ماذا يجدى استرداد حق الدولة المصرية طالما ظل حق المواطن مهدرا؟. السؤال من وحى المفارقة التى نعيشها حين وجدنا أن مختلف الأجهزة شمرت عن سواعدها لإزالة التعديات على الأراضى المملوكة للدولة، فى حين غضت الطرف عن مختلف صور التعديات على حقوق المواطنين فى الاستقرار والأمن. وهو موقف يوجه إلى الجميع رسالة مغلوطة مفادها أن السلطة معنية بعناصر قوتها وتمكينها ومواردها بأكثر من عنايتها برضى الناس وطمأنينتهم. ليس ذلك فحسب وإنما هو يعنى أن انحياز السلطة لشبكات المصالح ومراكز القوى السياسية والاقتصادية، مقدم على انحيازها للمواطنين العاديين الذين هم قوام الدولة وعمادها.
أتحدث عن إعصار المقاهى والمطاعم الذى اجتاح أهم المدن واستهدف أهدأ الأحياء السكنية، التى انتهكت حرمتها وأصبح صخب تلك المقاهى مصدر تعذيب يومى لسكانها، فضلا عما يستصحبه من فساد وإفساد.
إذا جاز لى أن أتحدث عن أهدأ أحياء القاهرة مثلا فإن الصورة أصبحت كالتالى: المناطق التى أعنيها جذبت شرائح عريضة من المواطنين الذين اختاروا أن يسكنوا بعيدا عن قلب المدينة، منهم من ادخر لسنوات ومنهم من اغترب ومنهم من وضع حصيلة كده ومنهم من اقترض كى يقتنى بيتا يضمه هو وأسرته. وبعد أن وضعوا فى مساكنهم مدخراتهم وشقاء أعمارهم فوجئوا بأن ما اعتبروه مرفأ هادئا يأنسون إليه بقية حياتهم، تحول إلى جحيم أفسد عليهم كل ما تمنوه أو خطر ببالهم. ذلك أن هجوم المقاهى استهدف الأدوار الأرضية وممرات العمارات وكل الفراغات المتاحة بين البنايات. وكان ذلك وجها واحد للكارثة، لأن لها وجها آخر تمثل فى قوة العناصر التى شنت ذلك الهجوم. إذ كانوا خليطا من التجار والمغامرين وذوى النفوذ، وكلهم من الطامحين إلى الثراء والكسب من أى باب. وبسبب قدرتهم المالية أو المعنوية فإنهم نجحوا فى استصدار الموافقات التى مكنتهم من بلوغ مرادهم. ثمة وجه ثالث للكارثة هو أن هؤلاء الأثرياء أو الباحثين عن الثراء كانوا يلجأون إلى وزارة السياحة للحصول على التراخيص اللازمة دون اكتراث بموافقة مسئولى الأحياء. ولأن تراخيص السياحة أصبحت تعطى مقابل رسوم عالية، فإن مسئولى الوزارة كان همهم هو زيادة الموارد والإيرادات حتى إذا كان ذلك على حساب السكان الآمنين.
حين ضج السكان بالشكوى وتعالت أصواتهم واستغاثاتهم استيقظت الأجهزة المحلية واتجهت إلى وقف السرطان الزاحف ومحاسبة أصحاب المقاهى والمحلات المخالفة. وفى يقظتها فإنها لجأت إلى إزالة المخالفات الأمر الذى أدى إلى تحطيم واجهات بعض المقاهى، وهو ما كبدها خسائر كبيرة. حينئذ استغل أصحابها ما جرى فرفعوا أصواتهم بدورهم مدعين أن إغلاق المقاهى أغلق أبواب الرزق أمام العاملين فيها، ولأنهم من أصحاب النفوذ فإن شكواهم وصلت إلى المراجع العليا، ففوجئنا ذات يوم بتوجيه رسمى دعا إلى التصالح مع المخالفين وتسوية أوضاعهم. وهو ما يعنى تقنين الخطأ وليس تصويبه. وكانت النتيجة أن الأمور تفاقمت أكثر. فلم يعد أصحاب المقاهى إلى سابق عهدهم وفتح محلاتهم فقط، وإنما فتحت هذه الخطوة شهية آخرين لكى ينضموا إلى السباق ويفتحوا مزيدا من المقاهى والمطاعم.
الخلاصة أن الأثرياء والمغامرين وأصحاب النفوذ كسبوا الجولة، فى حين أن الضحية والخاسر الأكبر فى المشهد كانوا السكان الذين يعدون بمئات الآلاف فى كل حى، وهم الذين راهنوا على هدوء تلك الأحياء وعلى احترام القانون والنظام العام فيها.
إن مطالب الناس بسيطة وشديدة التواضع، وتتلخص فى أن يحترم القانون كما تحترم حرية مساكنهم وحقهم فى السكينة التى حلموا بها. وليت أصحاب القرار ينتبهوا إلى خطورة تقنين الخطأ لأنه يؤدى إلى مزيد منه. ليتهم أيضا يتذكرون أن فى البلد قدرا كافيا من الاستياء والغضب. جراء تجاهل الرأى العام وعدم احترام حقوق الناس وكراماتهم، وليس هناك ما يبرر توسيع دائرة الغضب، خصوصا إذا تم ذلك لحساب نفر من الأثرياء والمقامرين وأصحاب النفوذ.
أضف تعليقك