي أو عسكري، يستغل انشغال شعبه بترقّب هلال العيد، ليوقع بيده صك خيانة التاريخ والجغرافيا، ويسلم السعودية، رسمياً، قطعتين من أرض مصر؟
أي شرفٍ عند حاكمٍ يتعامل مع الشعب بمنطق أمين مخازن منحرف، يغافل الحرّاس، يقوم بتهريب قطع من الوطن، وبيعها، بعد انصراف العاملين؟
هذا المفهوم الفريد لشرف السيسي تجده، من دون اختلافاتٍ كبيرة، لدى الذين يحاصرون الشعب القطري، حتى تسلم حكومته بقائمة مطالب لا تقنع، أو ترضي أحداً في العالم، إلا إسرائيل.
يتحدث محاصرو قطر، كذلك، عن شرف القبيلة وشرف الجوار وشرف الأخوّة، بينما حملتهم من الأساس بنيت على قيم مخلّة بالشرف، بدءًا من القرصنة وبث الأكاذيب، واتباع أساليب همجية في الابتزاز، غير أن الأخطر أن كل ما جرى ويجري إنما جاء تلبيةً لاستحقاقات مشروع إسرائيلي لإدارة شؤون المنطقة.
في مساء الخميس 22 يونيو/ حزيران الجاري، كان مؤتمر هرتسليا السنوي للأمن القومي الصهيوني يلملم أوراق دورته المنعقدة بحضور سفير عبد الفتاح السيسي، وفي اللحظة ذاتها، كتب المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي على "تويتر" "إيران والمحور الشيعي هما تهديد مركزي على استقرار المنطقة له عوارض عالمية، وخطر مركزي لإسرائيل".
فجر الجمعة 23 يونيو/ حزيران جاء الرد سريعاً من "عرب اعتدال" الذين هم "ثلاثي الحصار على قطر+ سيسي" بلائحة مطالب، أو إملاءات، مطروحة على دولة قطر، تمهلها عشرة أيام لتعيد النظر في علاقاتها بكل من يضايق إسرائيل، أو يمثّل خطراً على أمنها القومي، ابتداء بطهران، مروراً بحزب الله والأخوان المسلمين وحركة حماس، وليس انتهاء بأنقرة.
يمكنك أن تضع توصيات المشاركين في مؤتمر هرتسليا الصهيوني وتصريحاتهم، أمام "قائمة اعتدال"، لتتبين أين وكيف يصنع القرار الإقليمي في هذه الأيام.
انعقد المؤتمر الإسرائيلي وانفضّ، مشغولاً بهاجسٍ وحيد، هو الدفع بتشكيل تحالف صهيوني - سني، للدفاع عن المصالح المشتركة بين إسرائيل وعرب اعتدال، والذي يلخص فكرته وزير الأمن العام في إسرائيل، جلعاد أردان، حسب ما نقله موقع ميدل إيست آي، بالقول "هناك فرصة تاريخية لإقامة ائتلاف جديد بين إسرائيل والدول الغربية الأخرى والدول العربية والسنية بالاستناد على المصالح المشتركة"، وهو التصور الذي يضيف عليه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، الإعلان أن "مقولة الصراع العربي الإسرائيلي لم تعد حقيقة واقعة؛ كون إسرائيل لم تعد لديها تناقضاتٌ مع المعسكر السني العربي".
وأبعد من ذلك، يذهب وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بدعوة عاهل السعودية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيما يحلق وزير الاستخبارات والنقل، يسرائيل كاتس، بالمطالب الصهيوني عاليا، بأن يطلب من الملك سلمان دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الرياض، مقابل إرسال ولي عهده الأمير محمد بن سلمان إلى تل أبيب.
والشاهد أن القراءة الصحيحة لما تشتعل به الخريطة العربية من تطوراتٍ دراميةٍ مخيفةٍ يجب أن تبدأ من صفحة إسرائيل، باستعادة سيناريو الأحداث منذ انعقد اللقاء "السري" في العقبة بقيادة نتنياهو، وحضور سيسي مصر وعاهل الأردن وجون كيري في فبراير/ شباط 2016، حيث طرح نتنياهو "خطة النقاط الخمس"، وهي مجموعةٌ خطواتٍ لبناء الثقة مع الفلسطينيين مقابل قمة تجمعه بقادة السعودية ودول الخليج.. وهو اللقاء الذي توج بزيارة "سرّيةٍ أيضاً" قام بها نتنياهو إلى القاهرة، حيث التقى السيسي، صحبة زعيم المعارضة الصهيونية، يتسحاق هيرتزوغ، بعد شهرين من قمة العقبة.
السؤال هنا: هل تقبل عرب اعتدال بأن يطالبها أحدٌ بتخفيض الانبعاثات الحرارية الصادرة عن علاقات سرية وعلنية مع قتلة أطفالنا وسارقي أوطاننا؟
أضف تعليقك