هذه ليست حكايات من الخيال وإنما واقع عاشه بتفاصيله من تجاوز سنه الآن 45 عاما وعاشه الأصغر سنا بتفاصيل أقل .
وفى مصر عندما كنا أطفالا .. وقبل الغزو الفكرى الذى قام به الإخوان الإرهابيين . وأيام الدين الجميل . كانت العلاقة بالدين مرتبطة بشكل كبير بالعلاقة بما يسمى بأولياء الله الصالحين .
وكان فى كل قرية ضريح أو أكثر لهؤلاء الأولياء الصالحين .
وكان هذا الضريح هو الطبيب الشافى من الأمراض وهو الذى يقرب الناس من الله وهو الذى ينجح الأولاد ويزوج البنات ويعالج العقم .
وقد قام الإخوان والحركة الإسلامية من أوائل الثمانينات إلى ما بعد سنة 2000 بعدة سنوات بمجهود ضخم فى القضاء على تلك الظاهرة بعبقرية دعوية حيث تم ذلك بالنفس الطويل .
دون أن يهدموا ضريحا ولا أن يعتدوا على خادم ضريح .
وإنما هدموها فى قلوب الناس وعقولهم بالتدريج حتى انتهت تماما فى أكبر عملية تصحيح للعقيدة فى تاريخ مصر .
وكان فى بلدتنا ثلاثة أضرحة أو أكثر .. السلطان ماضى والست فاطمة العجمية والشيخ أبو شافع ..
وكان يقام مولد سنوى لكبيرهم السلطان ماضى ...
وكانت للمولد مراسم وثوابت يمر عليها أغلب الناس .
فكانوا يمرون على طبقات الذكر التى يتمايلون فيها وقوفا يمينا ويسارا على أنغام الطبل والصاجات الكبيرة والمزمار العالى . فيؤدون بذلك ما عليهم تجاه الله .
ثم يخرجون إلى ركن الراقصات والغوازي التى كانت جزء لا يتجزأ من مراسم المولد . فيقفون فيه كما يريدون بعد دفع رسم الدخول .
ثم يدورون حول مقام الشيخ تقبيلا ويمسحون وجوههم فى تراب المقام ويدعون بما شاءوا ثم يبقى البعض ليتناولوا العشاء من الطبالى اليومية التى نذرتها نساء القرية لسيدنا الشيخ .
وكانت توجد أيضا فى البلاد المجاورة موالد . ولكل قرية موالدها وأوليائها .
وقلما كانت قرية تخلو من ضريح أو أكثر ومولد أو أكثر حتى أن المولد كان ينتهى هنا ليبدأ فى قرية مجاورة ولتصبح السنة كلها موالد بالنسبة لأهل الصوفية وخدام الأولياء وسكان القرى .
وكان كل ضريح يحتل مساحة كبيرة من الأرض حوله لا يجوز التعدى عليها وإلا تعرض الفاعل لانتقام صاحب الضريح .
وأغلب أصحاب هذه الأضرحة لا يعرف لهم أصل ولا جنسية ولا حتى الزمان الذى عاشوا فيه وإنما وجدنا آبائنا كذلك يفعلون .
وكانت ألعاب القمار بأشكاله مظهر رئيس وعلنى من مظاهر المولد بالإضافة للراقصات فى جانب وحلقات الذكر فى جانب آخر وكل ذلك تحت لافتة وبركة سيدنا الشيخ .
وعلى الجميع أيا كانت اهتماماته أن يدور دورة حول المقام تقلبيلا ويدخل المقام إن أتيح له ليمس التراب الطاهر ويضع فى صندوق النذور ما تيسر من قروش .
وفى الليلة الكبيرة من المولد كان يتداعى كبار مشايخ الصوفية بالناحية يلبسون العمم الكبيرة الخضراء ويحملون الأعلام الخضراء لإحياء الليلة الكبيرة بالرقص الهستيرى الذى يسمونه الذكر على أنغام الطبول والصاجات وينخرط معهم رجال القرية الذين أتوا منذ قليل من النواحى الأخرى من المولد .
ينخرطون فى أشواط يتخللها الاستمتاع بما لذ وطاب من البط والأوز على طبالى سيدات القرية الصالحات اللاتى ينهين الليلة فى سعادة بإرضاء الله بإرضاء ولى الله .
ويختمون المراسم صباح اليوم التالى بعمل الزفة الكبرى التى يتقدمها خادم المقام راكبا الحصان المزين بالأعلام الخضراء وأمامه وخلفه المشايخ ورموز الصوفية بأعلامهم المميزة لكل فرقة منهم .
يتقدمهم متخصصون فى الضرب على الطبول والصاجات الكبيره ليمروا على بيوت القرية والقرى المجاورة ليدفع كل بيت شيئا مما عنده لينال بركة سيدنا الشيخ .
ولينضم كل ذلك إلى ما فى صندوق النذور ويذهب الى حيث لا بعلم الناس . ولا بشغلون أنفسهم بالتفكير فيه . حيث أن ولى الله الذى قدموا له الهدايا لا يأكل ولا يشرب .
.........
وللحديث بقية عن كبير الأولياء فى الدلتا . السيد البدوى .
أضف تعليقك