بعد ستة أيام من التفجير الإرهابى الذى شهدته «مانشستر» وقتل فيه ٢٢ شخصا وأصيب ١٢٠، أعلن فى لندن أن تحقيقا يجرى لتحديد الثغرات الأمنية التى مكنت الإرهابى الليبى الأصل من بلوغ هدفه. كما وصل عدد الموقوفين الذين يتم استجوابهم بخصوص صلتهم بالحادث إلى عشرة أشخاص. فى ذات الوقت أعلنت رئيسة الوزراء أن درجة الطوارئ التى حددتها الدوائر الأمنية انخفضت من «حرج» إلى «قوى».
هذه المعلومات تبدو غريبة على أسماعنا فى العالم العربى. فلم نعرف أن تحقيقا أجرى يوما ما مع رجال الأمن لتحديد مواقع القصور فى أدائهم الذى أدى إلى إنجاح العمليات الإرهابية، ولم يحدث أن اعترفت جهة أمنية رسمية بأن بعض رجالها قصروا أو أخطأوا فى تعاملهم مع الإرهاب. صحيح أن الجهات الأمنية يمكن أن تحاسب بعض من تنسب إليهم شبهة التقصير، كما حدث فى نقل مدير أمن المنيا بعد الجريمة التى تعرض لها زوار الدير إلى ديوان عام الوزارة، لكن ذلك تم فى صمت، ولم يقل أحد إن تحقيقا جرى فى مدى مسئولية الأجهزة الأمنية عما جرى، حتى بدا وكأن الإجراء اتخذ من باب إرضاء الأقباط والرأى العام لا أكثر. وفى كل الأحوال فالقاعدة أن الإرهاب مستباح وأن الشرطة عندنا لا تخطئ، وإذ أثبت القضاء الخطأ فهناك ألف وسيلة لتدارك الموقف واحتوائه فى مراحله المختلفة، بحيث تتحقق البراءة فى نهاية المطاف. وأحسب أننى لست بحاجة للتذكير بالحالات العديدة التى تمت فيها تلك البراءة، ولا ننسى أننى أتحدث عن القاعدة التى تحتمل استثناءات نادرة. علما بأن ما يهمنى ليس إنزال العقاب برجل الأمن، وإنما إخضاع ملابسات العمليات الإرهابية للتحقيق الذى من شأنه تدارك الأخطاء وقطع الطريق على الإرهابيين فى محاولتهم استثمار الثغرات الأمنية لبلوغ أهدافهم.
لاحظت أيضا فى البيانات التى أعلنت أن الأجهزة الأمنية تحرت سيرة إرهابى مانشستر سلمان العبيدى الذى فجر نفسه وبذلت جهدا لايزال مستمرا للتعرف على شركائه، ولم يزد عدد المقبوض عليهم بعد أسبوع من الجريمة على عشرة أشخاص، ووجدت أنهم يحققون ويستكملون التحريات أولا ثم يلقون القبض على المشتبهين. فى حين أن العكس يحدث عندنا، حيث تسارع الأجهزة فى بلادنا إلى إلقاء القبض على أكبر عدد من المشتبهين فيما يسمى بالتمشيط، ثم بعد ذلك يبدأ التحقيق والتحرى. وأحيانا يوجه الاتهام إلى الأعداد الكبيرة من البشر ــ العشرات وأحيانا المئات ــ ثم يترك الأمر للقضاء بعد ذلك.
أما الذى أثار دهشتى فهو إعلان رئيسة الوزراء على الرأى العام عن درجة الطوارئ ومرتبتها. إذ مبلغ علمى أن الطوارئ واحدة لا تقبل القسمة، وإننا قضينا أعمارنا كلها فى ظل الطوارئ دون أن نعرف شيئا عن نوعيتها، أدرى أن المعلومات المتعلقة بذلك الجانب متداولة فى حدود المؤسسات العسكرية والأمنية، ولكن الرأى العام لا يعلم عنها شيئا.
دفعنى الفضول إلى محاولة التعرف على مراتب الطوارئ فى بريطانيا، ووجدت على موقع وزارة الداخلية أن درجات التعامل مع الإرهاب عددها خمس. الأولى وأدناها الطوارئ «المحتملة» لكن الشواهد قد ترفع منها بحيث تصبح العمليات الإرهابية «واردة» أى أكثر من محتملة. إذا تزايدت الشبهات فإن الطوارئ تصبح «حقيقية»، بعد ذلك يتطور العمل الإرهابى بحيث يصبح «احتماله كبيرا»، أما إذا وقعت الواقعة فإن الموقف يصبح «حرجا».
فى ضوء ذلك التمييز فإن الموقف كان حرجا حين وقع العمل الإرهابى، وبعد ستة أيام ولأن التحقيقات المتعلقة بالشركاء لم تكتمل فقد أصبح الأمر مجرد احتمال قوى أو كبير. وذلك تقدير يضعه الخبراء المختصون فى ضوء ما يتوفر من معلومات لذلك فإن التقدير يختلف من حين إلى آخر، بما يجعل المجتمع والرأى العام فى الصورة دائما.
أتحدى أن يجيب أحد عن السؤال: فى ظل أى طوارئ تعيش مصر الآن؟
أضف تعليقك