أكد الدكتور عمرو درّاج، وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الرئيس محمد مرسي، أن وصول دونالد ترامب إلى موقع الرئاسة في البيت الأبيض أدى إلى تعرض الإسلاميين بشكل خاص والمسلمين بشكل عام لتهديدات مباشرة وسريعة.
وأوضح – في دراسة حديثة له بعنوان: "سياسات ترامب: ضد الإخوان أم ضد الإسلام؟"، نشرها المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية مؤخرا، وهي الدراسة الأولى التي تقدم تحليلا شاملا ومطولا للقارئ العربي حول هذه القضية- أن البداية تمثلت في إصدار قرار تنفيذي بمنع دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة (وهو القرار الذي تم وقفه لاحقا قضائيا).
كما تمثلت تلك التهديدات – بحسب "درّاج"- في مشروعات قرارات قدمت للكونجرس تطلب من الإدارة الأمريكية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية أجنبية، مضيفا: "لا تحتاج الإدارة في الواقع لمثل هذه الطلبات، بل بدأت في التجهيز لاستصدار هذا التصنيف بشكل سريع".
وأشار إلى أن "الأهداف السياسية الظاهرة خلف هذه التوجهات تسعى بالأساس لتحجيم نفوذ وأثر المنظمات الإسلامية الأمريكية الصاعدة، وتحجيم العمل الإسلامي حول العالم، فضلا عن الاستجابة للضغوط الواقعة من بعض حلفاء الولايات المتحدة ممن يحملون عداوات سياسية مع الإخوان المسلمين بشكل خاص والإسلاميين بشكل عام".
وتابع: "تعطلت القرارات الرئاسية المتعلقة، حتى حين، بضغط قانوني وحقوقي وسياسي وشعبي كبير"، إلا أنه يرجح أن الإدارة الحالية ستعاود إثارة هذه الموضوعات، حيث "أن البحث العميق في خلفية الرئيس ترامب ومعاونيه الرئيسيين أظهرت توجها أيديولوجيا عنصريا هاما ومعاديا للإسلام، وقد يصل هذا التوجه نحو السعي لإثارة صراعات وحروب إقليمية وعالمية، وتلقى هذه التوجهات تأييدا شعبيا معتبرا، فضلا عن رؤى عميقة جيوبوليتيكية ومستقبلية من بعض أهم الأكاديميين المؤثرين مثل جورج فريدمان، مما سيدفع في اتجاه مواصلة السعي الحثيث لإنفاذ الخطط الأولية التي تم إجهاضها".
وقد استعرضت الدراسة بشيء من التفصيل خلفية أهم معاوني ترامب أيديولوجيا وفكريا، وأهمهم ستيفن بانون أقرب مستشاري ترامب إليه، والذي وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "الرئيس الفعلي" للولايات المتحدة، ومايك فلين مستشار الأمن القومي المستقيل، وستيفن ميللر ذو الواحد والثلاثين عاما وكاتب خطب ترامب خلال حملته الانتخابية، وسباستيان جوركا نائب مستشار الأمن القومي، وإريك برنس مؤسس شركة بلاك ووتر سيئة السمعة، والصهيوني جاريد كوشنر زوج ابنته إيفانكا ومستشاره المقرب، وآخرين، مما يساعد القارئ على فهم خلفية وتوجهات إدارة ترامب ودوافعها فيما يتعلق باستهداف الإسلاميين، بل والمسلمين بشكل عام.
وأكد درّاج أن "الهجمة المرتقبة على المسلمين والإسلاميين مدفوعة بخليط من الأيديولوجيا، ومن رؤى ساعية للهيمنة الإمبراطورية، ومن رؤى سياسية منافسة، ويرى أصحاب هذه الرؤى والدوافع أن البيئة الدولية والإقليمية في الوقت الحالي مهيئة لشن مثل هذه الهجمة والانتصار فيها، خاصة في ظل ضعف وتمزق المسلمين حول العالم، والثورات المضادة التي أجهضت الموجة الأولى للربيع العربي، فضلا عن تنامي الصراعات الطائفية والعرقية، خاصة التنازع السني – الشيعي الذي ستعمل إدارة ترامب على تصعيده وتحويله إلى صراع دموي يستنزف الموارد ويجر المنطقة لعشرات السنين إلى الوراء".
وأردف: "إلا أن ردود الأفعال الأمريكية والدولية على كافة المستويات تظهر فرصا كثيرة أمام المسلمين للتفاعل بشكل أفضل مع كل القوى الداعمة للحرية ومقاومة الظلم، ومن ثم تكوين تحالفات تستطيع أن تواجه بشكل جاد الهجمة الشرسة الناتجة عن تصاعد اليمين المتطرف حول العالم، فضلا عن إظهار الصورة الحقيقية الناصعة عن الإسلام بدلا من الصورة الدموية الخادعة التي يروجها المتطرفون لكسب الدعم الشعبوي لأجندتهم العنصرية".
وأوضح درّاج أن ردود الأفعال ونتائج استطلاعات الرأي، التي استعرض عددا منها، تقول إن "أمريكا ليست فقط ترامب وفريقه، وليست فقط عامة الناس المضللين كنتيجة للخطاب الشعبوي وخلط الأوراق الذي يقوم به الساسة والنشطاء ممن يتبنون أيديولوجيا عنصرية معادية للإسلام والمسلمين والأجانب بشكل عام".
وقال: "صحيح أن المجموعة المتطرفة اكتسبت موقعا مؤثرا بالتواجد في قلب البيت الأبيض يتيح لها التسبب في الكثير من المتاعب للمسلمين خاصة في أمريكا، إلا أن المقاومة لتلك التوجهات المتطرفة قوية وحية، بل وتشكل أكثرية الشعب الأمريكي، فضلا عن الكثيرين من المؤثرين من الساسة والإعلاميين والأكاديميين والفنانين وغيرهم، سواء داخل أمريكا أو في باقي العالم الغربي".
وأكمل: "بالطبع لا تدفع كل هذه المعارضة فقط توجهات متعاطفة مع المسلمين وقضاياهم، فهناك من يدافعون بالأساس عن القيم التي نشأ على أساسها المجتمع الأمريكي، وهناك من يدافعون عن الدور والمكانة الأمريكية في العالم والتي تتعرض للتآكل بفعل توجهات الإدارة الجديدة، وهناك من يخشون من تنامي نفوذ اليمين المتطرف حول العالم، فضلا عمن يتنافسون سياسيا مع ترامب وحزبه".
ونوه إلى أن "هناك جبهة عريضة متشكلة ومتنامية في الولايات المتحدة وحول العالم تعمل بجد في إطار صراع مع التوجهات العنصرية الفاشستية المتنامية، وهذه تشكل فرصة ذهبية للمسلمين للانخراط في هذه الجبهة ليس فقط للاستفادة بالحمائية النسبية التي توفرها، ولكن لتشكيل تحالفات جديدة سياسية وشعبية حول العالم على أساس الدفاع عن قيم الحرية والعدل والمساواة، ومحاربة العنصرية والتطرف أيا كان مصدره، ورعاية المظلومين والمقهورين في كل مكان، وهذه ليست قيم دخيلة على الإسلام بل من صميم رسالته".
وتابع: "إن العالم الجديد الذي يتشكل الآن في حاجة لمن يتبنى هذه القيم ويدافع عنها في وجه القوى الظلامية التي تريد إغراق العالم في موجات من التعصب والعنصرية والدمار، وبالتالي هي فرصة للمسلمين للتفاعل مع أحرار العالم وإظهار الصورة السمحة الحقيقية للإسلام تزيل بها الانطباعات الكاذبة الناشئة عن حملات التشويه الظالمة وعن ممارسات البعض من المسلمين ممن يتسببون في طمس الصورة الحقيقية للإسلام وإظهار المسلمين بمظهر همجي متعطش للدماء بما يسمح لأعداء الإسلام بالاستناد إلى هذه الاستثناءات وتعميمها لتشمل الجميع".
وقال إن "رد الفعل المطلوب اليوم من الإسلاميين، ومن المسلمين بشكل عام، لا يتمثل في التقوقع على الذات أو اتخاذ موقف معاد للغرب بأكمله بعد الشعور بالمؤامرة، ولا في الدخول في حروب وصراعات كلامية مع المتطرفين الذين لن يغير الحوار من مواقفهم العنصرية شيئا".
وأضاف: "إنما المطلوب المزيد من التفاعل والانفتاح على ذوي الفطرة السليمة، وتبني قضاياهم مع قضايانا، وشرح المفاهيم الحقيقية المتعلقة بالإسلام ورسالته السماوية الجامعة، بعيدا عن التنظيمات والجماعات التي قد تدفع البعض للتموضع السياسي ضدها، وإنما في إطار المجتمع المدني الواسع الرحب، المحب للخير والناشر لقيم الفطرة الإنسانية النبيلة، وبذلك تتحول المحنة إلى منحه، تفتح أفاقا للعمل كانت مغلقة وتقدم حلولا لمعالجة الطبيعة المضطربة للعالم اليوم".
وكشف "درّاج" عن أن الإدارات السابقة في عهدي أوباما وجورج دبليو بوش تقدمت سابقا بطلب تقييم مخابراتي عن انطباق المعايير القانونية لتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وفي بعض الأحيان تم ذلك بالمشاركة مع المخابرات البريطانية بشكل سري، وقد انتهى كل هذا إلى عدم وجود ما يدين الجماعة، مما سمح لهذه الإدارات بالتواصل مع الإخوان دون مشاكل، لافتا إلى أن التقرير الداخلي الصادر عن السي أي إيه في نهاية كانون الثاني/ يناير 2017 أكد عدم وجود ما يدعو إلى مثل هذا التصنيف.
ونظرا للاعتبارات السياسية والقانونية والحقوقية واللوجستية الكثيرة التي عرضها من خلال نماذج من عشرات الدراسات والمقالات التي نُشرت مؤخرا في العديد من أهم الصحف ومراكز الدراسات الأمريكية حول بطلان تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، رجّح درّاج "ألا تقوم الإدارة الأمريكية الآن بالمضي قدما في موضوع تصنيف الإخوان بشكل سريع كما كانت تخطط (حيث كان هناك قرار على وشك الصدور بالفعل يوم 6 شباط/ فبراير 2017) إلا أنه، وبرغم كل العوائق التي عطلت الإدارة الأمريكية عن إصدار قرار تنفيذي، سواء ذاتيا أو بطلب من الكونجرس، يقضي بتصنيف جماعة الإخوان، فإنه لا يمكن استبعاد هذا الأمر بشكل نهائي، فقرارات ترامب ونوعية مستشاريه المقربين، والطريقة التي يتصرفون بها، غير قابلة للتنبؤ".
ولفت درّاج إلى أن هناك العديد من الدوافع الذاتية لدى الإدارة الأمريكية الحالية للمضي قدما في موضوع تصنيف الإخوان، إلا أن المرجح من وجهة نظره أن يتأخر ذلك الأمر لبعض الوقت.
وأوصى درّاج "الدول الإسلامية بألا تنجر لصراعات طائفية دموية عسكرية جديدة ستدفع إليها الإدارة الأمريكية الجديدة دفعا، خصوصا بإثارة حروب جديدة، مثلا، بين دول الخليج وإيران تعيد للأذهان ذكرى الحرب العراقية الإيرانية، وما جرته بعد ذلك من ويلات تعاني منها المنطقة حتى يومنا هذا، فهذا السيناريو ينبغي تجنبه بشتى الطرق، أيا كانت أخطاء الأطراف المختلفة، وذلك لإجهاض مخططات من يريدون إثارة صراعات دموية طاحنة ليغيروا بها وجه العالم طبقا لرؤيتهم".
أضف تعليقك