• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

قال تعالى: (انظر كيف نُصرِّف الآيات لعلهم يفقهون)، وجاء في الحديث -عندما سُئل صلى الله عليه وسلم عن معادن العرب- قولُه: (خِيارهُمْ في الجاهلية خِيارُهُمْ في الإسلام إذا فَقُهُوا)، وفي الحديث الذي يرويه معاوية: (مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيراً يًفِقِّهُ في الدِّينِ). فالفقه في هذه النصوص يعني شيئاً فوق العلم. إنه إدراك كُنه الأمر والوصول إلى جوهره، أو كما يقول بعض الكُتّاب: قراءة ما بين السطور.

 إنّ الدخول في هذا الدين والرضى بتعاليمه، يعني أشياء كثيرة كلها على جانب عظيم من الأهمية، وعلى رأسها التوحيد التّام لله سبحانه، وإخلاص العمل له والإيمان بأنّ هذا الدين هو المقبول عنده تعالى، والدفاع عن حوزته والسعي لتطبيقه، ولو أدّى ذلك إلى نهكة المال والنفس والولد، وأن المسألة تتعدّى أن يُناضل مَنْ ينتمي إلى هذا الدين أعداءه المحليين ليناضل كل عدوٍّ له في أية بقعة من بقاع العالم. وهذا ما فهمتْه الثُّلة الكريمة التي بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة.

 هذا هو الفهم الصحيح للإسلام دونما أية مواراة أو محاباة أو انخداع بتسميات أو مصطلحات هي عبارة عن موديلات أو صرعات عصرية يُلقي بها الملحدون والمتبطِّلون في أوساط المجتمعات، ودونما أدنى مخاشاة من أيّة قوّة، إذ يكفي أن الله أكبر. وهو أقوى من كل قوة ظهرت أم استترت. وهذا ما فهمه المسلمون من السلف الصالح، وما فهمه الإخوان المسلمون في هذا العصر على يَدَي أستاذيهما الأجلّين البنّا وقطب، وما فهمته منظّمة حماس المنتسبة إلى هذه المدرسة العظيمة مدرسة الإخوان المسلمين، وبالتالي ما فهمه منها ابنها البار الشهيد مازن الفقهاء.

 وهذا ما جعل هذه المنظمة الأبية تُخرّج رتلاً أو أرتالاً من المجاهدين الصادقين الذين أنِفوا انطلاقاً من عقيدتهم الصافية أن يهادنوا العدو الغاصب ويرضوا بالدُّون على الرغم من قلة الأعداد والعُدّة والأموال، وكثرة الأعداء والشامتين والمنافقين والطاعنين في الظهر من أبناء الجلدة التي تعنو وجوههم لكُفّار الأمم الحاضرة من شرق وغرب. نعم، أرتالاً من الأشاوس الذين يدفعون كل يوم مهر عشقهم لفلسطين دماءهم وأشلاءهم ويرفعون أسلحتهم في وجه العدو، بينما يرفع الآخرون أنظمة ومنظمات ادعاءاتٍ وبيانات فارغة ومطالبات بالحقوق هزيلة ومفاوضات مع العدو اللئيم عبثية.

 هاهم أرتالها من أمثال: عيّاش وهنّود وشحادة وصيام والجعبري والمبحوح وياسين والرنتيسي، وأخيراً وليس آخراً – في سبيل الله – مازن الفقهاء الذي فَقِه هو وغيره من الملتزمين بهذا الدين الحنيف أنّ المسلم لا يهون أو يُعطي بيده، إذ بعد أن نال الشهادة العلمية تاقت نفسه إلى الشهادة الربّانية بمقاومته للعدو الذي بات يخيف الدول ذات الجيوش والرايات، فقام بعد اغتيال اليهود أخاه في الله صلاح شحادة عام 2002م للأخذ بثأره ولم يركن إلى الدَّعَة، فعمد إلى العدو يُجندل العديد من علوجه، فتابعوه وزجوه في سجونهم عشر سنوات كوامل، ولكنْ أنّى لهؤلاء الغادرين الذين أكل الحقد قلوبهم أنْ يكفُّوا عنه وقد أُبعد إلى غزّة في صفقة وفاء الأحرار عام 2011م، فكان أن ترصَّدوه حتى اختاره الله إلى جانبه شهيداً يوم الجمعة (24/3/2017م).

 إن مازن ومن ورائه منظمة حماس وكل منظمة مقاوِمة يأبون إلاّ انتزاع شرف الانتساب الحقيقي إلى فلسطين الطاهرة التي ما أصبحت عربية مسلمة إلاّ بالجهاد والاستشهاد، كما يأبون كذلك إلاّ أن يُثبِتوا بفضل مقاومتهم الباسلة أنّهم من الطائفة المنصورة التي ستبقى على الحق، وهي في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، تلك التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الغيب وبشّرنا بها والتي ستبقى كذلك تذبُّ عن بيضة الإسلام وتذود عن حمى الأمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لا يضيرها مَنْ ناكفها أو ناوءها أو تآمر عليها وما أكثرهم من عرب وعجم.

وأقول بهذه المناسبة: إذا اغتالت الآلة اليهودية الوحشية مازناً، فماذا فعل له إخوانه العرب بدولهم العديدة وجيوشهم الجرّارة وأموالهم الطائلة وأسلحتهم المكدّسة، وقد وقع اغتياله قبل بضعة أيام من انعقاد مؤتمر قمّتهم على ضفاف بحيرة لوط بتاريخ (29/3/2017م) والتي كان من ضمن قراراتها أن فلسطين عندهم القضية الأولى، ولكنها البروبوغندا ليس إلا والجعجعة التي لا طحن فيها لا غيرُ !!

 أجل، إن زعماء الأمة منشغلون – وأسفاه - بتقديم فروض الطاعة لأمريكا الرب الجديد في هذا العالم الجاهلي، وطلب اعتمادات العمالة لديها، وملتهون بقتل شعوبهم والترصُّد لأصحاب الفكر السليم والأيدي النظيفة والفروج الطاهرة عندهم، وهم في الوقت ذاته يدّعون أنهم جاؤوا ليحرّروا هذه الشعوب من الظلم والظلام والرجعية والاستعمار، بل أربوا على ذلك في الخزي والنكارة أن فتحوا بلادهم لمشركي العالم وكفرته ليسهموا معهم في قتل هذه الشعوب التي يحكمونها بالحديد

والنار، وإن كنتُ في هذا الصدد أستدركُ مستثنياً قطر في بعض مواقفها المشرّفة في هذه العتمة، إذ أشارت وحدها إلى غزّة وحصارها الظالم وطالبت بفكّه، وفضحت ولو بطريق غير مباشرة بعض الزعماء الظلمة الذين يفتعلون الأزمات مع مخالفيهم السياسيين فيزجّون بهم ظلماً وعدواناً في سجونهم، ويجلبون بذلك على مجتمعاتهم وأوطانهم الويلات والشرور.

 وعلى كُلٍّ، فإن الكرام لن تذهب دماؤهم هدراً عند الأحرار. وقد عوّدتنا حماس بجناحها العسكري القسام الرد البليغ والسريع على اعتداءات هؤلاء الغدرة ونحن بالانتظار ولهم التوقيت والقرار. وأقول لهم وهم أحبتي: إنّ شعار رسولنا عليه الصلاة والسلام – ولطالما حاول أبناء الأفاعي والقرود، اغتياله واغتيال أصحابه – يا خيل الله اركبي، أو اللهم لا تُمتني إلا وتُريني يوماً أسودَ في يهود.

وختاماً، هنيئاً أخي مازن لك الشهادة. هنيئاً لعشيرتك الفقهاء ولبلدك طوباس ولوطنك فلسطين ولمنظّمتك حماس كل التهنئة بوقوفها سدّاً منيعاً أمام خطر اليهود، تُدافع عن دنيا العروبة والإسلام. هنيئاً لها قائمة شهدائها الأبرار الذين يُنيرون صفحات تاريخ هذه الأمة وواقعها خلفاً لأبي عبيدة وجعفر وزيد ومعاذ وعبد الله بن رواحة، وغداً موكباً مهيباً كالنجوم الزُّهْر في ساحة المحشر مع الملائكة الأطهار، وذُلاًّ للخانعين من أبناء العرب لبني صهيون أعداء الله وأعداء الإنسانية. وإنني لأقول لهؤلاء المستخذين: ألا تستحيون أن يقف عليكم منشد من مواطنيكم مضيم - وأنتم لا تحرِّكون ساكناً في وجه المحتلين – يقول لكم: لو كنتُ أنا وأمتي على طريق مازنٍ ومنظّمته، فلن يجرؤ العدو أن ينال منّي ولو قِيد أُنملة، ولكنها المناهج الفاسدة والدساتير المأفونة والسياسات المهينة التي نُحكَمُ بها:

لو كنتُ من مازنٍ لم تستبِحْ إبِلِي

بنو اللقيطَةِ من ذُهلِ ابْنِ شَيبانا

ومرة أخرى، هنيئاً لك الشهادة أخي مازن، والسلام عليك حيّاً وميتاً وشهيداً وعروساً مع الحُور العين، غداً تُبعثُ تقطرُ دماؤك الزكية، اللون لون الدم والريح ريح المسك. وهو ما نوّهتُ به يوم السبت بتاريخ 25/3/2017م في جمع من ذويك وأحبابك في ديوان طُوباس في مخيم الحصن بإربد مع مجموعة من خلاّنك الإخوان المسلمين الذين أتوا ليشهدوا عرس شهادتك. فإلى جنّات الخلود، والخزي العار لأمريكا واليهود.

أضف تعليقك