جدل متصاعد تشهده أروقة الإدارة الأميركية الجديدة، تحت رئاسة دونالد ترامب، فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين، ثم أحاديث متزايدة خلال الأيام الأخيرة حول اعتزام الإدارة تصنيف الجماعة إرهابية أجنبية، ووضعها على قائمة الخارجية الأميركية المختصة بمثل هذه المسألة.
فنياً وإجرائياً، الجهة المسؤولة عن تصنيف أي جماعة أو منظمة إرهابيةً في أميركا هي وزارة الخارجية، من خلال "مكتب مكافحة الإرهاب" الذي يراقب أنشطة (وأفعال) الجماعات التي يُحتمل أن يتم تصنيفها إرهابية. ولا تقتصر المراقبة هنا فقط على انخراط جماعةٍ ما في عمل إرهابي بشكل مباشر، ولكن أيضا إذا شاركت الجماعة في التحضير أو المساعدة للقيام بمثل هذا العمل في المستقبل، كما تنص على ذلك قواعد الخارجية الأميركية. وعندما يتم تحديد أن جماعةً ما متورطة بشكل أو بآخر في الإرهاب، يتم تحضير "سجل إداري" لها فيه شرح مفصل لأنشطتها ومعرفة مدى انطباق شروط التصنيف عليها من عدمه. ولعل أهم هذه الشروط: أن تكون الجماعة أجنبية، وأن تنوي الانخراط أو أن تكون منخرطة فعلياً في أنشطة إرهابية، وأن تحمل هذه الأنشطة تهديداً للمواطنين الأميركيين وللأمن القومي الأميركي. وتنشر وزارة الخارجية قائمةً سنوية تضم عشرات المنظمات والجماعات على لائحتها. ولكن لكي تُدرج الوزارة جماعة ما على قائمة الجماعت الإرهابية، فيجب أن يتم ذلك بناء على تشريع أو قانون يصدر من الكونغرس، يطالبها القيام بذلك. كذلك يحق للرئيس الأميركي أن يصدر "أمراً تنفيذيا" (executive order) يطالب فيه وزارة الخارجية بتحديد إمكانية إدراج جماعةٍ ما على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية. "لا توجد دلائل متماسكة حول ممارسة "الإخوان" أنشطة إرهابية، أو دعم التحضير لعمليات إرهابية، فالجماعة معروفة بطرقها السلمية في ممارسة السياسة"
وفي حالة جماعة الإخوان المسلمين، فإن كلا الأمرين يبدو وارداً، ففيما يخص الكونغرس، تقدّم عضوان في مجلس الشيوخ، هما السيناتوران، تيد كروز وماريو دياز بالرت، منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بمشروع قرار للكونغرس من أجل وضع "الإخوان" علي لائحة الجماعات الإرهابية الأجنبية، ودعمهما في ذلك السيناتورات، أوررين هاتش وجيمس انهوف وبات روبرتس. ولا يزال الأمر محل نقاش، وربما يتم طرحه للتصويت قريباً. وفيما يخص ترامب، من المتوقع أن يطالب وزير الخارجية الجديد، ريكس تيليرسون، بتحديد إمكانية إدراج "الإخوان" على لائحة المنظمات الإرهابية. وحسب تقارير، كان من المقرّر أن يصدر ترامب هذا الأمر عقب توليه الرئاسة، لكنه فضل عدم الإسراع فيه، حتى يحصل على تقارير ومعلومات إضافية من أجهزة الاستخبارات الأميركية عن أنشطة "الإخوان" وإيديولوجيتهم. ولربما تعطل الأمر بسبب الضجة التي أثارها، ولا يزال، القرار المتهوّر لترامب حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية الولايات المتحدة.
كما تفيد هذه التقارير بأن ثمة ضغوطا مصرية وإماراتية كبيرة علي الإدارة الأميركية وأعضاء الكونغرس من أجل إدراج جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الجماعات الإرهابية الأجنبية. وهو أمر إذا ما حدث سيكون بمثابة "قبلة الموت" للجماعة التي تعاني من أزمات داخلية وخارجية كثيرة خلال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من ذلك، ثمّة عقبات قانونية وسياسية تواجه إدارة ترامب في مسألة تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية. فيما يخص العقبات القانونية، لا تنطبق الشروط التي تضعها وزارة الخارجية على جماعة الإخوان المسلمين. فمن جهة أولى، ثمّة مشكلة في تحديد نطاق هذه الجماعة، وماذا إذا كان أي قرار بتصنيفها إرهابية سوف يقتصر على الجماعة الأم في مصر، أم أيضا على بقية الفروع في العالم. ومن جهة ثانية، لا توجد دلائل متماسكة حول ممارسة "الإخوان" أنشطة إرهابية، أو دعم التحضير لعمليات إرهابية، فالجماعة معروفة بطرقها السلمية في ممارسة السياسة، وقد وصلت إلى السلطة في أكثر من بلد من خلال الانتخابات، كما أن معظم أنشطتها تتراوح بين الدعوة والعمل الخيري والتعليمي. ومن جهة ثالثة، لا تشكل الجماعة تهديداً أو خطراً علي المواطنين الأميركيين أو الأمن القومي الأميركي. بل على العكس، تتعاون بعض أفرع الجماعة مع الولايات المتحدة، كما الحال مع الحزب الإسلامي في العراق الذي وافق علي المشاركة في العملية السياسية تحت إشراف الأميركيين، عقب إطاحة صدام حسين. كما أن تركيا، والتي يحكم فيها الإسلاميون وتدعم "الإخوان"، تمثل حليفاً استراتيجيا لأميركا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وسياسياً، سيكون لتصنيف "الإخوان" "يعكس إصرار المسؤولين الأميركيين على تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية رغبة إيديولوجية وسياسية لدى هؤلاء، أكثر من كونه أمراً حقيقياً" جماعة إرهابية تداعيات على علاقات أميركا ببعض حلفائها، مثل الأردن والكويت وتركيا والمغرب وتونس، والتي يمارس فيها "الإخوان" العمل السياسي المشروع، بل يشاركون في السلطة.
وحقيقة الأمر، يعكس إصرار المسؤولين الأميركيين على تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية رغبة إيديولوجية وسياسية لدى هؤلاء، أكثر من كونه أمراً حقيقياً، فعناصر اليمين المتطرّف الذين يحكمون أميركا الآن، بدءاً من ترامب مروراً بأكبر مستشاريه، ستيف بانون، ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين، فضلاً عن بعض المساعدين لوزيري الدفاع والخارجية، لديهم مشكلة حقيقية مع الإسلام والمسلمين بوجه عام. وهم يرون في "الإخوان" خطراً "إيديولوجياً" داهماً عليهم، وعلى معتقداتهم الدينية. أما سياسياً، فإن تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية يمنح هؤلاء فرصة لاستهداف بعض المنظمات الإسلامية الأميركية وابتزازها، مثل مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (CAIR) والدائرة الإسلامية شمال أميركا (ICNA) والوقف الإسلامي لشمال أميركا (NAIT)، باتهامها بوجود علاقة مع جماعة الإخوان المسلمين. كذلك فإن تصنيف الإخوان جماعة إرهابية يأتي في سياق إرضاء بعض حلفاء أميركا، مثل مصر والإمارات.
ربما هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها مسؤولون أميركيون وضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية، فقد حدثت محاولات عديدة قبل ذلك، لكنها لم تنجح، ولكنها المرة الأكثر جدية، خصوصاً أنها تأتي في لحظة تاريخية فارقة، أهم ملامحها الجنون السياسي.
أضف تعليقك