• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

 لم يسبق لي أن التقيت بالدكتور أحمد عارف، المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، فهناك جيل تصدر المشهد بعد الثورة، سواء في الجماعة أو في ذراعها السياسي حزب "الحرية والعدالة"، لم يكن معروفاً لنا من قبل، وكثير منهم كانوا في الخارج، وقد عادوا مثل كثيرين، كانوا يظنون أن مصر تولد من جديد، فرأوا أن يكونوا شهوداً على ذلك، وأن يكونوا جزءاً من تقدمها، قبل أن يتدخل العسكر ويعصف بكل الآمال العظيمة بجرة بيادة!

ومعرفتي بالدكتور عارف تقتصر على رؤيتي له عبر وسائل الإعلام، صوتاً وصورة، حيث كان يبدو شاباً يمتلئ حيوية ونشاطاً، وقد هالني ما شاهدته عليه في الجلسة الأخيرة، من محاكمته الجائرة، فقد شاهدت كهلاً لا يقوي على المشي، ويتحرك بصعوبة، وقد صار هيكلا بشريا، وبعد قليل وقفنا على الجريمة التي يتعرض لها في سجنه، والتي كانت سبباً في أن يتحول إلى شيخ كبير، وبشكل كان ينبغي أن تهتز لأجله الضمائر الحية، وتهرع لنجدته المنظمات الحقوقية، التي لم تكلف خاطرها بكتابة بيان واحد، ليس لأن من يقومون عليها هم فقط جزء من الجريمة التي شهدتها في 30 يونيو 2013، ولكنهم بالإضافة إلى هذا، يتخوفون أن يقدمهم الانقلاب العسكري للمحاكمة، فهناك قضية مفتوحة، هى الخاصة بالتمويل الأجنبي، والتي إذا أخذ فيها القانون مجراه، لكانوا في سجن العقرب الآن، بتهمة التخابر مع دول أجنبية، هى التي تغدق عليهم بالتمويلات، فوجدوا في السيسي الحماية لهم من ذلك، وقد أذل الحرص أعناق الرجال!

لقد قال أحمد عارف إنهم يتعرضون للتعذيب بمواد كيماوية في سجن العقرب سيئ السمعة، وقد أطلق رجال الأمن عليهم الكلاب البوليسية لتفتك بهم، وطالب بتفريغ كاميرات السجن، لكن قد أسمعت إذ ناديت حياً، فنحن في مواجهة قضاة، لا يملك الواحد منهم أن يأمر بشيء من هذا، ثم لا يجدون حرجاً في تقديم صحفيين للمحاكمة بتهمة خدش رونق القضاة، وهو الاتهام الذي مثل نكتة أضحكت الثكالى!

ولم تكن شكوى عارف هى الأولى من نوعها، عن هذا السجن- الجريمة، الذي تحول إلى مقبرة الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود، فهناك عشرات الشكوى، التي خرجت من خلف جدرانه، تشكو من الجرائم التي ترتكب بداخله، على نحو يجعل منه شبيهاً بسجن "الباستيل"، الذي تم فيه سجن المعارضين الفرنسيين ومنه انطلقت شرارة الثورة الفرنسية، ليمثل هذا السجن لبشاعة ما جرى فيه رمزاً للطغيان والإجرام!

كما أنها ليست المرة الأولى التي نعلم فيها بتعرض الدكتور أحمد عارف للتعذيب في هذا السجن سيئ السمعة، ففي شهر مايو من العام الماضي كشفت زوجته أمام المحكمة تعرضه للتعذيب، لكن القاضي رفض أن يثبت هذه الشكوى!

وفي الواقع، أنها ليست المرة الأولى التي نشاهد فيها الدكتور عارف في هذا الهزال، ففي كل جلسات محاكمته ظهر هكذا، وإن كان ليس بنفس الدرجة التي ظهر عليها في الجلسة الأخيرة، وبدا رجلاً في التسعين من عمره!

ولم يكن هو وحده في هذه الحالة فقد صُدم الرأي العام، وهو يرى الدكتور سعد الكتاتني رئيس البرلمان السابق، كما لو كان خرج تواً من قبره، وقد أغمى على البرلماني السابق عصام سلطان في القفص من شدة الإعياء، ومن هول ما يتعرضون له من تعذيب ومنع من الطعام في "باستيل مصر".

وقد وقفنا على سبب هذا القمع الإجرامي، والتنكيل الذي ترتكبه مجموعة من المرضى النفسيين، هم أداة لشخص يفتقد للحد الأدنى للإنسانية الكفيلة بمنعه من الشعور بلذة التنكيل بالأسرى، والإقدام على هذه الجريمة وإن صلى وإن صام، وإن قال إنه كان يصلي ثلاثين عاماً في المسجد، فالصلاة مفروضة على البشر، ومن يرتكب هذه الجرائم فقد سقط عنه التكليف، فالمكلف بالفرائض ينبغي أن يكون إنساناً ابتداء، وقد كان "ثعلبة" يطلق عليه "حمامة المسجد"، قبل أن يتحول إلى "السيسي"!

السبب، هو ما نشر منسوباً للمحامي عصام سلطان، الذي قال إن قيادة شرطية عرضت علينا كتابة بيان لتأييد السيسي مقابل النجاة، عندئذ بدا لي أن الكون قد تلاشى ولم تظهر منه سوى حديقة حيوان!

لقد أعلن الدكتور عصام العريان أيضاً أنهم تعرضوا في "العقرب" للتعذيب ، وهنا فقد ظهر سبب التنكيل، فالركن المهيب عبد الفتاح السيسي يحتاج إلى هؤلاء ليهبوا له الشرعية، فكشف الأمر لنا عن جانب بائس في دولة العسكر!

لقد تعرض الذين سجنوا في عهد عبد الناصر لتعذيب شديد ليغنوا في سجنهم يا جمال يا حبيب الملايين!..لكن حبيب الملايين الذي يريدوا أن ينتزعوا له تأييداً تحت السياط، قد هزم في ساحات الحرب وفي ميادين القتال، فلم تكن رسائل الاسترحام لتصنع منه قائداً عندما صمتت الألسنة، وتحركت قوات العدو، لتضع حداً لـ "فنجري البق" هذا والذي مات فعلاً في يونيو 1976، وما حدث بعد ذلك كان مجرد إجراءات لتشييع الجثمان إلى مثواه الأخير، من شخص كان أسداً علينا وفي الحروب نعامة.

تحت التعذيب، فإن هناك من أرسلوا لعبد الناصر خطابات الاسترحام، لكن عبد الناصر مات، وجاء السادات ليفرج عنهم، وإذا كان السادات قد دخل في معركة حياة أو موت مع من أطلق عليهم مراكز القوى، فقد طُلب منهم أن يتقدموا له بطلبات الاسترحام والعفو، ليشعر بالانتصار والتفوق، وبعضهم فعل، وكثير منهم رفض، وكان على رأس من رفضوا فريد عبد الكريم، الذي حُكم عليه بالإعدام وخفف الحكم، ثم تم إخلاء سبيله، ليعش سنوات طويلة بعد اغتيال السادات!

لكن يلاحظ أن الطلب منهم تقديم طلبات الاسترحام كان بعد صدور أحكام بإدانتهم ولم يثبت أنه تم إهدار أدمية أي إنسان فيهم، ليكون السيسي مختلفاً عن كل من سبقوه، وليمثل حالة فريدة في الشعور بأنه لا شيء، ولذا فإنه يظن بتأييده من قبل أسرى وتحت وطأة التعذيب أنه قد انتصر!

وإذا كنت أحيي فرسان سجن العقرب، عصام العريان، وعصام سلطان، وأحمد عارف، وكل سجناء هذا السجن- المقربة، فإنني أقول أنه لا تثريب عليكم إن أشعرتموه بالانتصار، وهو المهزوم في كافة الجبهات، وقد تضاءل في حضرة الرئيس الأمريكي، فلم يتبد منه سوى حذاء، أشاد به ترمب، ربما ذهل لمقاسه، ومن شاهدوه يحمله في انتظار أن ينتهي الرئيس محمد مرسي من صلاته، فلا يجوز له أن يغادر المسجد سوى خلف القائد الأعلى للقوات المسلحة كما قال يقول نفاقا وتزلفاً. يقولون إنه في مقاس حذاء الأطفال ومقاس (16) على أكثر تقدير!

أيدوه - يا قوم - لعله يشعر بالراحة الأبدية، فقد حصل العسكر الذين سبقوه في الحكم على تأييد الأسرى، فما زاد هذا في قيمتهم، بل كانت لعنة عليهم وبشرة خير للمصريين!

فالحاكم العسكري ليس مؤهلاً للانتصار، وعندما يشعر به في رسالة اعتراف وطلب للعفو، فإنه يموت من جراء عدم القدرة على تحمل لحظة إحساسه بالانتصار ولو على أسير، وحتى لو كان هذا مجرد إحساس كاذب كالحمل الكاذب، فالمرأة التي تتعرض لتجربة الحمل الكاذب تشعر بكل الأعراض التي تشعر بها الحامل فعلا!

من فضلكم امنحوه هذا الإحساس!

أضف تعليقك