حين ينشغل بعض العرب عن إطلاق فكرة التحالف الإسلامى الأمريكى بالحديث عن انكشاف شعر السيدة ميلانيا قرينة الرئيس ترامب، أو نفاد «موديل» فستان ابنته إيفانكا من الأسواق، فمعنى ذلك أن خللا فادحا فى الإدراك قد حدث. وأن العبث فى المشهد ذهب إلى أبعد مدى. وإذ تذهلنا المفارقة، فإننى قد أعذر الذين تورطوا فى العبث. إذ اعتبرهم ضحايا الإعلام غير المسئول الذى ما برح يهلل لما جرى ويعتبره انتصارا سياسيا باهرا يصوب العوج ويشد الأزر ويوجه رسالة الردع للخصوم والأعادى.
إن شئنا الدقة فينبغى أن نعترف بأن فكرة التحالف مع الولايات المتحدة ليست جديدة، لأن العالم العربى دخل فى العصر الأمريكى بدرجات متفاوتة منذ عدة سنوات، حتى أن فكرة أحلافه الدول الكبرى التى جرى رفضها والتظاهر ضدها منذ الخمسينيات ــ فى مصر على الأقل ــ تحولت إلى طموح لبعض الأنظمة. وعرس تقام لإتمامه السرادقات والمهرجانات، وتنصب له الأفراح التى تحيى الليالى الملاح، إذ فى ظل انهيار النظام العربى، وفقدان الأمة للقيادة الرشيدة والبوصلة الهادية، حدث الانقلاب الذى فى ظله أصبح الالتحاق بركب الدول الكبرى فضيلة ومغنما يسعى إليه كثيرون. وكان انتشار القواعد العسكرية وما يسمى بالتسهيلات المقدمة لجيوش الدول الكبرى من قرائن ذلك الانبطاح وشواهده.
إذا سألتنى ما هو الجديد إذن، فردى أنه يتمثل فى خمسة أمور. الأول أن ما كان «عرفيا» مستورا ومسكوتا عليه صار «شرعيا» ومعلنا على الملأ. الثانى أن التحالف قدم بحسبانه تعبيرا عن إرادة الأمة العربية والعالم الإسلامى. الثالث أنه لم يوظف لصالح صراعات الدول الكبرى، وإنما جرى تأسيس التحالف لحسم الصراع فى المنطقة، ضد إيران من ناحية وضد تنظيمى داعش والقاعدة من ناحية ثانية. الأمر الرابع أنه يفتح الباب لانضمام إسرائيل إليه بدعوى مواجهة ما سمى بـ«الخطر المشترك» الذى يهدد دول المنطقة. الأمر الخامس أنه يكرس تراجع أولوية القضية الفلسطينية وترشيح إيران كى تحتل موقع الخطر الأكبر والعدو الأول. وهو المصطلح الذى استخدمه بعض القادة العرب الذين لم يجرؤ أحد منهم على ذكر اسم فلسطين، التى هى أولى وأكبر ضحايا الإرهاب الإسرائيلى ــ فى حين جرى التنويه أكثر من مرة إلى أن إيران هى «رأس الحربة» الداعم للإرهاب.
تلح على النقطة الأخيرة طول الوقت. ولست أخفى أن لدى شكوكا قوية فى أن فكرة التحالف الذى وصف زورا بأنه إسلامى، ما كان لها أن تحظى بالرعاية الأمريكية إلا إذا كانت تمهيدا لانضمام إسرائيل إليه، الأمر الذى يحقق لها ثلاثة أهداف تلح عليها وتتوخاها طول الوقت. الأول الانتقال إلى التطبيع العلنى مع الدول العربية والإسلامية، والثانى تكثيف الضغط على إيران بما يضعفها ويعرقل مشروعها النووى، والثالث تجاوز القضية الفلسطينية واعتبارها شأنا محليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إذا جاز لى أن أذهب إلى أبعد فى المصارحة والإفصاح عن الشكوك التى تراودنى، فإننى أكاد أزعم بأن فرقعة التحالف الإسلامى الأمريكى لمواجهة الإرهاب ليست مأخوذة على محمل الجد. لكنها فى عمقها بمثابة قنبلة دخان أطلقت فى الفضاء العربى كى تغطى خطوات الصفقة التاريخية التى تبدأ بالتطبيع وجاء الرئيس الأمريكى لإبرامها. ولا تنس أنه أعلن أكثر من مرة أن القادة العرب الذين التقاهم رحبوا بها.
أكرر أننى أتحدث عن شكوك أتمنى أن تكذبها الأيام المقبلة. وإلى أن ينجلى الأمر فإننى لا أمل من الهتاف وبالدعاء: يا خفى الألطاف نجنا مما نكره ونخاف.
أضف تعليقك