استقبالاً لشهر يونيو من كل عام، تجد سلطة الانقلاب العسكري في مصر، وقد أشعلت المواقد ومدت الموائد للحديث عن إعدام الرئيس الأسير محمد مرسي.
فعلت ذلك في الأعوام الثلاثة الماضية، ففي 2015 سربت، على نطاق واسع، أنباء عن صفقة (وهمية) تشارك فيها كل من تركيا والسعودية، بمقتضاها يتم إلغاء عقوبة إعدام الرئيس مرسي ونقله إلى الإقامة في تركيا.
ثم في التوقيت ذاته من العام التالي 2016، عاد الحديث عن الصفقة إياها، مع بعض التعديلات، فقد نشر إعلام السيسي أن "الاتفاق التركي المصري، المتوقع ظهوره قريبا بحسب صحيفة تودايز زمان التركية، ينص على اعتراف تركيا بإدارة السيسي في مقابل عدم إعدام الإخوان. وتلعب المملكة السعودية دور الوساطة في هذا الاتفاق الذي يشمل أيضا عودة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة. ونقل التقرير عن مسئولين قريبي الصلة بالمداولات والمفاوضات الحالية أن البلدين على وشك إبرام اتفاق".
علقت على ذلك سابقاً بأنه لا تفسير عندي لهذه الرياح "الموسمية" سوى أنها تهب في إطار موجاتٍ من التسريبات الاستخبارية، المحملة بأتربة الفزع، وجراثيم التخويف؛ استباقًا لحلول ذكرى جريمة الانقضاض على السلطة، من قِبَلْ ذلك التشكيل العصابي، المدعوم دوليًا، الممول إقليميًا، المحمول فوق ظهور نخب، قرّرت أن تنحط.
وفي هذا الموسم، تخرج حناجر سيسية يتساقط منها الصدأ، معلنةً، عقب حادث المنيا الإرهابي: حان وقت إعدام "الإخوان" في السجون، على وقع أشرس حملة تنكيلٍ بسكان الزنازين، بلغت من الخسّة والبشاعة أنها استفزّت بعضاً ممن شاركوا وحرّضوا على الرئيس المنتخب.
اللافت هنا أن الأصوات التي تتحدث، على استحياء، عما يجري معه، تمعن في التركيز على "مرسي السجين"، لا "الرئيس الأسير"، وهو ما تجده، بدرجة أقل، في حملات التعاطف الإنساني مع أحقية أهل الزنازين في معاملةٍ أفضل، وهذا كله جيّد ومحمود، غير أنه، من زاوية أخرى، يسهم، بقصد أو بدون قصد، في تحويل موضوع مصر الأساس من قضيةٍ سياسية شديدة الوضوح إلى مسألة إنسانية وحقوقية، تتعلق بتحسين ظروف السجن، وترقية أساليب التعامل.
ومن باب تنشيط الذاكرة، المتواطئة في الغالب، فإن القضية ليست السجين محمد مرسي، وإنما هي قضية فعل سياسي إجرامي، توشّح بالرداء العسكري، وأجهض تجرية حكم ديمقراطي، وأعطب ثورةً، وألقى بها في جحيم مستعر.
وعلى ذلك، يصبح تحويل دفة الكلام إلى جزئية "أوضاع السجن غير الإنسانية" بمثابة تهرّبٍ من أصل الموضوع وجوهر الحكاية، ورضوخاً لأمرٍ واقع، يتمتع بترسانةٍ هائلةٍ من القدرة المادية، لكنه منعدم القوة الأخلاقية، إن وضعته على ميزان الديمقراطية والثورة، بشهادة كثيرين ممن كانوا متناغمين مع عسكرة السياسة والثورة في 2013، قبل الانقلاب وبعده، وكما وصف واصفٌ من أهلها، هو الدكتور عمرو حمزاوي، الذي ذهب، في مقال له الأسبوع الماضي، إلى أنه "قبل انقلاب 2013، انتهجت معظم الأحزاب الليبرالية واليسارية سياسة خالفت مبادئها الديمقراطية المُعلَنة، عبر رفضها مدّ اليد إلى الرئيس المنتخَب، محمد مرسي (من الإخوان المسلمين) وإلى حكومته. التكتيكات التعطيلية التي لجأ إليها "العلمانيون" رداً على سياسات الإخوان غير التوافقية، وبدافع الخشية من استيلاء الإسلاميين على المنظومة السياسية المصرية، قذفت بالأحزاب الليبرالية واليسارية إلى أحضان تحالف مكيافيلي مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية التي كانت تسعى إلى قطع الطريق على الانتقال الديمقراطي في مصر".
وهو المعنى الذي عبرت عنه قبل انقلاب 2013، وأنا أتابع الحماس المفرط من تلك القوى السياسية للتحالف مع الشيطان، من أجل إطاحة حكم الرئيس محمد مرسي، وسجلت وقتها أن "مع الأسف، بعض المثقفين المحسوبين على الثورة قرّروا مبكرا جدا أن يلعبوا مع الجنرال العائد للانتقام دور بن خلدون مع تيمورلانك، زعيم التتار الذي غزا البلاد باطشا، وسافكا للدماء، ففضل المفكر أن يؤثر السلامة، ويشتري الجاه بالخضوع والمذلة.. لا تبيعوا الثورة في مزاد الرئاسة، وتتحججوا بالمدنية".
ستجد من يحاول إقناعك بأن أربع سنواتٍ مرت قد ثبتت أقدام سلطة الانقلاب على أرض واقعٍ غابت عنه معايير العدالة والأخلاقية، وأن "الرئيس" مرسي من قاموس الماضي، وأن المتاح فقط محاولة مساعدة "السجين" مرسي، وسيدعونك للمشاركة في فاصلٍ انتخابي عبثي، من جديد، وسيحدّثونك عن فتح المجال العام وثقب الفضاء العام، إلى آخر هذه المحفوظات التي تتردد منذ "اسكيتشات حمدين 2014" وحتى الآن.
قل لهم إن الاحتلال الصهيوني يسيطر على أكثر من 85% من مساحة فلسطين، فهل نسكت عن الهتاف "فلسطين عربية"؟.
أضف تعليقك